علا الشافعى تكتب: فاروق الفيشاوى.. اللعب بطريقة المحترفين صندوق أسود من العنف المكتوم

الكبار لا ينشغلون بتاريخ نجوميتهم كثيرًا.. يتناسون عندما كانت أسماؤهم تتصدر الأفيشات ببطولات تليفزيونية وسينمائية.. المبدعون الحقيقيون لا يهتمون حقيقة إلا بتقديم الفن والإبداع.. النجم الكبير فاروق الفيشاوى هو واحد من هؤلاء الكبار، وهو يطل على جمهوره هذا العام وبعد غياب، فى مسلسل «بعد البداية» مع طارق لطفى وعدد كبير من النجوم.

يملك الفيشاوى تألقًا خاصًا فى أدائه المتمكن والمتمرس الذى تجسد فى شخصية سيادة اللواء كمال سليم، أحد كبار الضباط فى جهاز أمنى رفيع، وهى شخصية صعبة المراس، تحمل وجهين متناقضين طوال الوقت، فهو ذلك الشخص الهادئ الواثق من نفسه، يتجسد هذا فى خطواته الواسعة الثابتة ولغته الواثقة، وهو الذى يعنف ضابطا لديه بالإدارة لاستخدامه العنف، ورغم ما يبديه كمال سليم، الشخصية التى يجسدها الفيشاوى، من تفهم وقدرة على التحكم فى انفعالاته، إلا أنه يحمل بداخله صندوقًا أسود من الانفعالات والعنف المكتوم.

نجح الفنان المبدع فاروق الفيشاوى فى أن يمسك بهذا التناقض الصارخ فى شخصية اللواء كمال سليم - راجع مشهده وهو يدخل على روجينا طليقة «عمر نصر» طارق لطفى فى هدوء ويخطو إلى الداخل كأنه درس المكان جيدا ويعرف تفاصيله - حيث يتجه إلى كرسى بعينه ويتصدر المشهد ليخبرها بهدوء أن «عمر نصر» تعرض للقتل بحقنة تسبب أعراضا تشبه أعراض الأزمة القلبية لرفضه التعاون مع جهة من الجهات الخارجية، ويطلب منها المساعدة، وهى تجلس أمامه مبهوتة وكأنها تحولت إلى شخصية انقيادية.

فاروق أو اللواء كمال ينظر دائما داخل عينيها وبنظرة ثابتة واثقة ليؤكد على أن كل كلمة يقولها حقيقية، لدرجة أنها لم تفكر فى التأكد من الشخصية، ويسألها أن يدخل أولاده - يقصد رجال العمليات معه - لوضع الكاميرات، حيث إنها أصبحت مقتنعة أنه يعمل على حمايتها.
مشهد آخر يوجه فيه انتقادا إلى الضابط الذى يعمل تحت إمرته «شكرى» يجسده خالد سليم، ويوبخه لاستخدامه العنف الجسدى مع شاب كل موهبته فى الحياة أنه قادر على التعامل مع التكنولوجيا وفك جميع الشفرات - راجع تفاصيل مشهد العنف الجسدى الذى استخدمه الضابط الصغير والعنف النفسى الذى مارسه اللواء المتمرس - مشاهد كثيرة يقدمها الفيشاوى باحترافية وانضباط لافتين للنظر، لذلك فكل المشاهد التى يطل من خلالها النجم الكبير تشعرك أنها مشاهد مشبعة يقدمها لاعب ماهر ومحترف، يعرف كيف يوظف اللغة الجسدية ولغة العينين، ومتى يعلى من واحدة منهما على حسب الموقف الدرامى وتصاعده.

أضفى وجود الفيشاوى بريقا مميزا وخاطفا على مسلسل بعد البداية وذكاء من صناع العمل اختياره، والموهبة الأكبر هى موافقته.

شخصية «كمال سليم» التى يجسدها الفيشاوى ستكون واحدة من أهم المرجعيات لمن يقدم شخصية مشابهة مليئة بكل التناقضات، الضحكة المفتعلة الودودة المرسومة على وجهه، والعنف الذى يسكن كل إيماءاته وأيضا ملابس الشخصية المختارة بعناية فهو لواء شديد التأنق، «الاسكارف» لا يفارقه فى دلالة على أنها شخصية شديدة التأنق خارجيا، وكأنه يخفى ما بداخله.