لا يمتلك وطن ما تمتلكه مصر من ثروات طبيعية وخيرات متنوعة وثروة بشرية هائلة.وطن بحجم مصر كان من المفترض أن يكون من أغنى الأوطان وأكثرها ثراء ومن أوائل الأوطان فى جذب الاستثمارات الأجنبية، لأنه وطن يقع فى قلب العالم بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا .. وطن كان هدفا للاستعمار منذ القدم وكان فى الوقت نفسه صخرة أمام الغزاة تحطمت عليها كل أطماعهم .
ويدرك العالم قيمة وقامة مصر ويعرف جيدا من تمتلكه من ثروات، ومع كل ذلك الغريب فى الأمر أن المصريين فشلوا فشلا ذريعا فى الارتقاء بهذا الوطن وفى جذب الاستثمار له وفى تحويل الثروات الدفينة إلى واقع تتمتع به الأجيال .
حجم الاستثمار المباشر فى مصر
وبلغة الأرقام وبحسب تصريح أشرف سالمان وزير الاستثمار فإن حجم الاستثمار المباشر خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى الماضى بلغت نحو 5.7 مليار دولار، مقارنة بنحو 4.1 مليار دولار عن العام المالى 2013/2014 كاملًا مع استهداف معدل نمو يبلغ 5% عام 2015/2016.
بحسب الوزير فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة للعام المالى السابق تنوعت بين استثمارات فى مجال البترول بنسب أقل من العام المالى 2013/2014 وزيادة نسبة تأسيس الشركات الجديدة والشركات فى المجال الصناعى والاستثمار العقارى. وأكد أشرف سالمان أن معدل البطالة انخفض فى مصر من 13.6% إلى نحو 12.7% .
تصريحات الوزير تكشف تردى ما وصلنا إليه من أوضاع فبدلا من جذب استثمارات تصل لأكثر من 30 مليار دولار سنويا بصورة مباشرة بفضل ما نمتلكه من ثروات، نحبو لنصل إلى استثمارات تقارب الـ 8 مليارات دولار بنهاية العام المالى.
الوزير يعتبر أن ما وصلنا اليه من استثمار أمر إيجابى مقارنة بالأرقام للعام السابق ،لكن الواقع يكشف تدهور حاد فى جذب الاستثمارات، والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا فشلنا فى جذب الاستثمار ؟ وما أسباب تردد رجال الأعمال عن اقامة مشروعات بمصر؟
إجابة جزء من السؤال تكمن فيما قاله قاله رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، الذى أعلن إنه التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال احتفالية صندوق "تحيا مصر" فى شهر رمضان الماضى، وأبلغه أن هناك مشكلة فى البيروقراطية يجب القضاء عليها، مشددًا على ضرورة إجراء الحكومة اجتماعات متواصلة بالمستثمرين لمواجهة مشكلاتهم.
قائلا : "البلد دى ربنا مديها كل حاجة وملهاش عذر فى المنظر الحالى، والفلوس موجودة والمطلوب الفكر والأداء والقضاء على البيروقراطية". وعن المشروعات القومية الكبرى، قال إنها ليست الحل الوحيد لكنها جزء من منظومة الحلول، وأهمها المشروعات الصغيرة وتشجع الشباب عليها.
تخيل أن رجل أعمال وطنى بحجم نجيب ساويرس يعانى من البيروقراطية، فماذا سيكون حال بقية رجال الأعمال وصغار رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب؟
الفساد المصرى فى فيلم امريكى
الممثل الامريكى "جاك نيكلسون" يضرب فيه مثلاً بالمصريين أثناء حديثه عن الرشوة فى فيلمه "How do you know".
ففى هذا الفيلم، قدم النجم العالمى نيكلسون نموذج الموظف المرتشى الذى تسبب فى سجنه 25 عام، طبقًا لقانون الولايات المتحدة الشديد بخصوص الرشوة.
يقول جاك لإبنه، فى مشهد من مشاهد الفيلم: "قد فعلت ما يفعله كل رجل أعمال يتاجر فى الشرق الأوسط .. إذا كنت تريد أن تبيع أى سلعة غير رائجة فى بلد كمصر .. تذهب إلى هناك وترشو مصرياً .. هذا ما فعلته .. مثلما يفعل الباقون ..لقد رشوت مصرياً "
مضيفا اعلم أن هذا ضد القانون او مثل البصق فى الشارع وسبب هذا الامر له ألاما كبيرة "
هل هذا المشهد يمثل صورة مصر فى الخارج، اعتقد إنه لا يمثل الصورة كلية لكن الصورة ليست بعيدة عن الواقع المر وعن تحكم امبراطورية من الموظفين فى كل ربوع الوطن يتحكمون فى المنظومة بغض النظر عن القانون ام عدمه .. ربما نعرف جميعا هذا لكننا نفشل فى مواجهته .
اسوق مثالا للفساد والبيروقراطية قام مؤخرا مستثمر سويدى من أصل مصرى منشاة سياحة بمدينة الغردقة بسبب الروتين والبيروقراطية وتعنت السلطات المحلية معه.
قصة مستثمر سويدى
يقول المهندس أحمد قدرى النجار صاحب المنشاة السياحية " مزاجان" إنه انفق نحو مليون ونصف لتطوير المنشاة وحصل على كافة التراخيص بعد قرار عودته من السويد للاستقرار فى مصر والعمل بها .
أضاف ل" اليوم السابع" إنه حصل على كافة التراخيص بالطرق القانونية، وتم افتتاح المنشأة الترفيهية السياحية إلا انه رغم مرور عام ونصف فشل فى الحصول على ترخيص المواد الكحولية رغم ان القانون ينص عليها .
وكشف إن أى منشاة سياحة او مطعم او فندق لديه تصريح كحوليات لأنه من الأساسيات بالنسبة للأجانب .
وحمل المهندس أحمد قدرى النجار مسؤلية عدم حصوله على الترخيص لأحد الضباط بمباحث الاداب بمدينة الغردقة " الجهة المنوط بها متابعة المنشات السياحية"، وهو أمر أدى بع فى النهاية إلى إغلاق المنشاة السياحية وخسارة مليون ونصف وسفره مجددا للسويد.
وطالب النجار بتدخل أشرف سالمان وزير الاستثمار وهشام زعزوع وزير السياحة لحل الأزمة التى تعطى انطباعا سلبيا للمستثمرين عن أوضاع مصر، والتعنت مع المستثمرين وعدم تفعيل وتطبيق قانون الاستثمار .
المستثمر بيدوخ السبع دوخات للحصول على التصاريح من حوالى 74 جهة لأن منظومة الشباك الواحد ما تزال وهما ،وتحتاج ربما لسنوات لتفعيلها وهو ما يعنى استمرار النزف وتردد رجال الأعمال لتنتصر فى النهاية البيروقراطية وينتصر الفساد على القوانين.
الرقابة الادارية والاستثمار
ولأن الرئيس عبد الفتاح السيسى أدرك خطورة ما يحدث وانعكاساته السلبية على الاقتصاد قرر إدخال الرقابة الإدارية طرفا بين المستثمر والأجهزة الحكومية أيضا دخلت النيابة الإدارية وعددا من الأجهزة الرقابية طرفا لإنقاذ ما يمكن انقاذه ،لكن فى حقيقة الأمر نحن بحاجة إلى نسف كل القوانين القديمة البالية ومسح عقول الموظفين بأفكار جديدة ونظافة القطاع كله من المرتشين والفاسدين ،ونحتاج أيضا إلى أن نرحب بالمستثمر ونقدم له حوافز وتسهيلات تجعل من مصر قبلة الاستثمار الأولى فى العالم الان قبل الغد لان كل تأخير ينعكس سلبيا علينا وعلى زيادة البطالة وعلى ضعف نسبة النمو.
وعلينا ان نسال انفسنا لماذا تبلغ معدلات النمو فى الصين نحو 15% وفى حدها الادنى 10% فى حين أن اقصى ما نطمح له أن نصل بمعدل النمو ل 6% فقط ؟
إجابة السؤال كفيلة بالقضاء على كافة العراقيل التى تواجه الاستثمار بداية من عدم وجود أراضى صناعية مرفقة وارتفاع أسعارها مقارنة بالدول الاخرى، وتنافس رجال الأعمال عليها وانتظارهم نتيجة القرعة ،إضافة إلى صعوبة خروج المستثمر وتحويل أرباحه، ومعاناته للحصول على كافة التراخيص مع مختلف الجهات، والكثير من المعوقات التى تحول دون نيل مصر حظها من الاستثمار الأجنبى المباشر .
