ينطلق الجميعُ من بدايةٍ تقليدية؛ فيقولون: تنعقدُ القمّة العربيّةُ فى ظرفٍ استثنائىٍّ؛ فمُنذ متى لم يكن الاستثناءُ يُحوِّطها؟ حتى النسخةُ التأسيسية التى لا تعدُّها الجامعةُ فى روزنامة القِمَم، أنشاص 1946.
ليست مُجرّد ذكرى مُوجعة لاستنبات دولةٍ من العدم، واقتلاع شعبٍ من جغرافيا يتجذَّر فى أعماقها منذ قرونٍ سحيقة. النكبةُ غلافٌ دموىّ لمَتن من معارك السياسة والثقافة والهُويَّات، وفى كلِّ باب من أبوابها فصلٌ عن التزييف والاختلاق.
إن كان فى المواكبة السياسية لأزمة غزّة ما يصلح لتوثيق خِفَّة الاحتلال وإدارته السيئة؛ فإنها المواقفُ المصرية المُتلاحقة منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم.
استغرق الجميعُ فى سرديّة أن نتنياهو لا يُريد إيقاف الحرب لغايةٍ شخصية، وهذا صحيح طبعًا ولا شكَّ فيه؛ إنما لا يصحُّ اختزال المشهد المُستعر على جبهة غزة فى نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية ونزواته.
تُتقن الإداراتُ الأمريكية الرقصَ على الحبال، أو أدمنته لزمنٍ طويل حتى لم تعُد فى وارد الإقلاع عنه.. وهى جميعًا، السابق منها واللاحق، تتوهَّم قُدرتَها على حشد المُتناقضات فى عبارةٍ واحدة؛ وأن تضمنَ لها الإقناعَ والعبور الآمنَ من غابة النقد والاعتراض.
أفضت الجهود المصرية إلى عودة الأطراف جميعًا لطاولة التفاوض، حسبما أعلن مصدرٌ مصرى رفيع المستوى. ولعلّ نشاط الكواليس ما حال دون توسيع الانتشار الإسرائيلى فى رفح الفلسطينية، مع إدانة ما تجرّأ عليه الاحتلالُ بالفعل من الهيمنة على الجانب المُقابل للمعبر..
لا جديد؛ فالدولةُ التى قامت على دمٍ ومظالم، تُواصل تسطيرَ صفحاتٍ جديدة فى سيرتها المُشِينة بأيدى أسوأ أبنائها. تأسَّست إسرائيلُ على أكتاف اليسار، ولم يجدوا غضاضةً فى الجَمع بين دعائيَّات القِيَم وانحطاط المُمارسات>
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتُها فُرِجَت؛ على قول الإمام الشافعى فى قصيدته الشهيرة؛ غير أنه ليس من الثابت دومًا أنّ استحكامَ العُقدة مُقدِّمةٌ لحَلِّها، لا سيّما المسائل التى لا يسهُل قياسُها؛ لنعرف هل بلغت ذُروتَها أم ما يزال فى قَوسِها مزيدٌ من الكبت والانسداد.
نحو أربعة ملياراتٍ أو يزيد أَحيوا مُناسبتَهم أمسِ، ربّما من فَرط الاعتياد صار «عيد العُمّال» يومًا روتينيًّا لا يسترعى انتباه المعنيِّين به بالجدّية الواجبة، وحَسبُهم منه أن يغتبطَ العامل بالراحة
كلُّ انتقالات العالم الكبرى صنعتها المعرفة. عاش البشرُ قرونًا على التقاط الثمار، وعندما اكتشفوا الزراعة كانت العمليةُ التى تبدو سهلةً، حصيلةَ اشتغالٍ مُركَّبٍ وتراكُمىّ على جَمع البيانات ومعالجتها.
حتى مع افتراض النجاح فى الذهاب إلى هُدنةٍ طويلة المدى؛ لن ينقطعَ النفيرُ أو تتلاشى نُذُر الخطر. تُخيِّم الفوضى على فضاء غزّة بشكلٍ كامل، وبينما يحصرُ البعضُ أسبابَها فى العدوان الماثل.
ليست مناسبةً عادية فى منشأها، ولا فى معناها ضمن السياق القائم. يتجاوز عيدُ تحرير سيناء كَونَه ورقةً فى الروزنامة الوطنية الحديثة لمصر.
يمكن أن يُغمض عينيه ويتخيَّل نفسه مُنتصرًا؛ هذا هو السبيل الوحيد لأن يُحرز نتنياهو أهدافه فى غزّة.. صار أسوأ رؤساء الحكومات الإسرائيلية يتقلَّب بين الوهم وأحلام اليقظة، مدفوعًا بطموحاته الشخصية للبقاء أو النجاة من مقصلة الحساب؛
أسوأ ما فى الحروب أن تصير روتينًا اعتياديًّا؛ وللأسف حدث ذلك فى غزّة. اكتملت 200 يوم من العدوان على القطاع، دون إرادةٍ واضحة أو عمل جاد على إسكات البنادق،
استوعب الرئيسُ السادات مُبكّرًا أنه لن يُواجه إسرائيل بمفردها على جبهة أكتوبر؛ لذا انتقل من السلاح إلى السياسة بكفاءةٍ واقتدار. والأسبوع الجارى من أبريل يحمل ذكرى شديدة الأهمية والدلالة.
وصلت الرسائل الساخنة بأبرد الوسائل المُمكنة. لقد تلاقت إرادات الأطراف جميعا؛ أقلّه حتى الآن، على إبقاء النار مطمورة بالرماد، وعدم تقليبه حتى لا يتّسع الحريقُ بما يتجاوز أهدافهم التكتيكية الراهنة.
يلتئم مجلسُ الأمن اليوم على عناوين فلسطينية عدّة، منها مشروع قرارٍ جديد بشأن الحرب الدائرة فى غزّة، وقد دخلت شهرها السابع قبل أسبوعين تقريبًا، وأهمّها التصويت على مَنحها العضوية الكاملة فى الأُمم المتحدة.
أهمّ من اتّخاذ قرار الذهاب للحرب؛ أن تعرفَ طريقَ الرجوع منها. والمُعضلة ألّا يكون لك خيارٌ فى الأمرين؛ فتنزلق إلى دائرة النار دون قرارٍ، ولا تملك وسيلةً لإطفائها. والحال أن المشهد الذى افتتحته غزة.
عقد مجلسُ الأمن الدولى جلسةً طارئة مساء الأحد، وبعدما كانت إسرائيل موضوعًا للنقد على مدى ستّة أشهر، ولو لم تُفضِ الجولاتُ الكثيفة لقرارٍ مُنتجٍ بشأن غزّة؛ حلَّت تلك المرَّة على صِفة الضحيّة وادِّعاء المظلوميّة.
لولا غطرسة الاحتلال وإجرامه؛ ما اتّسعت النارُ ولا ازدهرت الأجنداتُ المُلوَّنة.. طرفان على النقيض تقريبًا؛ لكنهما يسعيان فى ظلِّ رُؤيةٍ واحدة، تُعادى الإقليم وتسعى لإشعاله.