أكرم القصاص - علا الشافعي

د . فاطمة الزهراء الحسينى تكتب: " ضحية الجحيم "

الجمعة، 06 فبراير 2015 02:03 م
د . فاطمة الزهراء الحسينى تكتب: " ضحية الجحيم " صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحمة ... ضحية عائلـة .. ضحية مجتمع .. ضحية حقد .. ضحية لكل شىء ..
حتى أن القاضى حكم عليها حكما مخففا لأنها مجرد ضحية ...
أسـرة صغيرة ,, زوج ,, و زوجـة تكابد عناء والدة زوجها ,,
و السبب بسيط ,, والدة تكرهه أن يشاطرها أحد حب ابنها ,, فجعلت حياة والدة رحمة جحيما لا يطاق
الاكاذيب تلو الاكاذيب ..
ماذا تفعل المسكينة ؟؟!!
لا خيار لها سـوى الصبر ,, لا عائل لها ,, خلفتها الحياة وحيدة ,,, تحطمها المصاعب ,, و تدعسها الاقدام
وحيدة مسكينة ضعيفة حتى عن الدفاع عن ابسط حقوقها ..
المعاملة القاسية و الظلم العظيم و الحزن الدائم و الكرامة الضائعة و الحق المسلوب
كلمات بسيطة لا تفى حياتها البائسة وصفا
البيت أشبه بالجحيم فى أقسى صوره ...
حتى أتـى لها ليل لا تـرى بعده صباح
هكذا اليأس حين يسكن النفوس ,, قررت الهرب بعيدا بابنتها ذات الست سنوات ..
هذه هى الليلة الموعودة ,,,
بنيتى لا تصدرى صوتا .. سنذهب الى مكان جميل ,, الـى مكان اخر ..
بهدوء شديد استجابت الصغيرة لوالدتها ,,, فهى ان كانت صغيرة على استيعاب معنى الهروب ,, لكنها تدرك أنها تريد البقاء مع والدتها فى أى مكان ,
هربت المسكينة الى المجهول ,,, ركبت القطار الى أبعد وجهه ,, ليس مهما الى أين تذهب ,, يكفيها أن تذهب بعيدا و حسب ..
كانت خائفة أن يعثر عليها زوجها و يعيدها الى الجحيم مرة آخـرى ..
من قال لك أنه سيبحث عنك ..؟؟ من قال لك أنه يريد أن يعيدك
لقد كانت حمقاء حين أسكنت الخوف قلبها ..
لم تمضِ أيام قليلة ,, و استبدلها زوجها باخـرى ..

المجهول لم يكن سـوى جحيم جديد ..
و بيتها الجديد .. شارع مظلم تختبئ فيه
و الطعام مجرد فضلات طعام من حاوية القمامة ..
هاربة .. خائفة .. لدرجة أنها تخاف أن تعمل فيستدل زوجها على مكانها ...
مجرد التفكير فى حياتها السابقة يزيدها ذعرا ..
لم يستمـر الجحيم طويلا ,, لتستسلم .. و تدع صغيرتها بلا راع ..
وصيتها الاخيــرة .. لا تعودى الى ابيك .. انجى بنفسك ..
هربت المسكينة تاركة والدتها ..
لا تدرك مما تهرب ... لكنها اعتادت الهروب ,,,
هروب و حسب ..
سارت بعيدا .. بعيدا جدا ..

صغيرة أنتِ على أن تدركى معنى الموت .. ابكى أيتها الصغيرة .. اصرخى ,, هونى عن نفسك .. لا تحبسى دموعك ,, اذهبى هذه الغصة من قلبك ..
مالى أراك أصبحت كالعجوز تفوقين عمـرك .. أعوام هم و حزن
مالى أراك طفلة تنتظرين الموت ليحملك الى أمك ,,
حتى ان كنت يائسة ,, بائسة ,,
فالحياة استمرت معك ,, تنتقلين من مكان الى اخر ,,, من أرض الـى آخـرى ,, مع كثير من أطفال الشوارع الذين لا ملجأ لهم .. و لا عائل ..
أيام طويلة قاسيـة .. حتى أن برد الشتاء لم يحنو عليك .. و لا حتى امطاره ..
أيام طويلة صاحبك فيها الجوع .. و اناسك فيها الالم ..
فى كل ليلة تذكرين أمك .. بغصة فى قلبك .. و دموع تحجرت فى مقلتيك ..
لا بأس عزيزتى .. "فان مع العسر يسرا "
لم تتوقع رحمة أنها ستعرف وجها آخر للحياة غير الذى رأته ..
ابتسمت لها الحياة و لأول مرة .. لبيت جديد .. و مكان تنام فيه .. و طعـام ..
محظوظـة أنه استقر بها الحال فى ملجأ للايتام ..
محاولات عديدة من الملجأ ... لتعرف شيئا عن عائلة الصغـيرة ..
لكن جهودهم تلك ذهبت سدى ..
كل ما كان يسيطر عليها أن لا تعود الى والدها ... الى الرجل الذى قتل أمها .. الى الرجل الذى تعانى بسببه الحرمان من الامان و الحنان
لست كأمك رحمـه ..انت ابنته .. لن تكونى يوما مثلها
انت ابنته .. و ان كان أبوك يحمل قسوة الدنيا فى قلبه ... ففطرة الوالد أقوى من أى قسوة ..
تعيشين فى ملجأ للايتام .. و والدك لازال على قيد الحياة ؟؟!!
ماذا اخترت لنفسك ..
الصورة لديك ليست كاملة .. لقد كنت صغيرة عندما تركت المنزل ... حتى مشاعرك ليست سوى مشاعر والدتك
تعيشن بمشاعر والدتك ..مشاعر لا تخصك
بربك ماذا تفعلين ؟؟!!

ملجأ الايتام .. كان حقا ملجأ .. و ملاذا ...
مديرة طيبة و مربيات حنونات .. لتشعر كل طفلة داخله بكل ما كان ينقصها من الامن و الحنان
تعلمت رحمـه القراءة و الكتابة .. و أصبحت بارعة فى استخدام الحاسوب
بيئة جديدة مناسبة للابداع ..
عشر سنوات مضت على رحمة . .. مرورا سريعا ... كما هى الايام الجميلة ما ان تبدأ حتى تنتهى ..
حتى أتـى يوم حول حياتها و حياة اخريات الى جحيـم
جحيم جديد نكأ الجروح القديمة و الالام السابقة .

اننى بريئـة ...
هذه هى الكلمة التى لا تكف رحمة عن الصراخ بها
و لكن .. لا مجيب ..
حريق غامض اقتحم ملجأ الأيتام ليخلف خلفه موت ثلاثة فتيات و إصابة الكثيرات
و الأدلة الجنائية تشير بأصابع الاتهام نحو رحمة ..
الحادث الغامض الذى لا يعرف أحد حقيقته
و رحمة التى تدعى انها كانت نائمة وقت الحادث
جعلت الحكم فى القضية صعبا
و لكن كان الأصعب على رحمة ما حدث قبل المحاكمة ..
عندما طلبت من المحامى الذى انتدبته المحكمة لها .. أن ترى والدها
كانت آملة ان يمد لها يد العون ... كانت طامعة فى الشعور بالأمـان .. كانت تريد أن تتوقف الوحدة عن ملاحقتها
و لكن الجواب كان قاسيا عليها

والدك لا يريد مقابلتك ...
ماذا أضفت اليها من الآلام .. ؟
زيارتك كانت تعنى لها الكثير ..
لكنك رغما عن هذا اخترت البقاء بعيدا ... كأنك لم تكن يوما فى حياتها موجودا ..
قاسيا ... كلمة لو وصفت بها لازدادت بك عارا ..
أى عذر منعك ... ان اردت فيمكنك القدوم
أم أنك صدقت النيابة ... صدقت دون أن تسمح لابنتك بالدفاع عن نفسها ..
جعلت نفسك قاضيا و حكما دون أن تسمع ...
دون أن تـرى ؟؟!!
ألم تشتاق لرؤية صغيرتك؟؟
ألم ينتابك الفضول لمعرفة كيف صار شكل ابنتك ؟
و لكنك أثرت الحقيقة السهلـة .. أن تصدق و حسب أن ابنتك مجرمة ..
حكم عليها القاضى حكما فى ظاهره مخففا
عشر سنوات آخـرى من عمرك يا رحمة ينبغى عليك أن تقضيها داخل أسوار الحياة ... مظلومةً
عشر سنوات من شبابك .. لجرم بدأت تظنين أنك اقترفتيه لثبوت الأدلة
لا فرار .. لا فرار ..
لكن من يدري
فلعل الحياة تبتسم لك يوما ..
حتى ان اصابك اليأس ..
حتى ان لم تعودى تحتملين الحاضر و تخافين من المستقبل
فان أسوأ ما فى الحياة .. أن يعيش الانسان بلا أمل ...
لا تفقدى الامل .. فمهما كان ماضيك لا يبشر بخير .. و حاضرك يقيدك بقيود العجز ... فإن جهلك بالمستقبل لا يؤكد لك أنه بسوء ماضيك .

رحمـة ... لماذا بدأت تنسحبين من العالم ؟؟
الى أين انت ذاهبـة ..؟
الـى ذلك الخيال الذى تواسين به نفسك .. الى حياة الظل .. الى الحياة التى لطالما تمنيتها
بيت دافئ و عائلة محبة ..
اذا كان الخيال يُحيك ... فعوضى به ما ينقصك ..

رحمــة .. توفقى .. لقد سرت خطوات بعيـدة .. حتى أصبحت لا تفرقين الخيال عن الحقيقة ..
ما أصعب حال الانسان عندما يفقد عقله .. و يفقد توازنه ..

رحمة التى مرت بأزمات كثيرة .. و قاومت ..
حتى استطاع اليأس فى لحظة ضعف أن يجد له فى نفسها مسكنا ..
فأصبحت لا تتعرف بالزمان أو المكان ..
تائهة بين الواقع و الخيال ..
لذلك تم نقلها الى مصح الامراض العقلية ..
لا فرق كبير بين مشفى و سجن .. فكليهما سجن و قيد و شقاء ..
لكن المشفى كان مميزا باهتمام ... حتى ان لم يكن بدافع الحب فانه بدافع الواجب
اهتمام كان له أثر فى تحسن حالة رحمـة .. ليس تحسنا كبيرا و لكن أفضل من سابقه
بعد فترة من دخول رحمة المصح .. استطاع أن يعرف الطبيب المعالج مهارتها فى استخدام الحاسوب
ولكنه ظل حائرا .. على طريقة ادخال حاسوب لرحمة داخل المصح .. حتى اهتدى الى جعل رحمة تعمل على حاسوبه المحمول سرا ..
كانت رحمة تستعيد تركيزها يوما فيوم ...
تركيزها الذى انصب على الحاسوب ..
حتى انك عندما تنظر اليها لتظن أن بينها وبين الحاسوب لغة مشتركـة .. بل حياة مشتركـة ..
لم يدخر الطبيب جهدا فى مراسلة الشركات العالمية .. حتى وافقت احدى الشركات بعد عناء عظيم و بعد أن رات نماذج من تصاميمها أن تجرب التعاون مع رحمة ..
و لكن رحمة كانت تملك من المميزات ما استطاعت أن تبهر بها الشركة فى وقت قصير ...
و استطاعت الشركة بعد وقت غير طويل الحصول على موافقة لرحمة لتلقى العلاج خارج البلاد

ما احوجنا الى الإخلاص فى حياتنا
ما احوجنا الى طبيب مخلص .. همه الحقيقى مساعدة مرضاه
ما احوجنا الى معلم مخلص ... هدفه تنشئة جيل عظيم
ما احوجنا الى اخلاص أم .. تربـى و تنشىء أفراد صالحون
ما احوجنا الى الإخلاص فى كل شيء .. لتتغير حياتنا نحو الأفضل ..
ستظلين عمرك يا رحمة تذكرين هذا الطبيب بصالح الدعوات ..

رحمـة .. انتهى بها الحال الـى صاحبة شركـة من أهم الشركات العالمـية ..
و سعدت بأسـرة محبة و بيت دافـئ و أمـان ..
من قال أن بعض الناس كتب عليهم الشقاء فى الحياة ..
بل هى أيام صعبة ... تليها أجمل الأيام .








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة