أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد صلاح يكتب: هنا القاهرة

الأحد، 28 ديسمبر 2014 10:17 ص
أحمد صلاح يكتب: هنا القاهرة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أشعر بالإنهاك بعد يوم عمل طويل امتد من التاسعة صباحا وحتى الثامنة مساء، جرجرت قدماى حتى موقف الميكروباس بميدان الكيت كات، ركبت فى المقعد المجاور للسائق والنوم يغالبنى، وجدت الراديو بالميكروباس تنبعث منه مقاطع من أغانى أعرفها لفرانك سيناترا كانت أغنية my way ، اندهشت قليلا ولكن قلت فى نفسى أن السائق قد نسى بالضرورة الراديو على هذه المحطة، ولكننى وجدت كتابا على التابلوه.

بدأ الركاب يتوافدون، فتيات صغيرات وشباب من طلبة كلية الفنون الجميلة يحملون اسكتشات الرسم، يثيرون صخبا وروعة وإحساسا بالشباب، يضحكون من السائق الذى يشغل موسيقى كلاسيكية، يلقون بالنكات وهم يتراصون فى المقاعد، يغلق السائق باب الميكروباس ويلقى سيجارته ويجلس على مقعده.

كانت الموسيقى لا تنتهى وكأن سيناترا معنا وبدأت أغنية fly me to the moon، والسائق مندمج مع الموسيقى، يضرب بيديه على المقود مع الإيقاع، يهز رأسه نشوة كمن وجد نفسه فجأة الرجل الوحيد وسط جزيرة من النساء، هنا لم أستطع السكوت وسألته هل يعجبك هذا النوع من الموسيقى، فأجاب بعد إفاقته من النشوة، جدا، ودار بيننا حوار كيف يكون سائق ميكروباس يعيش داخل وسط قمىء بمعنى الكلمة ويستطعم موسيقى كلاسيكية، حدثنى أنه قد ترك تعليمه فى المرحلة الابتدائية، عمل فى الكثير من الأعمال، انتهى به الحال كسائق ميكروباس بعد أن اشتراه بالتقسيط، وفى يوم أثناء تنظيفه وجد كتابا ملقى فى أرضية الميكروباس، كان الوقت ليلا وأحد الركاب قد سقط منه الكتاب دون أن يدرى، وضعه على التابلوه عل الراكب يركب معه مرة أخرى ويراه، قبل أن يصعد للبيت فى ذلك اليوم قرأ العنوان "هنا القاهرة" رواية لإبراهيم عبد المجيد، وجد نفسه يقلب الصفحات ويقرأ الصفحة الأولى ثم الثانية حتى انتهى من الرواية كلها مع طلوع النهار، قضى نصف النهار نائما فى الصباح كان يفتح الإنترنت يبحث عن كتابات لإبراهيم عبد المجيد، وجد الكثير دله أحد الأشخاص أن يذهب لسور الأزباكية ليشترى أعمال إبراهيم عبد المجيد، ويستمع إلى الموسيقى وهو يقرأ مقلدا لأبطال روايته، حتى أدمن القراءة.

كان الشباب يتابع حواره وهم ينظرون الينا عبر المرآه فى أول العربة استدرت لهم ضاحكا "حد منكم قرأ زيه" قالت واحدة "أذاكر وافتح كتب الكلية الأول" رد آخر "مين إبراهيم عبد المجيد" ضحكت أنا والسائق.

مشكلة الثقافة أنها لا تسقى بالملعقة، ولكن أن يكون الأفراد على استعداد لتلقى الثقافة، سائق الميكروباس هذا توافر له رواية واحدة سقطت بين يديه سهوا، فقراها مغرما، وليس مرغما كهؤلاء الشباب الذين يستذكرون بصعوبة، الثقافة صفت أعصاب الرجل فجعلته يترك أغانى التوكتوك والميكروباس ويستمع إلى موسيقى كلاسيك.

الثقافة لا تقوم عليها مؤسسات رسمية أو مستقلة، بل شعور جمعى من المجتمع بأهمية المعرفة، إنتاج الكتاب أو المسرحية أو الفيلم متاح للجميع، ولكن من يشترى الكتاب وتذكرة المسرحية أو الفيلم، العامل الاقتصادى بالدولة مهم، ولكن لأى محلل مبتدئ فشلنا فى السنوات الماضية كان أساسه ثقافى بحت، فإسهال المصطلحات من ألسنة هؤلاء المتانقون فى الفضائيات على أسماع شعب غيب تماما عن المعرفة مدة 40 سنة صنعت حالة من البلبلة الفكرية لدى الرجل البسيط، ولم تقدم له الحل ليعرف ويتعلم ثم يستفيد فكان الفشل.

مشكلتنا الأساسية أننا ننظر للثقافة بكل روافدها أنها شىء ثانوى، بل هامشى للغاية، تأتى فى آخر اهتماماتنا سواء داخل البيت أو حتى فى ميزانية الثقافة بالدولة، والتصريحات من المسئولين صادمة مثل أن الفرد نصيبة من الثقافة أقل من جنية فى السنة، ولكن أحيلكم إلى أنشطة بعينها "مجانية" تلاقى إقبالا جماهيريا مثل حفلات سماع ومهرجان الموسيقى بالقلعة ومراكز الإبداع وهذا ما يجعلنى مطمئنا إلى حد كبير.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة