مقالات

على طريق الفرار من الذئب.. شروط الحرب والسياسة كى لا يتداعى جدار فلسطين

الأربعاء، 09 أبريل 2025 02:00 م

بقلم حازم حسين

لا جديد فى المشهد. يتكرّر الكلامُ من كلّ الأطراف، وسيظلُّ لفترةٍ طويلة نسبيًّا؛ لأنها مرحلةُ تدافُعٍ واحتواء بين رؤيتين مُتضادّتين تمامًا. سيتوقَّف العدوان فى كلِّ الأحوال؛ إذ لا طائل من وراء استمراره بلا نهاية، ولا سبيل إلى اختبار الرُّؤى النهائية وتمريرها تحت النار.

الساعون لقَضْم الجغرافيا وكَنْس الديموغرافيا يحتاجون سياقًا يسمح بإزاحة الكتلة البشرية الهادرة، أو بعضها على الأقل. ورافضو مشروع التهجير لن يشعروا بالاطمئنان قبل لَجْم الجانى، وتثبيت الضحيَّة، بحيث لا تظلُّ غزَّة جحيمًا كما هى الآن، ولا بيئةً طاردةً لسُكّانها.

وحتى مع تشغيب نتنياهو لمصالح شخصية، وانشغال حماس بموقعها فى مستقبل القطاع، أكثر من المستقبل نفسه؛ فإنَّ ما يخشيانه سيقعُ لا محالة، وسيصطدمان عاجلاً أو آجلاً بما يهربان منه: استنفد الميدانُ كلَّ الفُرَص المُمكنة للحسم، والكلمة الأخيرة للسياسة حصرًا.

الحربُ بالبِنية والتعريف صدامٌ بين فريقين على الأقل، وقد فقدت طابعَها الثُنائىَّ قبل شهور طويلة. ينفردُ الاحتلال بالملعب دون مُنافسٍ، وما يمنعُ الفصائلَ من الاستسلام أنها تخشى تبعات الهزيمة خارج الحلبة، وإن تجرَّعت داخلها كامل المرارة.

لا مكاسبَ أمام الصهاينة، ولن تخسر المُقاومة الغزِّية أكثرَ مِمَّا خسرته، أو ليس لديها المزيد أصلاً لتخسره. لُعبةُ «عَضّ الأصابع» غرضُها التفلُّت من استحقاقات ما بعد المُنازلة، فيما يقتضى من حماس الإقرار بالمأساة، ومن غريمها الاقتناع بأنه لن يخرج بعلامة كاملة.

باختصار؛ تتواصلُ المعركة غير المُتوازِنة لاعتباراتٍ من خارجها تمامًا، ولأنَّ البديل عنها لم يكتمل حتى الآن. العَطَبُ السياسىُّ قد يخلقُ حربًا؛ لكنَّ إعطاب الحروب لا يكفى لإيقافها، طالما لم تستعِدْ السياسةُ عافيتها، أو تُصَفَّى مُناكفاتُها الصغيرةُ لتصفو لرؤيةٍ واحدة، لا تتعالى على جوهر الأزمة، كما لا تسعى لتصديرها إلى الآخرين.

قبل أن يحلّ ترامب على البيت الأبيض فى ولايته الجديدة، اختار أن يُصَعّد الخطاب لتمرير الهُدنة العالقة فى المسافة بين كابينت نتنياهو وأنفاق حماس. نجحت تجربة الفَتوَنة فاعتمدها الرجل سبيلاً، ومن القماشة ذاتها وُلِدَت أُطروحتُه عن طرد الغزّيين، وتحويل أراضيهم إلى «ريفييرا الشرق».

يُحتَمَل مع عقليّة التاجر أنه يتطلّع لصفقةٍ عقارية فعلاً، وتشى طريقته المعهودة فى التفاوض بأنه ينتهجُ آليّة «الضغوط القصوى» مع الفلسطينيين وحاضنتهم العربية، ما يعنى أنه يرقص بين هدفين أحدهما مجهولٌ نسبيًّا، وعلى المَعنيِّين بالقضية أن يهربوا من المُعلَن المُقلِق، مع انعدام معرفتهم بالخفىّ المقصود أو المقبول.

سياقٌ ضاغط نفسيًّا للغاية؛ لأنك إذ تعدو أمام الذئب مشغولاً بالافتراس وحده؛ فقد تسقط فى حفرةٍ غير مرئيّة. صحيح أن فيها نجاةً وقتيّة من الخطر الداهم؛ لكنها قد تخلق مخاطرَها اللاحقة دون استبصارٍ لها، أو جاهزية للتعامل معها، من أوّل انكسار العَظم حتى استحالة الخروج.

لم يكن التهجيرُ خيالاً فى يومٍ من الأيام. نفّذته إسرائيل عمليًّا فى زمن النكبة، قبل أن تُنادى به وتُفتّش عن آليات نظامية لتفعيله وتوسيع مداه، منذ خميسينيات القرن الماضى. ومع استطرادها فيه بعد «الطوفان»؛ فإنه يظلّ حديثًا أقرب للتمنّى من الرجاء.

المُستجَدّ أن تنقلب واشنطن على سابق مواقفها، وتُركّز مسألة التطهير العرقى بين عناصر خطابها. هذا ليس ارتدادًا على التاريخ فحسب؛ لكنه صِدامٌ فجّ مع القانون والأُمثولة الحضارية، وانتقالٌ من موقع الوسيط الضامن إلى إحدى جبهتى الحرب.

أتفهّمُ قطعًا كلَّ ما يُساق عن شخصية ترامب، وانفلاته، وغرامه بانتهاك المحاذير والقفز على الثوابت؛ لكنه فى النهاية رئيس دولة لا عصابة، والمُحدِّدات الاستراتيجية العميقة ستضبط إيقاعه خلال الأمتار الأخيرة، كما أنّ التواطؤ المفتوح مع تل أبيب قد ينعكسُ على اشتباكه مع الصين فى تايوان، بجانب أنه يتصادمُ فعليًّا عن نظريته فى العَظَمة، وما تقتضيه من أن تكون «أمريكا أوّلاً».

حتى الآن يبدو سائرًا على أحد الخطّين الأزرقين فى العَلَم الإسرائيلى، ونتنياهو على الآخر؛ إنما لكلِّ طريق نهاية ولو غابت عن الناظرين. صحيح أنه ردّ للحليف ما كان مقطوعًا عنه من بعض صفقات التسليح المُعطّلة، وضاعفَ غيرها، وربما تشدَّد فى انحيازه عمّا كان من سلفه جو بايدن؛ لكنه يحمل أجندته الخاصة، ويسعى للالتزام بشعاراته الانتخابية قدر الإمكان؛ لا لإرضاء ناخبيه قطعًا، إنما لأنه رفعها بالأصل من مُنطلَق نفعى، وأغلبها لم يطرأ ما يُغيّرها، وبعضها من البديهيات التى لن تتغيّر أصلاً مع الوقت.

ومثالاً؛ فإنه لا يُحبّ الحروب ولن يسعى إليها، قد يخوضها فى حال الضرورة، لكنه سيهرب منها كلّما كان الهروب مُمكنًا. لهذا راسلَ المُرشد على خامنئى، وارتضى ما دون المُفاوضات المباشرة، ويلتقى مبعوثُه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مع وزير خارجية إيران عباس عراقجى، فى سلطنة عُمان السبت المقبل. وبغضّ النظر عن النتائج؛ فالمسار نفسُه ممّا لا تُرحبّ به أو ترتاح إليه الحكومةُ المُتطرّفة فى إسرائيل.

كان لافتًا أن يُعلن البيتُ الأبيض عن إلغاء مؤتمره الصحفى مع نتنياهو مساء الاثنين، وأن يحدث ذلك بالتزامن أو تاليًا لاتصال مع قادة مصر والأردن وفرنسا فى قمّتهم الثُلاثية بالقاهرة.

طاب للبعض أن يربطوا بين المسألتين، وزاد آخرون بالتطرُّق لِمَا عَدّوه من الشواهد على توتُّر العلاقة، وخلوّ اللقاء من المودّة المعهودة بين الطرفين: البلدين، والشخصين من قبلهما. وإذ يحتملُ التحليل السياسىُّ النظرَ فى الوقائع كافةً، وارتضاء كلّ التأويلات طالما لا تُخاصم المنطق، ولم يبرز ما يتعارض معها أو ينفيها؛ فالواقع أن الصورةَ مُركّبةٌ تركيبًا عميقًا، وفى غاية التعقيد، وليس من السهل الخلوص فيها إلى استنتاجاتٍ سهلة، ناهيك عن أن تكون مُريحةً أو ورديّة.
الميزةُ الكُبرى لترامب أنه من خارج السياق التقليدى للسياسة الأمريكية؛ ولعلّها أبرز عيوبه وأخطرها أيضًا. لا تحكمه التوازنات الراسخة، ولا تعرف جماعاتُ الضغط منفذًا لترويضه أو تقويضه وتوجيه مساراته؛ لكنه ليس أيديولوجيًّا ومن الصعب التكهُّن بسلوكه وانفعالاته. لديه خطوطٌ عريضة ربما؛ لكنه يرتجلُ المواقفَ انطلاقًا من كيميائه المُتقلّبة، وباستجابةٍ عشوائية للرسائل الاتصالية وأنماط الاستمالة الطارئة.

وعليه؛ فقد يكون إلغاء المؤتمر لضِيقه من كلمةٍ عابرة فى ثنايا الحديث مع صديقه بيبى، أو لانشغاله بحدثٍ طارئ. بالضبط كما أنه لم يكن يُخطّط بالتأكيد لعرضه المسرحى خلال استقبال الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى فى مكتبه. كان اللقاء عاديًّا تمامًا إلى أن أخطأ الضيف؛ فانفجر المُضيف.

ومع شخصٍ كهذا؛ لا يصحُّ أن تُقَيّم الحوادثُ من منظورٍ تقليدىّ، ولا بالآليات المعروفة فى تحليل الخطاب، ظاهره وباطنه، وفرز الجوهرىِّ فيه عمّا يُطرَحُ على سبيل الحشو، أو الارتجال العارض فى انفعال المُمثِّل بالدور والجمهور. والقَصدُ أنّ الأهداف لا تتحدَّد بالمنطوق، ولا تتأكّد بالتكرار؛ إنما لا يعنى هذا أن تُعرِضَ عن كلّ ما تسمع، أو عن بعضه، مهما بدا هامشيًّا أو عفو اللحظة.

مع ترامب أنت فى سيركٍ مفتوح لحين انتهاء الفقرة/ إبرام الصفقة؛ وحتى بعد التوقيع فلا ضمانة لأنه لن ينقلب على الاتفاق؛ لينقُضَه من دون الإقرار بحقّ الشريك، ولا التفكير فى تعويضه وسداد الشرط الجزائى. وإذا كان مَحميًّا بجلوسه على عرش الامبراطورية الأكبر، وما تُوفّره القُطبية الأمريكية من فوارق على ميزان القوّة وأمام القانون؛ فلا مناص لخصومه من الجديّة والتحفُّز، وضبط الأقوال والأفعال على ميزان الذهب، والأهمّ اليقظة الدائمة، والبُعد تمامًا عن الاستهانة به أو أخذه على محمل الهزل.

كان قد مَرّر مُقترحَ التهجير والريفييرا الغزّية، خلال استضافته السابقة لنتنياهو، من فوق الرؤوس جميعًا، حتى رأس الضيف. ابتسامةُ الأخير حملت معنى الدهشة والمفاجأة، ومعهما الاستحسان أيضِا؛ لأنه لا يخرج فى النهاية عن غاية إسرائيل فى إخلاء فلسطين من أهلها؛ أمّا السيطرة الأمريكية وصفقة الاستثمار العقارى فمَتروكتان للظروف، وبعد أربع سنواتٍ قد تتعثّر الأطماع، أو تنوب عنه إدارةٌ جديدة فى تسليم القطاع للاحتلال خاليًا من الإزعاج.

الأُطروحةُ تُعَقّد المشكلةَ بدلاً من حلّها، وتشبه «مقاولةً إباديةً» لحساب النازية الصهيونية. انفعلَ العالم بها، وانتقد بعض الحلفاء الغربيّين غباءها ولا منطقيّتها، ورفضها العربُ على وقتها؛ فما كان منه إلّا أن توقّف نسبيًّا، أو تباطأت خُطاه، وطالبَهم بالبديل.

أعدّت مصر خطّتها للتعافى المُبكّر وإعادة الإعمار، واعتمدتها القمّةُ العربية الطارئة فى القاهرة، ثمّ منظمة التعاون الإسلامى فى اجتماعها بالسعودية. أشاد بعضُ رجاله بها، وقال آخرون إنها تحتاجُ إلى مزيدٍ من البحث والنقاش، وسكت هو لعدّة أسابيع، ثم عاد أخيرًا إلى حديثه القديم.

قبل شهرٍ تقريبًا كان يستقبلُ رئيس وزراء أيرلندا فى المكتب البيضاوى. سُئل عن التهجير بلهجةٍ صريحة فقال: «لن يطرُدَ أحدٌ أحدًا من غزّة». وفُسِّرَ الأمر لدى بعض العرب، بتفاؤلٍ وإحسان ظَنٍّ، على أنه تصريحٌ بالرجوع عن المُقترَح، وسحبه من مجال التداول، ما يعنى بالتبعية والضرورة تجميده وإغلاق مسرب الخطر التطهيرىّ.

والحقّ أنه لم يكن تراجُعًا؛ لأنّ السيد دونالد ينتحلُ لفكرته وجهًا إنسانيًّا مُلفّقًا، فينظر لها من زاوية الإنقاذ لا العقاب، وباعتبار أنه يفتح للغزّيين مسارًا نحو الأمل والحياة الجديدة، ومن ثمّ فلن يقبل توصيفَها على أنها لُصوصيّةٌ أو عملٌ عدوانى، ولا أنها تجور على الضحايا لحساب الجُناة المعروفين. فضلاً على احتمال مُراعاته لوجود ضيفه مايكل مارتن، مع ما يُعرَفُ من مواقف دبلن لصالح الفلسطينيين وقضيّتهم العادلة، بما يعنى أنه اختار مُقاربةً رماديّةً فى الردّ لإخفاء نواياه ضمن زمانٍ ومكان بعينهما؛ ولأن تلك النوايا لا تتّصل بالظرف، ولا تعنى جليسَ المقعد المجاور.

يملؤنى القلقُ كغيرى من ترامب وسلوكه وتحوّلاته المُتناقضة؛ لكنّنى لم أرَ جُملةَ التهجير المُتكرّرة على لسانه مشروعًا للتطبيق، ولا أن الأخذ والردّ فيها بمستوياتٍ بيانيّة مُتفاوتة رجوعًا عنها أيضًا. ما زال واقفًا على تخوم الفكرة؛ لكنه لن يسير فيها إلى مُنتهاها. والغالب أنه يتقصّد منها أهدافًا مُباشرة وغير مباشرة، تبدأ أوّلاً من إرعاب الحماسيّين، والضغط على أعصاب دول الجوار، وتُغازل شراهةَ نتنياهو ونزقَه، فيما تبقّى له من فاصلٍ على مسرح الأحداث، قد يضيقُ بحسب التطوّرات وأخطاء الإدارة والحساب؛ لكنه لن يتجاوز عامًا وعدّة أشهر على أقصى تقدير، عندما يحين موعد الانتخابات العادية فى إسرائيل أواخر 2026.

ومع قناعتى الكاملة بالتصوُّر السابق؛ فسأكون آخر الداعين إلى اعتباره استخلاصًا نهائيًّا، ناهيك عن اعتماده والركون إليه، أو الاسترخاء على شواطئه المُريحة. العِبرةُ بالمآلات لا المُقدِّمات، والعِراكُ قائمٌ ومفتوح لحين درء المفسدة وجَلب المنفعة. وليس من التهويل إطلاقًا أن نتحسَّب لكلِّ ما يطرأ ولو تبدَّت فيه العبثية والاعتباط، ولا من الرفاهة أن نعتبر بما كان فى طريقنا المليئة بالعثرات لسبعةِ عقودٍ أو يزيد.

رُفِضَ قرارُ التقسيم فكانت الحرب والنكبة، ونحلمُ اليومَ بأقل من نصف ما كان مُتاحًا وقتَها. زايدَ أشاوسُ «الصمود والتصدّى» على خيار السادات، فحرموا الفلسطينيين من دولةٍ مُمكِنَة ونضالٍ تحت سقفٍ أعلى. وتلاقَتْ الأُصوليَّةُ الإسلاميَّةُ مع اليمين الصهيونى على إفساد اتفاق أوسلو، وآخرُ طوقٍ أمامها حاليًا أن تنخرطَ فى مفاعيله الباقية من خلال مُنظّمة التحرير. وبعدما غازلت «حماس» جمهورَها بعنوان التحرير الكامل فى «الطوفان»، تتمنّى لو أنها تعود إلى السادس من أكتوبر، وكذلك لبنان الذى يُسدِّد فواتير «الإسناد والمُشاغلة»، ولو تكلَّم حسن نصر الله من قبره لاعتذر عنها، كما اعتذر قبلاً عن مُغامرة العام 2006.

الطريقُ إلى الجحيم محفوفةٌ بالنوايا الحسنة، فماذا لو كان مشكوكًا فى صفائها أصلاً؟! وكثير من النوازل الثقيلة جاءتنا فى هيئة بالوناتِ اختبار، وعندما تجاهلناها انفجرت فوق رؤوسنا، وتكشّف أنها كانت مُعبّأةً بغازاتٍ حارقة لا بهواءٍ عادىٍّ. فكرةُ ترامب غير قابلةٍ للتطبيق، ولعلّه يعرفُ؛ لكنَّ التصدِّى لها مَدخلٌ لازمٌ إلى إفشالها. وربما التردُّد فيها من جهة واشنطن، يُرَدّ بالأساس إلى صلابة القاهرة، وما نجحت فيه من بناء جبهةٍ إقليمية مُضادّة، والاشتغال الدؤوب على تعلية جدار الرفض الدولىِّ مِدماكًا بعد آخر، بلا مللٍ أو رخاوة.

أمسِ، كان ماكرون فى العريش رفقةَ الرئيس السيسى. رسالةٌ من إحدى بوَّابات الاتحاد الأُوروبى العريضة بوجاهة الرؤية المصرية، وقد عُرِضَت الرسالةُ صريحةً فى مُهاتفة القمَّة الثلاثيّة لترامب عشيّة الزيارة. نتنياهو يتآكَلُ فى بيئته، وستتكفّل الأيّامُ بتعكير مياهه مع ترامب، وخطَّة التعافى وإعادة الإعمار تظلُّ البديلَ المنطقىَّ الوحيد، ويظلّ من الواجب على الدائرة العربية بكاملها أن تتجنّد لصالحها، وأن تدفع الريحَ فى شراعِها، ويتوقّف الصِّغارُ والمُشاغبون منهم عن الصَّغَار والتشغيب. وأن يقتنع الحماسيّون بأنَّ الغزّيين أقربُ إليهم من المُمانِعين والإخوان، والقضيّة فى وجهها الصافى أَوْلَى من أيَّة أجندةٍ عقائديَّةٍ أو تنظيمية.

استبدَّ السلاحُ الطائشُ بفلسطين وقرارها، وأورثَها والمنطقةَ خرابًا عميمًا، وخلخلةً تحتاجُ عقودًا طويلةً لاستدراك تداعياتها، واستعادة الخرائط من حافّة الهاوية، وقَطع الطريق على موجةٍ يمينيَّةٍ هادرة فى إسرائيل، قد يكون نتنياهو أكثرها إجرامًا ووقاحة؛ لكنه ليس أعلاها ولا أخطرَها. إنها معركةُ السياسة الآن، والعقول الباردة، والإرادات التى تُقاوِم الاحتواء والتطويع، وتتدافَعُ مع خصمٍ أقوى وأكثر شراسة؛ لكنها تعتبرُ الحقوق العادلة جدارًا صلبًا، تستند إليه، ولن تخرقه، ويجبُ عليه هو أن يتقوَّى، ويتضامّ حجرًا إلى آخر، وألَّا ينقضّ عليها أو يتداعى من تلقاءِ نفسه.. وصفةُ الضياع واضحةٌ، وطريقُ النجاة أيضًا؛ ولا فسحة للهَزَر والنَّزَق والمُقامرات؛ ويا ليتهم يعقلون.