
ربما يكون بالفعل من حسن الحظ أن سياسات الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، متناقضة، ترتفع وتهبط، وبالتالى فهى لا تتعلق بالشرق الأوسط فقط، وأن مخططاته واقتراحاته حول تهجير سكان غزة نفسها حملت الكثير من التناقضات، مرة يقول إن الهدف إخلاء غزة لإعادة الإعمار، وأخرى يقول إن الهدف هو استثمار المكان لإقامة منتجعات تدر عوائد، بل إنه عرض شراء غزة، وهو عرض يخالف كل التوقعات أو حتى المخططات التى طرحت طوال الحرب.
بالطبع، فإن دونالد ترامب فاز فى انتخابيات صعبة، وهو شخص يستخدم العقل ولديه جمهور كبير يؤيده، ومساعدون يقفون معه وينفذون معه مخططات يرون أنها أفضل لأمريكا والعالم، بل إن بعض وزراء ومستشارى ترامب أنفسهم يقدمون أنواعا من العروض السياسية تبدو من خارج الصندوق، لكنها تتخذ سندا من الرئيس. هناك محللون يعتقدون أن التناقضات الظاهرة فى سياسات ترامب مقصودة، لأنها تتيح له حرية أكبر فى التحرك والتراجع، من دون أى مشكلة فى التراجع.
وحسب «نيويورك تايمز»، هناك من بين خبراء الدعاية والتسويق من يرى أن خطاب ترامب المتناقض يمثل نوعا من التشويش، لأنه يجر الإعلام للسير خلفه ومتابعته، مما يجعله دائما تحت المتابعة، وأنه بهذا يمتلك القدرة على توجيه الإعلام.
لكن هذا التحليل يتناقض مع آخرين يرون أنه يدخل فى سياقات الفوضى، ويضر بالمصالح الأمريكية، فيما يتعلق بالاقتصاد، بل بالمؤسسات التى كانت طريق أمريكا للسيطرة والتحكم من خلال بناء ولاءات من خلال هيئة المعونة الأمريكية، التى لعبت دورا كبيرا فى نشر الولاءات والتأثير الأمريكى فى دول العالم وأفراد دافعوا أو تبنوا السياسات الأمريكية التى وصفت بعضها بالإمبريالية.
وحسب تقرير CNN، فإن إيلون ماسك، حليف ترامب، الذى أوكل إليه مهمة قيادة وزارة «كفاءة الحكومة»، يطرد العاملين فى الحكومة الفيدرالية ويدعم حالة من عدم اليقين، ووصلت الفوضى إلى البيت الأبيض، وظهر فى العلن الخلاف بين إيلون ماسك، ووزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، فى اجتماع مجلس الوزراء، وحسب صحيفة «ذا هيل» كان بسبب تخفيضات وزارة الخارجية، سبق وأعلن وزير الخارجية اعتراضه على إلغاء هيئة المعونة الأمريكية التى تتبعه.
بينما قال الرئيس ترامب «لا خلافات بين ماسك وروبيو»، ونفى أن يكونوا اشتبكا فى اجتماع الحكومة، وقال إن علاقتهما رائعة، لكن هذا النفى لم يمنع من إبداء القلق من أطراف تتابع السياسات المتضاربة للرئيس ترامب، وتبدى مخاوف من أن تكون طريقا لمزيد من الصدامات والفوضى خاصة مع عدم وضوح أهداف عمليات التخفيض فى الحكومة التى يتبعها «ماسك».
هناك اعتراضات على سياسات الرئيس الأمريكى تجاه أوكرانيا، التى أدت لتوتر وما يشبه الخصام مع أوروبا منذ الصدام مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إلى المكتب البيضاوى، لتوقيع اتفاق المعادن النادرة، وتحول اللقاء إلى توبيخ زيلينسكى من قبل نائب ترامب، جيه دى فانس، وتشويح الأيدى من الرئيس انتهى بطرد زيلينسكى من البيت الأبيض، بجانب رغبة لدى ترامب فى الإسراع بإنهاء الحرب ضمن سياسة تقارب من روسيا، وهى سياسة تلقى تعارضا مع أوروبا، وأيضا من الديمقراطيين الذين دعموا الحرب، بل وساهموا فى إشعالها، بينما يرى ترامب أنها لم تكن لصالح أمريكا، خاصة أنها تتزامن مع اتجاه لتفكيك أدوات ووكالات ساعدت فى بناء قوة الولايات المتحدة، وأن هذا كله من شأنه أن يضعف من صورة بنيت على مدى عقود طويلة فى ظل الحرب الباردة.
كل هذا يبقى ضمن عملية تفاعل، لم تظهر نتائجها حتى الآن، وإذا كانت من خارج الصندوق أم من أى طريق آخر.
