أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد فودة

محمد فودة يكتب.. إرادة «قيادة» وعزيمة «شعب»

السبت، 08 أغسطس 2015 06:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وأنا أتابع الاحتفال العالمى بافتتاح قناة السويس الجديدة، بهذا الحضور الكبير من جميع أنحاء العالم، وعلى هذا النحو من الروعة والجمال، عدت بذاكرتى إلى الوراء عامًا كاملًا، فقبل عام من الآن لم يكن هناك أى شىء مما نراه الآن، ولم يكن هذا المكان سوى رمال صفراء لا تشير إلى أى شىء مما نراه الآن واقعًا ملموسًا يحتفل ويحتفى به الجميع.

نعم قبل عام من الآن لم يكن هناك سوى إرادة قوية عبرت عنها القيادة السياسية الواعية بما تقتضيه ضرورات الحياة الكريمة للأجيال المقبلة، وهو ما ترجمته على أرض الواقع عزيمة شعب وثق كل الثقة فى قيادته السياسية، ومنحها فى هذا الصدد عزيمة وقوة تمت ترجمتها بشكل عملى فى تلك المشاركة غير المسبوقة من جانب الشعب فى حفر قناته الجديدة، لتصبح ملكًا له، فرأينا ولمسنا بأنفسنا تلك الملحمة الوطنية فى التمويل من خلال شهادات استثمار قناة السويس التى ضربت أروع مثل فى عزيمة الشعب المصرى وقت الأزمات.

فماذا يمثل هذا الافتتاح المبهر لقناة السويس بالنسبة لنا وللعالم حينما يكون على هذا النحو من الدقة فى التنفيذ، والروعة فى الفقرات التى تنم عن قدرتنا الفائقة على تنظيم مثل هذه الفعاليات العالمية التى لا تقل فى أهميتها عن ملحمة حفر القناة ذاتها.. واللافت للنظر فى هذا الاحتفال أنه، وعلى الرغم من ضخامة أعداد المشاركين فيه، فإنه جاء مبهرًا، واتسم بالتنوع ما بين الفنون والموسيقى والعروض الاستعراضية المبهرة، وتنفيذ كل فقرة فى التوقيت المحدد لها، وكأن الحفل يسير وفق عقارب الساعة التى لا تقدم ولا تؤخر دقيقة واحدة، وهو ما جسد أمام الحضور، وبشكل يدعو إلى الفخر، قدرة المواطن المصرى على صنع كل ما هو جميل.

أما كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى جاءت مفعمة بالحماس، فلم تكن جديدة علينا، أو على جميع المشاركين فى الحفل من شتى أنحاء العالم، أو حتى الذين تابعوا الاحتفال عبر شاشات التليفزيون، سواء داخل مصر أو خارجها، فالكلمة مادامت خرجت من القلب فلابد أن تدخل إلى القلوب دون استئذان، وكعادته استطاع الرئيس أن يخرس الألسن، وأن يقطع الطريق أمام المشككين فى هذا المشروع العملاق بكلماته البسيطة، وشرحه المختصر لأهمية هذا الشريان الملاحى الجديد بالنسبة لنا ولشركائنا من جميع أنحاء العالم، والذين سيعود عليهم النفع أيضًا من خلال توفير الكثير من الوقت بالنسبة لحركة التجارية العالمية.

تحدث «السيسى» من قلبه حينما ترك الكلمة المكتوبة مخاطبًا العالم بعفويته المعهودة، وبكلماته البسيطة، ليوضح للجميع أن تلك القناة ما هى إلا الخطوة الأولى فى طريق ملىء بمائة خطوة قادمة، معلنًا بذلك أننا مقدمون على الكثير والكثير من المشروعات التنموية، فاستحق كل تقدير من كل من استمع إليه وهو يخاطب البسطاء من الشعب قبل النخبة، لأنه يعى جيدًا أن المواطن البسيط هو الهدف الاستراتيجى للتنمية المنشودة. لم يكن تصفيق الحضور لكلمات الرئيس مجرد تقدير لرئيس وعد شعبه ووعد العالم فأوفى وأنجز، إنما هذا التصفيق خرج عفويًا وطبيعيًا لتحية رجل أحس بالدور الذى يقع على عاتقه، وشعر بأهمية أن يكون الرئيس جنرالاً بمعنى الكلمة وهو يحارب العدو الحقيقى له ولشعبه، وهو «الوقت».. نعم لقد كان الوقت هو العدو الأكبر للرئيس وهو يسير بخطى سريعة ومتلاحقة لإخراج مصر من عثرتها، وليس الوقت فحسب، بل إن عدوه الأكبر أيضًا يتمثل فى الروتين والبيروقراطية، فما كان منه إلا أن يضرب الوقت فى مقتل بتحديد عام لإنجاز مشروع كان فى حاجة إلى 3 سنوات.

لقد استطاعت مصر بهذه القناة الجديدة أن تكتب لنفسها وللمنطقة تاريخًا جديدًا، أعتقد أن الأجيال المقبلة ستجنى ثماره بلا شك، فكل المؤشرات تدل على أن هذا المشروع التنموى سوف يحقق نقلة نوعية فى التجارة العالمية.
واللافت للنظر أن حفر هذه القناة ليس نهاية المطاف، بل هو نقطة البداية فى مشروع محور قناة السويس، ذلك المشروع التنموى الضخم الذى تم تدشينه فى الخامس من أغسطس عام 2014، وتتحدد الرؤية الكاملة لإقليم قناة السويس كمركز لوجستى وصناعى عالمى فى كونه إقليمًا متكاملًا، اقتصاديًا وعمرانًيا، ومتزنًا بيئيًا ومكانيًا.

ولم يأت اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذا التوقيت الذى دشن فيه هذا المشروع اعتباطًا، أو بمحض الصدفة، إنما هو اختيار دقيق، ووفق رؤية واضحة، هى أن تتحول التواريخ المهمة فى حياة الشعب المصرى إلى نقاط انطلاق جديدة نحو المستقبل، ففى العام الماضى، وبعد أيام قليلة من إحياء ذكرى تأميم قناة السويس «26 يوليو 1956» أعلن الرئيس عن خطة مشروع تنمية محور القناة.

وقد لفت نظر المراقبين فى كلمة «السيسى» التى ألقاها فى أثناء افتتاح المشروع عمق الإصرار على عدم الاستدانة لإنشاء محور القناة، ودعوته المصريين لشراء أسهم فيه باعتباره استثمارًا فى مستقبل مصر، حيث تستهدف «قناة السويس الجديدة» زيادة الدخل القومى، بمضاعفة إيرادات القناة بنحو 259 بالمائة، ما يوفر ما يقرب من مليون فرصة عمل فى إنشاء مدن صناعية على ضفاف القناة.

ولأن الشىء بالشىء يذكر فإننا هنا، وأنا أكتب عن مشروع تنمية قناة السويس، فإننى أتذكر هذا التاريخ الطويل الذى مر به المشروع، فنحن نعلم أنه ليس جديدًا، أو أنه هبط علينا من السماء، فإحقاقًا للحق لم يثر موضوع تطوير قناة السويس الاهتمام فى عهد الرئيسين السادات ومبارك، لأنه رغم أهميته الاقتصادية لم يكن ليشكّل تهديدًا للأمن القومى للبلاد، لكن اتخذ هذا المشروع منعرجًا خطيرًا حين طرح الإخوان خلال حكمهم مشروع قانون لتنمية ما أسموه «إقليم قناة السويس»، وكان «السيسى» آنذاك وزيرًا للدفاع، فحذر من أن المشروع به العديد من الثغرات الأمنية التى قد تعرض أمن مصر للخطر، واعترض كذلك على فصل قناة السويس إداريًا عن مصر، وحلف «رئيسها» اليمين أمام الرئيس، وعدم إخضاعه للقوانين المصرية، بالشكل الذى يوحى بأن القناة منفصلة عن القطر بالكامل. ومن أبرز أعتراضات القوات المسلحة إسناد تخطيط وتنفيذ المشروع بالكامل لقطر، وهو ما أثار مخاوف شعبية ورسمية.

وهنا يظهر الدور الوطنى المهم الذى لعبته قواتنا المسلحة فى حماية هذا المشروع من أن يسقط فى يد المتلاعبين بأمن الوطن واستقراره، فنظرًا لأن المشروع يعدّ من أضخم المشاريع القومية، فقد تم إسناد مهمة تنفيذ مشروعات حفر القناة الجديدة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى تعمل تحت مظلتها الشركات المصرية الكبرى، وقد أرجع الرئيس السيسى إسناد المهام لشركات مصرية لتقليل النفقات، وضمان أولويات الأمن القومى.

لذا فإننى أرى أن قناة السويس الجديدة سوف تسهم فى تغيير خريطة مصر السكانية، حيث من المقرر- وفقًا لمخطط المشروع- بناء مجتمعات عمرانية جديدة فى سيناء، وعلى جانبى القناة فى محافظات السويس والإسماعلية وبورسعيد مما يجعلها مطمعاً للآخرين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة