نقلا عن العدد اليومى...
فى «بنى شعراوى».. الصيادون هجروا قواربهم وعملوا فى المحاجر اختفاء شرطة المسطحات دفع %70 منهم لترك مهنتهم الأولى
فى عمر 17 عاما بدأ «عمر» المقيم فى قرية «بنى شعراوى» التابعة لمركز «أبو قرقاص» جنوب مدينة المنيا، يخرج فى قوارب الصيد مع أهالى القرية بحثا عن الرزق وقت الإجازات من الدراسة أو على حسب احتياج السوق إليه، مقابل يومية من 10 إلى 20 جنيها، تكفل مصاريفه الدراسية ونفقاته اليومية.
عمر يتذكر هذه الأوقات بشكل أفضل، فالقوارب كانت تملأ أرجاء نهر النيل الذى تطل عليه القرية المعروفة بـ«قرية الصيادين» نظرا لعمل جميع سكانها فى الصيد، حيث تتشارك كل أسرتين أو ثلاث فى قارب، يتولى الكبار الصيد بينما يقوم الصغار بالتجديف.
أما أخوه «على» ذو الـ15 عاما فقد كان يراقب أخاه وينتظر الوقت الذى ينزل فيه معه أيضًا، لكنه لم يلحق هذا «العصر الذهبى» كما يقول الصيادون، فسرعان ما تدهور الحال وباتت مهنة الصيد ولا تسمن ولا تغنى من جوع.
اتجه الشقيقان بعد بوار مهنتة الصيد مباشرة إلى العمل فى المحاجر، ورغم ارتفاع أجرتهم اليومية إلى 40 أو 50 جنيها، فإنهم يحصدون أمراضا صدرية وجلدية ومخاطر لن تعوضهم هذه الأموال عنها فضلا عن ضياع سنوات طفولتهم، وهو الأمر الذى يؤكده عمر بشكل أكبر، فالخروج للعمل فى القارب حتى وإن كان دون السن القانونية يختلف تماما عن الخروج للعمل وسط مخاطر المحاجر.
«عمر»، و«على» يمثلان ما يقرب من ألفى صياد فى القرية، ترك أغلبهم قواربه أيضا ليتجه إلى أعلى الجبل على الضفة الشرقية من النيل، البعض باعوا قواربهم، أو تنازلوا عن الرخصة، بينما أوقف آخرون قواربهم على جانب النيل أملا فى تحسن أوضاع الصيد من جديد وحل المشكلات والخروج من جحيم الجبل إلى جنتهم فى وسط النهر.
سيد عثمان، مدرس بالمدرسة الابتدائية بالقرية، ورث عن أبيه مهنة الصيد، لكن بعد أن تدهورت الأحوال ترك القارب وعاد إلى التدريس لكى يستطيع الأنفاق على أسرته، يعتبر نفسه من المحظوظين لامتلاكه وظيفة حكومية جعلته لا يضطر للجوء إلى الجبل مثلما فعل %70 من الصيادين فى قريته على حد قوله.
الصيد الجائر دون تفعيل الرقابة من قبل شرطة المسطحات المائية هو السبب وراء تدهور حال الصيادين فى القرى التى تعتمد على مهنة الصيد فى المنيا وفقا لـ«سيد» الذى يقول «مع ارتفاع أعداد السكان فى القرى وعدم وجود أى فرص عمل أمام أهلها إلا المهن المعتادة، بدأت تزداد أعداد الصيادين بقوارب غير مرخصة، وارتفع معدل الصيد الجائر الذى يعتمد على اصطياد الزريعة «السمك الصغير»، مضيفا: «بيستخدموا الكهرباء أو السم أو الشبك الصغير، وهو ما أدى إلى انخفاض معدل الأسماك فى النهر وعدم القدرة على التكاثر، وانقراض أنواع كثيرة من السمك ولم يعد أمامنا سوى البلطى».
ويتابع «سيد» قائلاً: «ياما اشتكينا وتحدثنا مع شرطة المسطحات بلا جدوى، فباتت القوارب حملا ثقيلا على الصيادين حاملى الرخص لأننا ندفع ضرائب سنوية، فأصبح البعض لا يجدد رخصته والآخر تنازل عنها، وفى الحالتين الرزق قليل جدا على هذا العدد الكبير، فباتت المحاجر هى وجهتنا».
فى قرية بنى شعراوى يجلس الجميع خارج منازلهم، على عكس الطبيعى فى هذا الوقت للقرية والتى كان يخرج رجالها من الفجر صباحا ويتناوب كل منهم على القارب حتى يأتى الليل فيعودوا إلى منازلهم بحصادهم اليومى، بينما يعمل نساؤهم فى صنع «الشبك».
ويعلق فتوح عبد التواب، 60 عاما، قائلاً: «كل ده وقف بعد تدهور الحال»، مضيفا: «الشباب والصغار هما اللى بيطلعو الجبل، أما كبار السن مثلى فأغلبهم إما يعتمد على أولاده، أو يتجه لبيع سمك المزارع، فالصياد على باب الله لا له نقابة ولا تأمينات ولا معاش، لذا هنا فى القرية كل الأسر بتنزل تشتغل مبيفرقش صغير أو كبير».
تدهور حال الصيد أدى وفقا لـ«فتوح» إلى توقف حال حوالى 3 أسر، وعن ذلك يقول: «عائلتى تمتهن الصيد من جدى الرابع، زمان كنا ممكن نجيب 20 و30 كيلو فى اليوم، دلوقتى لو كملنا 2 كيلو يبقى كويس، وده ميفتحش بيت، وبعدما زاد العمل فى المحاجر ووصلت يومية الفرد 50 و60 جنيه، أصبح الصنايعى اللى بينزل مع الصياد بيطلب نفس اليومية وهو أمر لا يمكن أن يسده مكسب الصياد اليومى فى الوقت الحالى».
ويؤكد فتوح أن المسؤولين لا وجود لهم هنا فى القرى، مضيفا: «زمان كان فيه على الأقل تفتيش ورقابة فى النهار وكانوا بياخدوا العدة للصياد المخالف، لكن دلوقتى كل واحد ماشى بمزاجه».
سوء وضع الصيادين انعكس على حال القرية التى باتت فى فقر مدقع، فالحال هنا كان مثل باقى قرى المحافظة، حيث يتكاتف مواطنو القرية بعيدا عن أى وجود للدولة فيما عدا الوحدة الصحية الخاصة بالقرية والمدرسة.
ومع العمل فى المحاجر ارتفعت الإصابات بالأمراض الصدرية والجلدية بين الصيادين، وعلى الرغم من إصابة عمر بالربو ومن قبله خاله ونصيحة الطبيب بعدم عودته للعمل فى الجبل إلا أنه أكد على العودة مجددا معلقا: «مفيش فرص عمل تانية غير هناك»، ورغم خوفه على شقيقه من الإصابة، فإنه لا يستطيع أن يمنعه مبررا ذلك بقوله: «مش هينفع يكمل دراسة غير لو اشتغل».
أهالى قرى شرق النيل: «إحنا بنموت بالبطىء» القرى بلا صرف صحى.. وأوضاع العمالة فى المحاجر خارج «دائرة القانون»
الوصول إلى قرية «الديابية» يستلزم ركوب المعديات أو «العوامات» كما يطلق عليها أهل القرية، وعلى الرغم من أن 13 قرية تقع على الجانب الشرقى من النيل فلا يوجد ولو كوبرى واحد يربطها بالجانب الغربى، وتبقى مدة الانتظار فى المعدية أمرا يعتمد على القدر، حسب الأعداد المقبلة على الانتقال إلى الضفة الأخرى.
«إحنا بنموت بالبطىء» لا تمر على أحد داخل القرية إلا وتسمع هذه العبارة، الجميع هنا يعملون فى المحاجر، الصغير تكتسى ملابسه بغبار الجير الأبيض قبل الكبير، لن تندهش حينما يؤكد أطفال فى التاسعة من عمرهم عملهم فى الجبل، هنا لا تجد للدولة أى أثر، فلا صرف صحى ولا توفير خدمات للأراضى الزراعية ولا تقنين لأوضاع العمالة فى المحاجر.
كانت القرية تعتمد على الزراعة، ولأنها «مكانتش بتجيب همها» على حد قول مواطنى القرية، فأغلبهم باعها، وقرر أن يستغلها فى حل أزمة السكن مع الزيادة السكانية، وهو الأمر الذى زاد مع ارتفاع أعداد المحاجر الممتدة بطول القرية ذات الظهير الصحراوى، وزيادة الطلب على الأيدى العاملة.
محمد عبدالعاطى، 24 عاما، يعمل فى المحاجر منذ الصف الأول الإعدادى حتى ترك المدرسة بعد الصف الثالث حينما رأى أن الجميع يصعد إلى الجبل حتى حاملى الشهادات فى ظل عدم توفر فرص عمل لهم، وهى الحال التى تحول لها أغلب مواطنى القرية رغم تمسك أبنائها بالتعليم فيما سبق مما رفع من حجم التسرب من التعليم فيها، محمد عبدالعاطى أوضح أن العمالة فى المحاجر بلا رقيب، فهى تعتمد على العامل اليومى، الذى يقبل بكل الأخطار الصحية لبيئة العمل، والتى قد تصل إلى بتر أحد أعضائه بسبب استخدام أدوات القطع.
دخول «التوك توك» مصر هو البديل أمام شباب القرية للعمل، لكن هذا أيضا يستلزم الصعود إلى الجبل حتى يقوم بتوفير ثمنه أولا، الجميع هنا يعلم أنه قد يصعد بلا عودة، أحد العاملين توفى منذ شهر أثناء العمل حيث صرعه منشار القطع، فقام المصنع بتعويض زوجته بـ1000 جنيه، وأغلقت أدارة المحاجر أبوابه، لكن صاحبه كما يقول «عبدالعاطى» فتح المصنع فى مكان آخر.
التجول فى القرية ورصد ما تعانيه من نقص الخدمات يتناقض مع ما تتمتع به من ثروات طبيعية تدر على الدولة دخلا لا يقل عن 200 مليون جنيه سنويا، ويتساءل أهل القرية: لماذا لا تقدم الدولة لهم أيا من خدماتها رغم أنهم الشريان الرئيسى للعمل داخل هذه المحاجر ولولاهم ما كان هذا الربح المادى، مجرى السيل الذى يفصل القرية على سبيل المثال فى حاجة إلى «تصفيحه» منذ سنوات، ومع ذلك لم يتخذ المسؤولون أى خطوة تجاه ذلك، يقول وليد عبدالصالح، إن هطول الأمطار فى الشتاء يهدد كل المنازل على حافة المجرى، وإن استمرار تراكم المياه فى المجرى دون تصفيح جوانبه سيسربها إلى أساسات المنازل ويهددها بالسقوط.
على الناحية الأخرى، يقول رجب عبدالمحسن، إنه طوال فترة عمله فى المحاجر على مدار 20 سنة لم يلحظ أى تدخل من الدولة لتقنين أوضاع العمال أو إجبار إدارتها على تعيينهم أو التأمين عليهم، أما حسين سيد فيؤكد أن العمال قاموا من قبل بعمل إضراب عن العمل للضغط على أصحاب المحاجر والمصانع وضع ضمانات لهم، إلا أن ذلك لم يأت بأى نتيجة.
ويفسر ذلك بقوله: «يومها لجأ مقاولو الأنفار إلى استيراد عمالة من القرى الأخرى، فالبطالة تزداد فى كل القرى شرق وغرب النيل، والكل أصبحت المحاجر ملجأه ويعتبرها فرصة ذهبية حتى وإن كانت تهدد حياته، فاضطررنا لفك الإضراب والعودة إلى نفس الظروف من جديد، خصوصا أننا كنا لوحدنا قدام أصحاب رأس المال».
حسين سيد أوضح أن انحدار الاهتمام بالتعليم فى القرية فى الفترة الأخيرة أدى إلى رضا الأهالى بالعمل فى الجبل حتى فى هذه الظروف، قائلاً: «هما عارفين إن لو العمل فوق توقف هيؤدى إلى خراب بيوتهم»، الإصابة بالربو التى تظهر بوضوح فى صوت حسين لم تكفل له بعد هذه المدة الحصول على معاش كاف من العمل فى المحاجر، موضحا أنه يعيش حاليا بعد تدهور صحته على معاش السادات.
أحمد حسن، حاصل على دبلوم صناعى، حاول استكمال دراسته والالتحاق بأحد المعاهد، لكنه لم يستطع بسبب زيادة حجم المصروفات عليه، يقول: «هنا غير المدن، فدخل أى فرد بالكاد يكفيه، لذا يتحمل كل أفراد الأسرة العمل للإنفاق على أنفسهم، وكان من الصعب العمل فى المحجر إلى جانب الدراسة».
الحديث مع الأهالى هنا يؤكد ما يتداوله المواطنون فى كل القرى، الدولة لا توجد سوى على منصات دفع الرسوم الخاصة بالمحاجر، بينما تختفى فى إقرار وضع العمال داخل المحاجر أو تقديم الخدمات للقرية، يقول «حسن»: إن أحد المصانع على سبيل المثال حينما تصاعد غضب العمال ضده فصل المعينين وأخبرهم بإنهاء نشاطه ثم فوجئوا بعودته من جديد، لكنه بات يعتمد على ألا يستمر أى عامل فيه أكثر من 6 أشهر حتى يتحايل على فكرة تثبيته.
تلاميذ المنيا.. العمل بـ30 جنيها فى اليوم للوفاء بتكاليف «الدروس الخصوصية»«محمد» و«محمد».. الأول سائق «توك توك ونفسه يطلع مهندس معمارى» والثانى يعمل بالمحاجر ويتطلع للعمل بالمحاماة
الطريق إلى قرية جبل الطير يبدأ بعبور المعدية التى تصلك إلى الضفة الشرقية من النيل، على الشاطئ تتراص «التكاتك» تنتظر العابرين لنقلهم إلى قراهم المختلفة، بجانب المرسى وقف محمد يلوح بيده «نازلين؟»، مشيرا إلى «توك توك» يقف بالقرب منه وداخله يجلس سائقه، تدرك من ملامحه أن عمره لا يتجاوز 15 عاما.
محمد ومحمد، 13 و14 عاما، اصطحبانا إلى القرية عبر طريق تمتد الصحراء على يمينه والجبل على يساره، ملامحهما الطفولية شككتنا فى البداية فى قدرتهما على إيصالنا للمكان الذى نريده، قبل أن يتحدث محمد عبدالحليم «السائق» قائلاً: «أنا بقالى سنتين شغال على الخط ده متقلقوش»، وقبل أن يبدأ فى الحديث عن قصة عمله عليه، تدخل ابن خالته محمد خالد، لإبراز قصة عمله هو الآخر فى المحاجر.
عبدالحليم و«أبوخالد»، هكذا قال محمد مداعبا ليساعدنا على التفرقة بينهما، كان يمسك «مقبض» التوك توك بيديه الصغيرتين التى غطتها التشققات، قائلا: «أبويا اشترالى التوك توك عشان أقدر أجيب مصروفاتى اليومية وأساعدهم فى البيت».
يبدأ عمل عبدالحليم بعد المدرسة، يكسب فى اليوم حوالى 30 أو 40 جنيها، يتوقف قبل انتهاء النهار ولا يذهب إلا للأماكن التى يعلمها حتى لا يسرق أحد منه التوك توك، فى الإجازة يخرج من المنزل منذ الصباح الباكر، ينتظر أمام المعدية لينقل الركاب.
ينتقل الحديث إلى أبوخالد، الذى أوضح أنه يصطحب ابن خالته هذا اليوم لأنه لم يره منذ فترة طويلة، بجسده الصغير بدأ أبوخالد يتفاخر بأنه يعمل هو الآخر، ولكن فى المحاجر، وهو أمر لم يكن غريبا علينا، فالثقافة الشائعة هنا فى القرى، أن الطفل يبدأ فى العمل بمجرد أن «يشتد عوده»، فالأوضاع الاقتصادية السيئة فى القرى تجعل الأب بالكاد ينفق على احتياجات المنزل من مأكل ومشرب، بينما يتولى أولاده تحمل نفقاتهم.
«أبوخالد» أوضح أن والده يعمل عامل بناء فى سوهاج، يغيب بالشهر، فى هذا الوقت يتحمل «أبوخالد» وأخوه الأكبر مسؤولية الإنفاق على المنزل، حيث بدأ العمل مع أخيه كتباع على سيارة ميكروباص فى الإجازة، لكن فى الدراسة لم يستطع أن يكمل فى المهنة، فاقترح عليه أحد أصدقائه الصعود معه للعمل فى المحاجر بالجبل خاصة أن اليومية 30 جنيها.
وافق أبوخالد على الفور حتى وإن كان جسده الصغير لا يحتمل مشقة الجبل، يتغيب أحيانا عن المدرسة للعمل يوما كاملا فى حالة زيادة احتياجات المنزل، حيث يعمل فى تحميل المواد المحجرية، أما فى أيام الدراسة فيعمل فى تسوية «السلالم الرخام» والتى يتقاضى نظير كل واحدة «جنيه ونصف»، حيث إنها لا تتطلب أن يبدأ من الصباح، يعلق قائلاً: «لازم يبقى معانا الشحوطة وهى الأداة اللى بنساوى بيها السلمة، أى حد يشتريها ويروح ممكن اعمل 15 أو 20 واحدة فى اليوم، بس دى بتكسر ضهرى بكون من قادر أمشى بعدها».
لا يملك أبوخالد وعبدالحليم رفاهية رفض العمل، فكلاهما لديه طموح فى استكمال الدراسة، الأول يريد أن يصبح محاميا «عشان أقدر أدافع عن أهلى وجيرانى لو حصلتلهم مشاكل وأجيب حق الغلابة اللى بيتصابوا فى المحاجر فوق وأصحابها بيرفضوا يدوهم تعويض»، والثانى يريد أن يصبح مهندسا معماريا «عشان أقدر أبنى بيوت قوية فوق الجبل وتقدر تستحمل التفجيرات بالديناميت اللى بتقوم بيها المحاجر والمصانع، ناس كتير اتهدمت بيوتها وتكدست فى غرفة واحدة بسبب أنها لا تملك أموالا لشراء بيوت جديدة».
وضريبة حلم كليهما العمل من أجل تسديد نفقات الدروس الخصوصية التى يبررونها بارتفاع أعداد الطلاب فى الفصل وعدم قدرة المدرس على الشرح، يقول عبدالحليم: «مبفهمش حاجة من المدرسة، والمدرسين بيغيبو كتير لأنهم بييجو من قرى غرب النيل وفى الشتا المعدية بيكون فيها مشاكل».
يتدخل أبوخالد قائلاً: «كل الناس بتتكلم على أن الأطفال فى المنيا بتشتغل فى المحاجر طيب ما أنا مضطر، لو اتوفرلى الأكل ومصاريف المدرسة إيه اللى يخلينى أطلع الجبل، أنا مش غاوى بهدلة، أنا تعبت كتير وصدرى طول الوقت تاعبنى ورحت للدكتور قالى متطلعش الجبل تانى، طيب مين هيصرف فى البيت».
يقاطعه عبدالحليم قائلاً: «ليا صاحبى فى المدرسة أبوه مات وهو كبير إخوته، ساب المدرسة وطلع اشتغل فى المحاجر، ودلوقتى عنده ربو ومبيقدرش يتنفس غير بالبخاخة، بس لسة بيطلع غصب عنه».
قرية جبل الطير.. «دويقة» المنيا تقع على صخرة جبلية والدولة تصنفها ضمن «المناطق الخطرة» والتصدعات تضرب جدران المنازل بسبب تفجيرات المناجم
منذ مئات السنوات يقطن الأهال فى قرية جبل الطير، والتى تقع على صخرة جيرية، تمتد فوقها جبال يجتمع على قممها آلاف من طيور «اليوقيرس»، هربا من برد أوروبا إلى دفء وادى النيل، وقد تسببت تلك الطيور فى تسمية القرية باسم «جبل الطير».
تقع القرية على نهر النيل، ومن 100 أسرة استقروا فى الجبل لمجاورة دير السيدة العذراء إحدى محطات رحلة العائلة المقدسة، والذى يجاور القرية، ارتفع عدد الأسر ليصل إلى 7 آلاف نسمة.
المبانى منحوتة فى جوف الجبل، أراض متعرجة صعودا وهبوطا، تشاهد القرية وكأنك انتقلت إلى منطقة الدويقة، لتعلم أنه بالفعل زارها وفد من المحافظة عقب سقوط صخرة الدويقة، حيث تم تصنيفها ضمن المناطق الخطرة منذ 2009، لتنتهى بعدها علاقة القرية بالمسؤولين.
تقول «منيرة» وهى تشير إلى شرخ ضخم يقطع جدران الغرفة التى تقطنها وأبناؤها، إن المسؤولين جاءوا إلى البلدة وقاموا بتصوير التصدعات فى الم
نازل والبيوت المبنية فى الجبل، ثم رحلوا مضيفة: «لم نعد نرى أى مسؤول بعد ذلك».
شريف إبراهيم، ابن العمدة الذى امتدت ولايته من 84 إلى وفاته فى 1997، تقدم بعدها شريف بأوراقه إلى المحافظة لتولى منصب العمدة لكنه لم يتلق ردا، كرر المحاولة بعدها عدة مرات حتى توقف فى 2007، أدرك أن المحافظة لا تهتم بتعيين احد لهذا المنصب، والذى كان يعتبر حلقة الوصل بين الأهالى ومسؤولى المحافظة طوال فترة ولاية والده.
يقول شريف: «إحنا بنحكم نفسنا بنفسنا هنا، لما بيكون فيه مشكلة بنجتمع فى مجلس عرب ونتوصل إلى حل، ولو عايزين خدمة بنعملها على حسابنا، الحكومة تتجاهلنا من زمان ومش هنموت وإحنا فى انتظارها».
وأضاف: «لكن لا تستطيع مجالس العرب أن تعالج كل المشكلات، فالقرية التى تلاصق المنطقة الصناعية ولا يفصلها عن مئات المحاجر سوى 700 متر، تبدو الحياة فيها وكأنها لم تخرج عن طور البدائية، فلم تأخذ من الملايين التى يدرها الجبل على المستثمرين والمحافظة سوى المرض وتصدعات الجدران التى تزداد بسبب التفجيرات فى الجبل لاستخراج المادة الخام للمحاجر أو لشركة الحديد والصلب، وهو ما بات أكبر الكوارث التى تهدد القرية بالزوال».
«عمر سيد»، سائق، وواحد من أبناء القرية الذين لجأوا إلى ليبيا والعراق هربا من المحاجر، لكن بعد توتر الأوضاع فى الدولتين، اضطر الجميع إلى العمل بالمحاجر، وعن ذلك يتساءل: «ليه الحكومة لما وافقت على بناء مناطق صناعية وتضاعف أعداد المحاجر بالقرب من القرية مفكرتش فى الوقت نفسه فى تأثيرها علينا؟»، ويعانى ما يقرب من 100 منزل بالقرية من خطر الهدم وما زال يقطنها أصحابها.
سامية تعلق قائلة: «هنروح فين، الحياة فى القرية تتوقف بعد غروب الشمس، يدخل الجميع إلى ديارهم تاركين القرية للحشرات والأفاعى والذئاب، أما إذا اضطر أحدهم للخروج خارج القرية، فلا سبيل أمامه سوى تأجير سيارة خاصة، فلا تمر بالبلدة أى وسيلة مواصلات ثابتة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة