أكرم القصاص - علا الشافعي

د. إبراهيم نجم

مرصد الإفتاء بين الرسالة الدينية والإشادة العالمية

الإثنين، 04 أبريل 2016 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيقن مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية منذ نشأته -قبل عامين- أن دوره لن يكون مقصورًا على الشأن الداخلى أو المحيط المحلى أو الإقليمى، بل سيتخطى دوره هذه المنطقة إلى العالمية؛ وسيصبح أحد أهم مراكز الأبحاث المعنية بمحاربة الفكر المتطرف، وذلك لعدة أسباب يتعين علينا بيانها:

أولها: أن المرصد معنى بالأساس بقضايا التشدد والتطرف وطرق التصدى لها وعلاجها، وثانيها: إيمان المرصد بأن هذه القضية عالمية وليست محلية، فالإرهاب كما يعرف الجميع لا يستثنى أحدًا، وثالثها: أن منشأ أى فعل إرهابى هو فتوى خاطئة أو شاذة أوِّلت وفسِّرت على غير معناها، ودار الإفتاء ومرصدها التكفيرى معنيان بهذه الساحة لبيان الصحيح من السقيم فيما يُقدم من فتاوى وآراء للناس، ورابعها: أن المرصد يتْبع للدولة المصرية التى أصبح لديها رصيد يُحترم فى محاربة ظاهرة الإرهاب على مستوييها الفكرى والعسكرى، بالإضافة إلى إستراتيجية وضِعت للمرصد منذ نشأته توضح الخطوط العريضة لمحاربة الفكر المتطرف، أنجزنا منها جزءًا كبيرًا ولا يزال العمل قائمًا على تحقيق هذه الاستراتيجية كاملة فى مقبل الأيام.

وخلال العامين الماضيين تُرجمت أجزاءٌ من هذه الإستراتيجية إلى أعمال؛ حيث أصدر المرصد العديد من التقارير والاستشارات والدراسات والكتب التى تفكك البنية الفكرية للتنظيمات الإرهابية، ولم ينحصر دور المرصد على الحالة الرصدية التى قد يظن البعض أن مهمة المرصد تقف عندها، بل تجاوزها إلى الحالة التحليلية؛ فأصبح راصدًا للأحداث والفتاوى والآراء والتحركات الخاصة بالتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها داعش، ومحللاً لكل هذه المفردات فى آنٍ واحدٍ.

وخلال هذه الفترة القصيرة أصبح مركزًا معتمدًا للرد على أفكار التنظيمات المتطرفة ودعاوها من قبل وسائل الإعلام العالمية ومراكز الأبحاث الدولية، وأصبحنا نُطالع التقارير الدولية والدراسات التى تستعين بآراء المرصد التكفيرى التابع لدار الإفتاء المصرية كمصدر مهم يؤكد صحة أو خطأ معلوماتهم.

وتعاظم دور المرصد التكفيرى بعد ارتفاع وتيرة عنف التنظيمات الإرهابية، وبعد أن استيقظ الغرب على فاجعة الإرهاب التى استوطنت أرضه؛ والذى ظنَّ أن ناجٍ منها، فأصبح يتجرع- مثلنا- مرارة تلك الأفعال الإرهابية، والتى أنكرها غير عابئ ذات مرة، وربما دعمها فى مرة أخرى، بالإضافة استشعار العجز أمام مواجهة هذه التنظيمات البربرية، وظنه أنه قادر على إبادتها عسكريًّا، ليفيق على أن ضلعًا ثالثًا فى مثلث العلاج غير مكتمل، وأن هذا الضلع هو الأقوى، إذ إنه يمثل قاعدة المثلث الذى من خلاله يستطيع القضاء على ظاهرة الإرهاب، وهذا الضلع الغائب هو صميم عمل المرصد التكفيرى بدار الإفتاء.
وبعد أن أيقن الغرب أن العمل العسكرى لن يؤتى ثماره وحده استشعر أهمية العلاج ى وبما أنه يفتقد إلى آليات العلاج الفكرى لعدة أسباب أهمها الدين واللغة والتواصل واختلاف الثقافات؛ فكان عليه أن يستعين بأهل الخبرة، أو ما يُسمى بيوت الخبرة فى هذا المجال، ومن بين تلك المراكز البحثية يأتى مرصد دار الإفتاء، ليجدوا عنده علاج تلك الظاهرة التى أصبحت مثار رعب وذعر فى الغرب.

وقد برهنت دار الإفتاء عمليًّا على هذا الدور حينما شاركت فى قمة البيت الأبيض لمكافحة التطرف التى عُقدت فى فبراير من العام الماضي، حيث قدمت ملفًا يضم استراتيجية دار الإفتاء ورؤيتها لمكافحة الأفكار المتطرفة باللغة الإنجليزية، والذى ضم العديد من الرسائل المهمة لفهم الظاهرة التى تهدد الأمن والسلم العالميين، ويوضح الأطر الفكرية والتاريخية والتبريرات التى تقدمها جماعات العنف السياسى فى أدبياتها، ويفضح كذلك البنية الأيديولوجية لهذه التنظيمات، ويرد على الشبهات التى تستند إليها التنظيمات الإرهابية فى جرائمهم، ويوضح العديد من المفاهيم الإسلامية التى أسيء فهمها وتطبيقها من قبل تلك الجماعات عبر استقراء موضوعى للتعاليم الإسلامية الصحيحة.

لذا فقد جاء قرار البرلمان الأوروبى قبل أربعة أشهر باعتماد دار الإفتاء المصرية مرجعية فى البرلمان الأوروبى فيما يخص الفتوى وقضاياها، يعقبه إشادة الأمم المتحدة بتجربة مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء، فى القرار الأممى الذى تبنته ٣٨ دولة حول الإرهاب، ليمثلا اعترافًا بالجهود التى تبذلها دار الإفتاء المصرية للتصدى للفتاوى المتطرفة وحوار الأديان ونشر ثقافة التسامح والتقارب وتدعيم المشترك بين شعوب الأرض، بالإضافة إلى جهود الدار العلمية والمجتمعية المؤثرة فى مجالات الدين والإعلام والثقافة والفكر فى الداخل والخارج .

وقرار اعتماد دار الإفتاء مرجعية فى البرلمان الأوروبي، وحصول مرصد دار الإفتاء على الصفة الاستشارية للأمم المتحدة يؤكدان أمرين هما الريادة المصرية فى قضية معالجة الأفكار المتطرفة وهذه الريادة الخاصة هى جزء لا يتجزأ عن ريادة الدولة المصرية، والآخر تَمثل فى رصيد الخبرة الذى أصبح لدى مرصد الفتاوى التكفيرية، وهذا الرصيد يؤهله لأن يكون بيت خبرة بحق، ويعزز من القول بتحويل المرصد إلى مركز أبحاث ودراسات إستراتيجية معتمد، يجمع بين الخبرة والتواصل مع كل المراكز البحثية العالمية.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال بعد أن حصل المرصد التكفيرى على الصفة الاستشارية للأمم المتحدة، وبعد ما قدمه من علاج لظاهرة التطرف: هل من الممكن أن يتحول مرصد الإفتاء إلى مركز بحثى معتمد يزاوج بين الخبرة المصرية ومراكز الأبحاث العالمية؟

الإجابة نعم؛ وذلك لعدة أسباب تدفع بقوة لاعتماد المرصد كمركز بحثي، أولها: الاعتراف الدولى بالمرصد وجهوده العلمية، وثانيها: ما قدمه المرصد داخليًّا وخارجيًّا لأجل التصدى للظاهرة، وثالثها: ضرورة تعزيز التعاون الدولى لمحاصرة ظاهرة الإرهاب، ورابعها: أهمية تبادل وجهات النظر بين المراكز المحلية والعالمية لتقديم رؤية واحدة تكشف انحراف التنظيمات الإرهابية عن غاية الدين الإسلامي، وخامسها: أهمية إنشاء المراكز البحثية المعنية بهذه الأفكار فى هذا التوقيت.

وتكمن أهمية تحويل مرصد دار الإفتاء إلى مركز دراسات استراتيجى فى كونه يجمع بين الأدلة الدينية الصحيحة، والتى تتمثل فى الرصيد الإفتائى لدار الإفتاء والذى يتجاوز القرنين من الزمان، والرصيد البحثى والعملى للمرصد فى مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب خلال الفترة الماضية؛ وهذان العاملان لا يتوفران إلا فى دار الإفتاء المصرية.
• مستشار مفتى الجمهورية .








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

الفار

ضرورة المرصد

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد علي

مرصد الإفتاء نافذة للعالم الإسلامي

عدد الردود 0

بواسطة:

علي علي أحمد

الفتاوى التكفيرية

عدد الردود 0

بواسطة:

ابن المنصورة

كيف نستفيد من المرصد

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

وقوفا خلف دور الإفتاء ومرصدها

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو روضة

تكليف لا تشريف

هو تكليف فرضته الظروف لا تشريفا بغير مجهود

عدد الردود 0

بواسطة:

أم رأفت

جزاكم الله خيرا

نعم، جزاكم الله خيرا لما تقومون به من خدمة الدين

عدد الردود 0

بواسطة:

عاطف

رجل لكل العصور

عدد الردود 0

بواسطة:

مصطفى

دور يقدر بقدره

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء

دور المرصد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة