من له مثل أولياتى.. نعيمة الأيوبي أول فتاة ارتدت روب المحاماة.. التحقت بالجامعة وكانت ضمن أول 5 خريجات.. قادت مظاهرات الطلبة ودافعت عن رموز الحركة الوطنية.. وحصلت على أول حكم بالتعويض لفتاة بسبب فسخ خطبتها

السبت، 11 مايو 2024 09:23 م
من له مثل أولياتى.. نعيمة الأيوبي أول فتاة ارتدت روب المحاماة.. التحقت بالجامعة وكانت ضمن أول 5 خريجات.. قادت مظاهرات الطلبة ودافعت عن رموز الحركة الوطنية.. وحصلت على أول حكم بالتعويض لفتاة بسبب فسخ خطبتها
ترويها‭ ‬زينب‭ ‬عبداللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى هذه المساحة نقدم سيرة النساء الأوليات اللاتى حملن مشاعل النور وسط الظلام، من فتحن أبوابا مغلقة لم يكن مسموحا لبنات جنسهن أن يطرقنها وخضن معارك مع الجهل والظلم ليمهدن لبنات حواء طرق العلم والعمل والنجاح والإبداع فى زمن كان تعليم الفتاة أمرا خارجا عن المألوف مخالفا للعادات والتقاليد، متعارضا مع النظرة السائدة للمرأة ودورها فى الحياة الذى كان مقتصرا على الزواج وخدمة الرجل وتربية الأبناء ورعاية شؤون المنزل، من شققن طرق العلم، واقتحمن مجالات العمل ورسمن مسارات جديدة لأجيال قادمة، هذه المساحة نكشف فيها مسيرة كفاح الأوليات فى كل المجالات.

فى عام 1934 وفى قاعة المحكمة التى تشهد محاكمة ثلاثة من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزى وهم «فتحى رضوان» أحد مؤسسى «حركة مصر الفتاة»، و«أحمد حسين» رئيس «حركة مصر الفتاة»، والصحفى والناشط «حافظ محمود»، الذى صار فيما بعد نقيب الصحفيين، لأنهم قادوا حملة مقاطعة ضد البضائع البريطانية، ساد الصمت فى القاعة ومعه علامات الدهشة التى وصلت إلى حد الصدمة، حين تقدمت فتاة بخطوات ثابتة لتشق صفوف الرجال نحو منصة القضاء، ظن البعض أنها قريبة أحد المتهمين، حتى وجهت حديثها للمنصة لتسأل عن القضية.

فأجابها القاضى بأن القضايا التى يوجد محاميها هى التى تنظر أولا، فكان ردها الذى صدم الجميع بل صدم المجتمع كله بأنها محامية وجاءت للدفاع عن المتهمين، فى وقت كان تعليم الفتيات أمرا غريبا، ولم تكن قاعات المحاكم تعرف سوى المحامين الرجال قبل أن تقتحم السيدات مجال المحاماة، اندهش الجميع وسادت عاصفة من الدهشة واللغط والهمهمات، فى مشهد وصفته الكاتبة آلاء شوقى بروزاليوسف خلال سلسلة «ملهمات عظيمات» استنادا لمقال حسن بسيونى المنشور عام 1951 تحت عنوان «مشاعل العدالة بين يدى حواء»، حيث أمر القاضى الجميع بالصمت لسماع المرافعة، وانطلقت أول محامية مصرية وأول فتاة ترتدى ثوب المحاماة لتدافع عن المتهمين بطلاقة وقوة وثبات، بعد أن حققت حلم حياتها فى أن تكون محامية وتدافع عن المظلومين فى حدث آثار الجدل فى مصر بين مؤيد ومعارض، وخطوة جريئة وغير مسبوقة فتحت المجال أمام بنات حواء للعمل بالمحاماة.

حلم نعيمة.. كانت هذه الفتاة هى نعيمة الأيوبى المولودة بمدينة الإسكندرية فى عائلة محبة للعلم والتعليم، فوالدها المؤرخ إلياس الأيوبى المولود فى عكا عام 1874، حيث تلقى تعليمه ثم انتقل إلى مصر ليدرس فى المدارس الفرنسية والإيطالية، واشتغل بالتدريس ثم عين مديرا لإدارة الترجمة بمجلس الشيوخ، واتجه لدراسة التاريخ وبرز فى هذا المجال وألف العديد من المؤلفات، ومنها كتاب «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا»، وكتاب «قطف الأزهار فى أهم حوادث الأمصار».

ووفقا لكتاب مى زيادة «كتابات منسية»، فإن «نعيمة» هى كريمة إلياس الأيوبى المؤرخ الفلسطينى المسيحى، الذى اعتنق الإسلام، وهى أول امرأة تنهى دراسة الحقوق عام 1933 بجامعة القاهرة.

شجع الأب ابنته على التعليم والقراءة والثقافة، فتلقت تعليمها الابتدائى فى مدرسة محرم بك بالإسكندرية، إلا أن «نعيمة»، وكما ورد على لسانها فى العديد من الصحف التى احتفت بتخرجها عام 1933 ومنها جريدة الأهرام، وجريدة العروسة، ومجلة الاثنين والدنيا، تعلقت بمهنة عمها وقالت: «شغفت بمهنة المحاماة منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمى محاميا يفخر برداء المحاماة على أى شىء آخر فى الحياة».

انتقلت «نعيمة» إلى القاهرة والتحقت بمدرسة البنات الثانوية بالحلمية الجديدة، كان حلمها القريب أن تلتحق بالجامعة وأن تدرس بكلية الحقوق، وحلمها البعيد أن تعمل بالمحاماة وتدافع عن المظلومين، ولكن كان كلا الحلمين صعب المنال فى هذا الوقت الذى لم يكن مألوفا فيه خروج البنات للتعليم والعمل، وسبقه ضجة ومعركة كبيرة تتعلق بالتحاق الفتيات بالجامعة، فبعد الإعلان عن إنشاء الجامعة المصرية عام 1908، طالب عدد من المفكرين المستنيرين، ومنهم مصطفى لطفى المنفلوطى، بالسماح للنساء بالالتحاق بالجامعة، وهى الدعوة التى أيدها الشيخ محمد عبده، وكان ذلك قبل مطالبة قاسم أمين بتعليم النساء، وبالفعل شهد العام الدراسى الأول فى الجامعة حضور 31 طالبة مع الطلاب، منهن 3 مصريات، وفى العام التالى 1909 وطبقا لكتاب دونالد مالكوم ريد «دور جامعة القاهرة فى بناء مصر الحديثة»، الصادر عام 1940 ترجمة إكرام يوسف، كان هناك 35 سيدة مصرية تتلقى المحاضرات بالجامعة، وكانت عبارة عن محاضرات عامة، تحت عنوان «سيكولوجيا وأخلاق المرأة» وألقتها الأستاذة «لوكر كوفرير» بترشيح من «هدى شعراوى»، كما ألقت باحثة البادية «ملك حفنى ناصف» عددا من المحاضرات، وتم تكليف «كوفرير» بتأسيس قسم خاص للطالبات، وهو ما آثار ضجة واسعة فى الصحف بين مؤيد ومعارض، وتجمع بعض المتزمتين أمام الجامعة لمحاولة منع الطالبات من الدخول، باعتبار أن ذلك منافيا للأداب العامة، ومع تصاعد الاحتجاجات انتهى الأمر بإلغاء وإيقاف قسم الطالبات فى الجامعة عام 1912، ومع نهاية 1913 توقف مشروع الجامعة بسبب العجز المالى وتخلى الأمير فؤاد عنها، حتى قررت الأميرة فاطمة بنت إسماعيل باشا تخصيص عدد من الأفدنة «كوقف» للإنفاق على الجامعة، وإعادة إحياء المشروع عام 1914.

المؤامرة المستنيرة.. وبالرغم من أن دستور عام 1923 نص على أهمية تعليم المرأة، فإنه لم تلتحق أى فتاة بالجامعة المصرية حتى عام 1929، وهو العام الذى شهد مؤامرة وتحايلا قاده عدد من المستنيرين، على رأسهم عميد الأدب العربى طه حسين، لفتح المجال لالتحاق الفتيات بالجامعة، وكانت من أوائل هؤلاء الفتيات نعيمة الأيوبى التى كتبت فى مقال نشر فى 13 مارس عام 1945 بمجلة «الاثنين والدنيا»، قصة التحاقها بالجامعة على يد طه حسين تحت عنوان   «كنت أول فتاة دخلت الجامعة»، فقالت: «كنا 5 فتيات، ظمأت نفوسنا إلى ارتياد مناهل العلم فى الجامعة، غير أننا خشينا إثارة الرجعيين، أولئك الذين نصبوا أنفسهم حماة التقاليد المزعومة، ورأينا أن نلجأ إلى أستاذنا الدكتور طه حسين بك، فما أن وقف على رغبتنا حتى وعد بتحقيقها، ونصح بأن نلتزم الصمت، وتجنب إذاعة الخبر حتى لا تخوض فيه الصحف فيتعذر عليه المسعى».

وتابعت: «عملنا بنصيحة أستاذنا وكانت مؤامرة ناجحة، إذ فوجئ الرأى العام بنبأ قبولنا بالجامعة، ولكن بعد أن أصبح القبول نهائيا». ونشر مقال «نعيمة» مصحوبا بصورتها مع زميلاتها الـ4 ومعه تعليق:  «خريجات الدفعة الأولى من طالبات الجامعة، وهن الدكتورة نعيمة الأيوبى، الأنسة فاطمة سالم، السيدة زهيرة عبدالعزيز، الدكتورة سهير القلماوى، والسيدة فاطمة فهمى».

تتحدث «نعيمة» فى هذا المقال عن أجواء الدراسة بالجامعة، وكيف كانت الفتيات الـ5 يتعاملن، فتقول:  «كان الجو الجامعى غريبا علينا، وكنا غرباء فيه، كان الجميع يراقبون حركاتنا وسكناتنا، وأينما اتجهنا أحاطت بنا الأنظار، كأننا مخلوقات عجيبة تظهر على الأرض للمرة الأولى، وكنا نتحاشى أن نتحدث إلى الطلبة، أو نتقرب من الأماكن التى يكثر وجودهم فيها، وإذا حيانا أحد تجاهلنا التحية، وهكذا أمضينا وقتا طويلا فى شبه عزلة، حديثنا همس، وخطواتنا استراق».

ورغم هذه الأجواء وهذا الحرص والتقيد فى التعامل، تمتعت «نعيمة» بجرأة وقدرة على مواجهة الظلم، وهو ما أوضحته فى مقالها قائلة:  «كانت المرة الأولى التى سمع فيها الطلبة صوتى، حينما اعتدت السلطات على استقلال الجامعة، فثرت مع الثائرين، ووقفت أخطب فى نحو 1800 طالب وبدت الدهشة على وجوه الطلاب وهم يسمعون صوتى للمرة الأولى، وراحوا يضحكون قائلين: «نطق أبوالهول»، وتوليت قيادة الطلبة خارج حجرات الدراسة، واستمر الاضطراب عن تلقى الدروس زهاء ثلاثة أسابيع، وكم كانت غبطتى حينما دعانى العميد ذات يوم، وطلب إلى أن أعمل على إعادة الطلبة إلى الجامعة، كما عملت على إخراجهم، بعد أن زالت أسباب الإضراب».

أبدت «نعيمة» رأيها خلال المقال فى اختلاط الطلبة والطالبات، فقالت:  «الآن وبعد أن عجمنا الحياة، حلوها ومرها، أستطيع أن أقول إن اختلاط الطلبة بالطالبات لا ينجم عنه أى ضرر، بل العكس إنه يكسب الفتاة حصانة ومناعة، إذ إن الحجر لا يحمى الفتيات ولا يصونهن، ويجب أن تشعر الفتاة بأنها مسؤولة عن نفسها، وأن لها من أخلاقها خير حصن».
المتآمرون فى حفل التخرج.. تحدث عميد الأدب العربى طه حسين عن هذه المؤامرة المستنيرة، التى فتحت المجال للفتيات للالتحاق بالجامعة خلال حفل أقامته جمعية الاتحاد النسائى، احتفالا بأولى خريجات الجامعة، وهو ما ورد فى كتاب «مذكرات هدى شعراوى»، حيث قالت «شعراوى» تحت عنوان «الاحتفال بأولى الخريجات»: «فى شهر فبراير 1932 دعوت عددا كبيرا من أعلام مصر وعظمائها لحضور حفل احتفال الجمعية بأولى خريجات الجامعة وأول طيارة مصرية، وقد لبى الدعوة عدد كبير فى مقدمتهم الأمير محمد باشا، والدكتور بهى الدين بركات باشا، وأحمد شفيق باشا، ومحمد على علوبة باشا، وقد تصدر المنصة الدكتور طه حسين والسيدة قرينته والآنسة نعيمة الأيوبى، وخريجات كلية الآداب الآنسة سهير القلماوى، والآنسة فاطمة فهمى خليل، والآنسة زهيرة عبدالعزيز، والآنسة فاطمة سالم، وقام محمد على علوبة باشا بتقديم الآنسة نعيمة الأيوبى».

وأشارت «شعراوى» فى مذكراتها إلى أن محمد على علوبة باشا قدم للآنسة نعيمة الأيوبى روب المحاماة هدية من الاتحاد النسائى ثم قال: والآن يا حضرة الزميلة قد تفضل الاتحاد النسائى وأهداك هذا الثوب، رداء المحاماة، رداء الشرف والعدل والشهامة، فصونيه واعلمى أن هذا الاتحاد يعطيك هذا الثوب طاهرا نقيا، فاحفظيه طاهرا نقيا».
وتابعت: قدم الدكتور طه حسين تلميذاته خريجات كلية الآداب سهير القلماوى وفاطمة فهمى خليل وزهيرة عبدالعزيز وفاطمة سالم، وقال فى كلمته: أظن أن موقفى الآن، ولست من الرجال الرسميين، يسمح لى بأن أكشف لحضراتكم عن مؤامرة خطيرة حدثت منذ أعوام، كان قوامها جماعة من الجامعيين، فقد ائتمر الجامعيون وقرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة ويختلسوا منها حقا اختلاسا، لا ينبئونها به ولا يشاورونها فيه، وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالى فى الجامعة المصرية، وأؤكد لكم أيها السادة أنه لولا هذه المؤامرة التى اشترك فيها الجامعيون، وبنوع خاص أحمد لطفى السيد باشا وعلى إبراهيم باشا، وهذا الذى يتحدث إليكم، والتى دبرناها سرا فى غرفة محكمة الإغلاق، لما أتيح لنا ولا للاتحاد النسائى أن أقدم إليكم الآن محامية مصرية وأديبات مصريات، اتفق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع، وكان القانون الأساسى فى الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظا مذكرا ينطبق على المصريين والمصريات، وعلى ذلك ائتمرنا على أن تقبل الفتيات إذا تقدمن إلى الجامعة، وفعلا تقدم هؤلاء الفتيات فقبلناهن ولم نحدث أحدا بذلك، حتى إذا تم الأمر وأصبح لهن حق مكتسب فى الجامعة، علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة».

معركة الأفوكاتو «نعيمة».. وبالإضافة لقوة شخصيتها، تفوقت نعيمة فى دراستها وكان ترتيبها الـ13 على دفعتها، وكان تخرجها فى الحقوق حدثا فارقا فى حياتها وفى تاريخ الحركة النسائية بتخرج أول فتاة تقتحم مجال المحاماة، واحتفت الصحف بهذا الحدث وتصدرت صورتها الصفحة الأولى لعدد من الجرائد، ومنها جريدة «الأهرام»، التى كتبت على صفحتها الأولى: «الآنسة نعيمة الأيوبى.. أول طالبة مصرية نجحت فى امتحان ليسانس كلية الحقوق منذ إنشاء مدرستها»، كما نشرت جريدة «العروسة» صورتها فى افتتاحية الجريدة بتاريخ 28 يونيو 1933 وتحتها عنوان كبير: «الأستاذة نعيمة الأيوبى- أول محامية مصرية»، وقالت فى التفاصيل: «نالت أولى فتياتنا المصريات إجازة الحقوق بتفوق نادر بين طائفة كبيرة العدد من الشبان مع درجة شرف، وخرجت من معركة الدرس والتحصيل قائدة أفكار ومناصرة للعدل ومناصفة للمظلوم من الظالم فأكرم بها من درة»، وتابعت الجريدة: «كانت نعيمة تتطلع إلى لبس روب عمها منذ نعومة أظفارها ثم وظف والدها مترجما فى وزارة الحقانية، ثم فى مجلس الشيوخ، وانتقل إلى رحمة الله وهى لم تزل فى أول حياتها المدرسية».

كما نشرت جريدة «الأهرام» فى اليوم التالى من تخرج نعيمة خبرا تحت عنوان: «الأستاذة نعيمة الأيوبى.. زيارتها للمحاكم والحفاوة بها»، تناول زيارتها إلى مجلس مصر الحسبى، وغرفة المحامين فى محكمة الاستئناف والمحكمة الشرعية.

وذكرت على لسانها أنها قالت لزملائها: إننى لن أقبل المرافعة إلا فى قضايا المظلومين لأنتصف لهم من الظالمين، وسأخصص حياتى لخدمة المهنة التى شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت المرحوم عمى محاميا يفخر برداء المحاماة على أى شىء آخر فى الحياة».

كان أمام «نعيمة» معركة جديدة بعد تخرجها فى كلية الحقوق، فكيف تواجه رفض المجتمع باقتحام فتاة مجال المحاماة لأول مرة، وهى المعركة التى انهزم فيها غيرها ممن حاولن اقتحام هذا المجال قبلها، وهو ما ذكره عبدالمنعم شميس فى كتابه «شخصيات مصرية» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، حيث قال:  «نعيمة الأيوبى أول فتاة مصرية ارتدت ثوب المحاماة ودخلت قاعات الجلسات فى المحاكم، فكانت فى الجيل الماضى أول محامية مصرية مع أن بنت جنسها، الأستاذة منيرة ثابت، حصلت على ليسانس الحقوق من باريس فى جيل سابق كجيل نعيمة الأيوبى، ولكن منيرة ثابت لم تستطع الدخول من باب نقابة المحامين أيام الزعيم سعد زغلول، فاشتغلت بالصحافة وأصدرت مجلة الأمل باللغتين العربية والفرنسية، وشجعها الزعيم على احتراف الصحافة، لأنه لم يكن فى الاستطاعة عملها بالمحاماة»، وذلك بالرغم من حالة الاحتفاء بـ «نعيمة» كأول فتاة تخرجت فى كلية الحقوق، التى وصفها شميس فى كتابه قائلا:  «عندما نشرت صورة نعيمة الأيوبى فى الصحف وهى مرتدية روب المحاماة، كان الناس يتفرجون على الصورة بإعجاب شديد، وأحس كل واحد أنها أخته أو ابنته، فقد كان المجتمع فى عصره الذهبى يسير على طريق التقدم، وكانت خطوات التقدم فى مصر أسرع منها فى بلاد أوروبية كثيرة».

ورغم نجاحها الباهر، خاضت «نعيمة» سلسلة من المعارك، كى تتمكن من تحقيق حلمها، فوفقا لكتاب مى زيادة «كتابات منسية»، فإن نعيمة الأيوبى لم تحصل على إذن بممارسة المحاماة إلا بعد احتجاجات واسعة».

تقول رباب كمال فى كتابها «نساء فى عرين الأصولية الإسلامية»: إن عام 1933 سطر فصلا جديدا فى حياة المرأة المصرية بحصول نعيمة الأيوبى على شهادة ليسانس الحقوق، وممارسة مهنة المحاماة رغم رفض الذكور فى ذلك الوقت انضمامها لصفوفهم وإعاقة قيدها فى سجلات المحامين، ولكنها لم تستسلم، وبعد مناقشات مستفيضة حصلت على أحقيتها لتصبح أول محامية فى تاريخ نقابة المحامين المصريين».

سار الجدل فى المجتمع حول قضية عمل المرأة ومشاركتها للرجل فى العديد من ميادين العمل، ونشرت الصحف العديد من المقالات بين مؤيد ومعارض.

ووفقا لكتاب مى زيادة «كتابات منسية»، فإن نعيمة الأيوبى عينت عام 1935 أول مفتشة لعمل النساء فى دائرة العمل بوزارة الداخلية، كما تخرجت أيضا فى مدرسة الخدمة الاجتماعية التابعة لجامعة ليج فى بلجيكا، لتتولى بعد عودتها للقاهرة منصبا فى وزارة الشؤون الاجتماعية المستحدثة عام 1939، وكانت عضوا ناشطا فى الاتحاد النسائى المصر

يكشف الكاتب الصحفى عبدالله نوفل فى مقال نشر بجريدة الجمهورية بتاريخ 6 يونيو 1976، تحت عنوان «بالهجرة وتحديد النسل نستطيع أن نوقف الانفجار»، الكثير من التفاصيل حول حياة نعيمة الأيوبى من خلال حديثه معها، فبعد سنوات طويلة من الضجة التى أحدثتها كأول محامية مصرية، ذكر «نوفل» أن «نعيمة» تعيش فى بروكسل قبل 8 سنوات قبل كتابة مقاله، أى منذ نهاية الستينيات، وأنها تقيم هناك مع أولادها القصر وقتها، علاء الدين وشهرازاد ابنى المرحوم على ويفورت المستشرق المعروف، الذى كان يعمل أستاذا بجامعة القاهرة، بحسب نوفل الذى أشار فى مقاله إلى أن «نعيمة» هى أول فتاة تدخل كلية الحقوق وتتخرج فيها قبل مفيدة عبدالرحمن وعائشة راتب، كما أنها أول سيدة تعمل بالخدمة الاجتماعية بمصر، مؤكدا أنها اشتغلت بالمحاماة لمدة سنة ونصف السنة فقط، ورغم قصر هذه المدة فإنها كانت حافلة بالذكريات.

يحكى «نوفل» عن أجمل ذكريات نعيمة خلال هذه الفترة: «من أجمل ذكرياتها يوم أن سافرت إلى شبين الكوم لتترافع فى إحدى القضايا، فوجدت المدينة على بكرة أبيها وعلى رأسها المدير والحكمدار والمستشارون قد خرجوا لاستقبالها، ويوم الجلسة امتلأت القاعة والنوافذ وحوش المحكمة، كما تسلق الجمهور الأشجار المحيطة، وكان تعليق الباشا المدير أنه طرب كما لو كان يسمع إحدى وصلات أم كلثوم، وصدر حكم القاضى لصالح موكلتها إحسان الغلبان، وكانت قد رفعت دعوى تطالب فيها صيدليا بالتعويض، لأنه فسخ خطبتها، فكأنه أول وآخر حكم بالتعويض لفسخ خطبة مسلمة».
ويكمل «نوفل» حديثه عن أجمل ذكريات «نعيمة» متحدثا عن القضية التى تولت فيها الدفاع عن أحمد حسين وفتحى رضوان، موضحا أن النحاس باشا قبض عليهما وأودعهما بالسجن فى إحدى الجرائم السياسية، فتمكنت من تبرئتهما والإفراج عنهما. وينقل «نوفل» على لسان نعيمة الأيوبى قولها: «لقد طلقت المحاماة بعد أن تزوجت، واتجهت إلى الخدمة الاجتماعية فعملت بها متطوعة، وكنت أول من اقترح على على ماهر باشا إنشاء وزارة للشؤون الاجتماعية، كما ساهمت مع عبدالحميد باشا عبدالحق فى إنشاء 23 مكتبا للمساعدات الاجتماعية ومئات المطاعم والحمامات الشعبية، كما أنى جمعت مليون جنيه تبرعات لإنشاء المدينة الجامعية».

كانت «الأيوبى» وقتها جاءت إلى مصر فى زيارة قصيرة، وقالت:  «جئت لبعض الأعمال، ولكنى قررت أن أعود نهائيا فى نوفمبر المقبل لأقضى بقية عمرى فى الخدمة الاجتماعية التى عشقتها طوال حياتى».

وكشفت أول محامية مصرية أنها تنوى العمل فى مجال تحديد النسل، وكان ذلك عام 1976، قائلة: «هذا أهم المشاكل التى تعيشها مصر فى هذه الأيام، وهى مشكلة جديدة، فيوم أن دخلت الجامعة كان تعدادنا لا يتجاوز 15 مليون نسمة، ارتفع اليوم إلى ما يقارب الـ40، وسوف يتضاعف بعد سنوات قليلة، فإذا لم تتضافر الجهود، فالانفجار والمجاعة قادمان لا محالة».

new
نعيمة الأيوبي
 
WhatsApp-Image-2024-05-03-at-3.32.03-AM-(1)
نعيمة الأيوبي أول فتاة ارتدت روب المحاماة

 

p
 

نعيمة الأيوبي في عدد اليوم السابع










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة