أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد فودة

محمد فودة يكتب.. الثقافة لم تعد «خط الدفاع الأول» عن الهوية

السبت، 18 أكتوبر 2014 10:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأحداث الأخيرة التى شهدها المجتمع من عنف وانفلات أخلاقى وتطاول على هيبة الدولة من جانب بعض الخارجين على القانون، ليست وليدة اللحظة الراهنة أو جاءت بالصدفة وظهرت فجأة بين ليلة وضحاها، فالأمر وبكل تأكيد يعكس بشكل لافت للنظر غياب دور وزارة الثقافة فى تشكيل وجدان المجتمع وتهيئة المناخ الصحى الملائم لاستيعاب أية تغييرات جذرية كان قد تعرض لها المجتمع وعلى وجه الخصوص فى أعقاب قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو حيث شهد المجتمع أكبر عملية تغيير فى السلوكيات التى جاء معظمها على نحو لم نكن نعرفه من قبل أو حتى كنا نتوقعه.

وهنا يبرز السؤال الأهم فى هذه المشكلة وهو: هل «شاخت» وزارة الثقافة التى كانت بمثابة المنارة التى تستنير بها دول المنطقة، وهل أصابها من العجز والمرض ما يجعلها غير قادرة على القيام بدور فاعل فى مواجهة هذا الكم الهائل من الأفكار المغلوطة والعنف الذى ملأ المجتمع بأشكال وصور متنوعة على الرغم من تلك الثروة التى نمتلكها من العقول الثقافية المشهود لهم بالكفاءة والإبداع والتميز، أم أن المسألة ترجع إلى أشياء أخرى تتعلق بأسلوب إدارة الشأن الثقافى المصرى؟

فمع الاحترام الكامل للدكتور جابر عصفور وهو أستاذ كبير وواحد من أصحاب القامات العالية فى المجال الثقافى، بل هو واحد من أبرز من أسهموا بشكل كبير فى تشكيل ملامح الثقافة المصرية حينما كان أمينا عاماً للمجلس الأعلى للثقافة قبل اختياره وزيراً للثقافة.. إلا أن جزءاً كبيرا من تلك الأزمة التى تعانى منها وزارة الثقافة الآن يتعلق به شخصياً، فقد كنا نعول عليه آمالاً كبيرة فى إحداث نقلة نوعية فى العمل الثقافى إلا أنه وللأسف الشديد قد شغل نفسه وشغل وزارته بأشياء ما كان يجب أن تصدر عن مثقف له باع طويل فى الأدب والنقد الأدبى ووضع استراتيجيات ورؤى مستقبلية للثقافة المصرية، فما كان يجب أن تثار كل تلك الأزمات التى عاشها وما يزال يعيشها الوسط الثقافى بل والمجتمع المصرى ككل من جراء الخوض فى قضايا جانبية وترك المشكلة الرئيسية تائهة دون إيجاد حل جذرى لها.
فنحن الآن نواجه إرهاباً جديداً علينا يتمثل فى أعمال خسيسة وتفجير مرافق عامة ومنشآت هى فى الأصل ملك للشعب إلى جانب أشكال أخرى من الإرهاب الأسود الذى يطل علينا بوجهه القبيح بشكل شبه يومى، فبدلاً من قيام وزارة الثقافة من خلال مؤسساتها المتنوعة بمواجهة هذه الأفكار التكفيرية وضربها فى مقتل من خلال الفكر والدلائل التى تعتمد على الإقناع بالمنطق نجد أنفسنا غارقين فى مشكلة لا داعى لها ولا مبرر لها أصلاً وهى قضية تجسيد الأنبياء والصحابة فى الأعمال الدرامية.. أعتقد أن تلك المشكلة من اختصاص الأزهر، وقد قال العلماء الأفاضل رأيهم وانتهى الأمر وهو موقف ثابت، فلم ولن يتغير لأن الأزهر الشريف يرفض هذا الكلام قولاً واحداً، لذا فإن الأزهر الشريف وعلماءه الأجلاء تصدوا بكل قوة لمثل تلك المحاولات من جانب البعض لإنتاج أعمال درامية تجسد الأنبياء والصحابة.
فلماذا يترك وزير الثقافة مشاكل وزارة الثقافة ويلقى بنفسه ووزارته فى مشاكل وأزمات أخرى ربما تأتى فى مرتبة متأخرة من اهتمامات وزارة الثقافة، إلا إذا كان الأمر يتعلق بموقف شخصى من جانب الوزير يجسد فكره الليبرالى ومواقفه المستنيرة؟.. حتى فى هذه الحالة فكل الاحترام للفكر المستنير والرؤى الحضارية ولكنها يجب ألا تكون على حساب الصالح العام ولا تكون على حساب حقوق المجتمع التى يجب على وزارة الثقافة أن تقدمها للمواطن وهى حقوق مشروعة أنشئت من أجلها وزارة الثقافة المصرية حيث تأسست لتوعية المجتمع وتشكيل الوجدان وإثراء الحياة بأنشطة متنوعة تقف جنبا إلى جنب مع كل مؤسسات الدولة التى كانت آنذاك تعيش فى حالة من التوهج وفى حالة من التعطش لتحقيق نهضة حقيقية.

أين مؤسسات وزارة الثقافة الآن مما يحدث على أرض مصر من صحوة ومشروعات عملاقة تتطلع إلى تحقيق مستقبل مشرق للأجيال القادمة؟.. أين مؤسسات وزارة الثقافة من تهيئة المناخ الصحى الذى يجعل المواطن يندمج فى الدولة الحديثة التى تسير بخطى قوية نحو استعادة وجودها ومكانتها فى المستويين الإقليمى والعالمى؟

نحن ــ وللأسف الشديد ــ لا نعيش أزمة ثقافة ولكننا نعيش أزمة فى وسائل وأدوات الثقافة، فمصر كانت وما تزال وستظل غنية بمبدعيها ومفكريها وقادة الرأى فيها ولكن غياب وزارة الثقافة وتراجع دورها أصاب كل تلك الكفاءات فى مقتل.. فأين قصور الثقافة التى أنشئت فى الأساس لاكتشاف المواهب المبدعة فى جميع أنحاء محافظات مصر إلى جانب تقديم المنتج الثقافى «الجيد» إلى المواطن، حيث مقر إقامته فى أقصى منطقة نائية وهذا ليس تعطفاً أو بمثابة منحة تقدمها لهم وزارة الثقافة ولكنه حق أصيل له على وزارة الثقافة التى يجب أن تذهب إليه بوسائلها وأدواتها أينما كان، لقد تحولت «قصور الثقافة» إلى أدوات لشل الثقافة وإصابتها بإصابات بالغة، فقصور الثقافة فى أقاليم مصر المحروسة أصبحت الآن هى الأولى بالعناية والرعاية بعد أن صارت مجرد هياكل لا تنطوى على أى مضمون حقيقى يمت للثقافة بصلة، اللهم غير المسمى القديم الذى يوحى بنسبها للثقافة. لذا فإن هذه القصور فى حاجة ضرورية لإعادة النظر فى نشاطاتها الوهمية المدونة فقط فى الأوراق الرسمية ومحاضر الاجتماعات من خطط التنشيط والتنسيق ودفاتر الحضور والانصراف والميزانيات والحوافز والعلاوات والبدلات، وعلى الرغم من كل ما كتب عن تهاوى الدور الثقافى وتلاشيه فى العديد من القطاعات، لا سيما قطاع السينما الذى تخصص له إدارة مستقلة بميزانية مستقلة ولا يمثل العمل بداخلها إلا حرثا فى الماء فلا أثر ولا صدى ولا مردود يذكر برغم وجود هذا الكم الهائل من الموظفين فى قصور الثقافة المعنية بالشأن الثقافى فى جميع محافظات الجمهورية.

نحن الآن أمام حقيقة مؤكدة وهى أننا فى أزمة فى العمل الثقافى تتمثل فيما ينبغى أن تقوم به وزارة الثقافة للتصدى لهذا المد المتنامى فى الفكر الإرهابى، حيث ضرورة مواجهة الإرهاب من خلال مواجهة ثقافية فكرية، فالفعل الإرهابى ليس مجرد رد فعل عفوى وتلقائى، بل هو حصاد عملية ثقافية تربوية فكرية يتم عبرها ترسيخ الأسس الفكرية والثقافية للإرهاب والفعل الإرهابى، عملية وضع المبررات الفكرية والنظرية التى تخول للإرهابى القيام بالفعل الإرهابى الآثم دون تردد ودون تحفظ ودون حساب لعواقب هذا الفعل الذى ترفضه وتحرمه كل الشرائع والقوانين، بل والأكثر من ذلك الاعتقاد بأن الفعل الإرهابى يقود إلى الجنة والاستشهاد والفوز برضا الله عز وجل حيث إن هذا الفعل فى كثير من الأحيان يأخذ صورة الجهاد فى سبيل الله والحكم بما أنزل.

المسألة فى غاية الخطورة فهذه العملية التربوية والثقافية والفكرية التى يتم عبرها تهيئة الإرهابيين لقتل الآخرين بل وقتل أنفسهم تتم عن طريق حلقات متتالية من السيطرة الفكرية والرقابة على أولئك الذين يتم تجنيدهم، والمشكلة أن هذه الدائرة الجهنمية والشريرة التى تنتج وتعيد إنتاج الإرهاب قد لا تستطيع المواجهة الأمنية وحدها سوى الوصول إلى إحدى حلقاتها النهائية التى تدفع بالإرهابيين للقيام بأعمالهم، بينما تظل عمليات التعبئة والحشد والتجنيد والسيطرة على العقول بعيدة عن متناول هذه المواجهة وهنا مكمن الخطر وهنا تبدو الثقافة عاجزة وغير قادرة على الوصول إلى هؤلاء.

ومن هذا المنطلق تأتى أهمية أن تضطلع وزارة الثقافة بدورها الذى تخلت عنه كثيرا خلال السنوات الماضية وذلك لن يتم إلا عبر تقديم مواد تثقيفية وأنشطة متنوعة من شأنها استعادة الإسلام من خاطفيه وهو أمر فى غاية الأهمية يتطلب أن تقوم أيضاً وزارة الثقافة بالوصول إلى المواطنين البسطاء فى القرى والنجوع والمدن والأقاليم البعيدة عن العاصمة لأنهم يمثلون الشريحة الأكبر التى تتأثر بتلك الأفكار المسمومة التى تنتشر بشكل ممنهج لإشاعة الفوضى ونشر أفكار العنف والتطرف.

الأمر فى تقديرى ليس صعباً أو مستحيلاً، فقط نحن فى حاجة إلى وزارة ثقافة قوية وتعى جيداً المهام الجسام الملقاة على عاتقها للخروج من الأزمة الراهنة التى أعتقد أنها لا تتوقف فقط على الحل السياسى أو الأمنى وإنما نحن فى حاجة إلى استراتيجية ثقافية قادرة على مواجهة عمليات غسيل المخ التى احترفتها جماعات العنف والإرهاب والتطرف.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

هذا هو الرد دائما - مفيش ميزانيه تغطى الصرف على كل المشاريع وحل كل المشاكل

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

على الجانب الاخر هناك وزارات تستهلك معظم الميزانيه رغم افتقار انجازاتها على ارض الواقع

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

الوزير احيانا مكبل ولا يستطيع البوح بضعف ميزانيته حتى لا يثير غضب الشعب او يحرج الحكومه

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

لن تأخذ من العصفور شيئا ما دام مثبتا على ظهر سلحفاه

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

سؤال - اذا لم تتحرك شخصيا لبناء وتجهييز مستشفى زفتى هل كنت تراها على الخريطه الان

بدون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة