
فى كتاب السيبرانى «اضغط هنا»، رصدت ظاهرة الكاراكتر «كيف يبنى العالم الافتراضى نجومًا ويهدمهم»، وما دمنا نتحدث عن نظرية التريند، يفترض أن ننتبه إلى ظاهرة الإلحاح والكاراكتر، حيث يصبح البعض نجوما بالإلحاح، ومواد مفضلة للتيك توك، أو الريلز. هناك نماذج تحولهم بعض مواقع وصفحات «بير السلم الافتراضى» إلى وجبة، كلما ظهر ورأى كاميرا يتحول إلى «حيوان سوشيلاتى»، يقول ما يطلبه منه المحاورون، ينهال شتما وسبا وهجوما، أو تعليقات وأوصاف خارجة لا تستثنى أحدا.
هذه النماذج من شخصيات اشتهرت بالتعليقات السخيفة أو بالتهجم بألفاظ فجة، وإصدر أحكام على فنانات أو شخصيات عامة، ما إن يظهر هذا الكائن ويرى كاميرا ينهال عليه صيادو النميمة بأسئلة تحريضية فينفجر فمه بألفاظ وشتائم، والمفارقة أنه يتحدث من زاوية أخلاقية بينما يحشر نفسه فيما يعرف ولا يعرف، ويظن أنهم يهتمون برأيه، بينما فى الواقع هؤلاء مجرد نماذج على «تيك توك»، ومجرد فرجة وأضحوكة وتسلية تملأ فراغات النميمة.
وفى كتاب السيبرانى عالجت هذا النموذج «أحضر قردا بشكل يومى، واعطه مساحة يومية أمام الكاميرا، واطلقه يتحدث ويحلل فى كل القضايا بلا انقطاع، كرر الفعل مرات ومرات وعشرات المرات، بعد فترة سوف يصبح القرد نجما شهيرا وله جمهور، وإذا اختفى فسوف يسأل الناس عنه، ثم إنه سيكون موضوعا لآراء الناس ومناقشاتهم: القرد قال كده.. لا القرد ما بيقولش كده.. وهكذا يصبح القرد محورا للحديث والجدل.. هذه هى خلاصة نظرية كتب عنها الكاتب الراحل الكبير أحمد بهاء الدين فى الثمانينيات من القرن العشرين، ولم يكن الانفجار الفضائى «والسوشيالى» على ما هو عليه الآن».
وهذه النظرية أصبحت أكثر وضوحا فى هذا العالم الافتراضى، أو للنقل فى الأغلب، هناك بالطبع نماذج مفيدة تتحدث أو تناقش، تختلف وتتفق، وفى المقابل نماذج كل همها أن تحقق مشاهدات بالباطل، من خلال إثارة الجدل بتعبيرات وأفكار وتعليقات «شاذة» أو متطرفة ومتعصبة، مثل سيدة أو فتاة كل فترة تخرج لتطلق تعليقات عنصرية أو طائفية، باسم التربية، وتجد زبائن يأتمنونها على أطفالهم وهى عبارة عن كتلة من التعصب والتخلف، مع جهل بالتاريخ وعداء للحضارة، وهدفها فقط أن تنتشر طبقا لنظرية «القرد والكاراكتر»، والمأخوذة من نظرية «عيش كاراكتر تشتغل أكتر»، حيث يتم حصر الفنان فى دور العبيط أو الشرير أو التافه، وبالتالى يعمل كثيرا.
والواقع أنه منذ دخلت الكاميرا على الموبايل تغير العالم، سواء فيما يتعلق بالتلصص واختراق الخصوصية والتصوير والنشر من دون إذن، أو عمل مشاهدات أو تريندات، ويصبح الأكثر تهجيصا هو الأكثر تأثيرا على جموع لا تهتم كثيرا بالمحتوى، لكن بالفرجة على نماذج وكاراكترات تطلق ألفاظا وأحكاما فجة، وتنشر الجهل وقلة القيمة من أجل الفوز بالمشاهدة والفرجة و«التهجيص»، أقرب طريق لسرقة الكاميرات بالخروج عن النص، أو حتى عن الأدب، وبالتالى فإن نجوم غرزة البودكاست أو «كاراكترات» الدوشة والهيصة ينمون ويترعرعون فى ظل هذا الهلام فى عزاءات احتفالات أو مناسبات، ضع الكاميرا فى مواجهة القرد، واطرح عليه أسئلة تحريضية يندمج وينفعل، ويطلق من فوهة فمه أنواعا وأشكالا من الألفاظ والأحكام، ضد سيدات أو رجال، وهمز ولمز بالكثير من الفجاجة وقلة الأدب، ويظن أنه مطلوب لحمته وهو مجرد «قرد وكاراكتر».
