وبمجرد أن تطأ قدمك "السجون" تجدهن يتحركن بملابسهن البيضاء، ملامح الحزن والحسرة مرسومة على الوجوه، قبل أن تسألها عن سبب سجنها، تبادرك بالإجابة: "أنا مسجونة فى قضية شيكات بدون رصيد.. أنا غارمة.. تهمتى الفقر.. لا سرقت ولا قتلت ولا مشيت بطال لا سمح الله.. أنا موجودة هنا جوا السجن عشان فيه ناس بره مش حاسة بينا".
يأتى رمضان هذا العام، وهناك العشرات من السجينات تركن الأهل والأقارب، إلى خلف أسوار عاتية تمنعهن من رؤية فلذات الأكباد، تمنعهن أسوار السجون من تناول الإفطار مع الأهل، أو الجلوس أمام التلفاز فى "لمة العيلة"، بعدما فرق الفقر بينهم، يحلمن باليوم الذى يتنفسن فيه هواء الحرية، تتعدد القصص و"الحواديت" داخل كل زنزانة، ويبقى سبب السجن قاسمًا مشتركًا بينهن، وهو عدم القدرة على سداد مستحقات مالية.
صرخات الغارمات فى شهر رمضان من داخل السجون تطالب القلوب الرحيمة أن تترك لإنقاذهن، وأن تبادر بسداد أموال الزكاة والصدقات لصالحهن، خاصة أن هناك سيدات دخلن السجن بسبب ثمن ثلاجة أو بوتاجاز.
ووسط الظلام الدامس، بدأ بصيص من الأمل يلوح فى الأفق، بمبادرة أطلقها ضابط شرطة لجمع أموال زكاة الأموال وسداد ديون الغارمات، حيث تم دفع 7 مليون جنيه من أموال الضباط لصالح الغارمات ـ وفقاً لتصريحات اللواء حسن السوهاجى مساعد وزير الداخلية رئيس قطاع السجون ـ وبالرغم من ذلك تبقى أعداد كبيرة من السيدات يحلمن بالحرية، فى انتظار قلوب رحيمة وأيادٍ سخية تبذل وتعطى، وتنقذ مصير أسر كاملة من الدمار، وحياة أطفال صغار من موت محقق بعدما أصبحوا بدون أم، إيمانًا منهم بأنه من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.
وبالرغم من الجهود المبذولة لخروج الغارمات، تبقى قصص وحواديت الغارمات داخل السجون، يمل القلم من سردها، قصص لأمهات دخلن السجن بسبب أموال ضئيلة، إلا أنهن عجزن عن السداد، فدخلن السجون ونقشن قصص و"حواديت الصبر" على جدران الزنازين، تلك القصص التى تلعن البشرية وتلعن القسوة، وتتلهف إلى قلوب رحيمة لانتشالها من غيابات السجون.
ولذا بدأت بعض الجمعيات الخيرية تتحرك سريعاً لإنقاذ مستقبل عشرات من السيدات، حيث تعمل جمعية "مصر الخير" على المساهمة فى سداد ديون 2000 من الغارمين خلال هذا الشهر، ليصل عدد الذين خرجوا بهذه المساهمات منذ 2010 وحتى الآن 33 ألفا وفقاً لتصريحات هالة السيد مسئول الإعلام بمصر الخير.
ولعل أبرز الغارمات الذين خرجن بهذه المساهمات، "الحاجة مها صبرى" سيدة فى الخمسينيات من العمر، لديها 4 أبناء "بنت ، و3 أولاد"، أولادها يعملون باليومية، ولم يكن أمامها سوى أن تجهز ابنتها بمفردها فى ظل عجز زوجها الكفيف، اشترت أجهزة كهربائية بمبلغ 15 ألف جنيه، واستطاعت سداد عدد كبير من الأقساط، حيث التزمت بسداد 5 آلاف جنيه بواقع 230 شيكا، إلا أنها توقفت عن سداد الأقساط منذ عام، بعد أن فقدت عملها، لسفر الليبيين الذين كانت تعمل فى خدمتهم، وأقامت الشركة دعوى ضدها بعد عجزها عن السداد، وأخذت "الحاجة مها" تتنقل من بيت لأخر خوفا من السجن والمحضرين، إلى أن تعرفت عن طريق أحد الجيران على مؤسسة "مصر الخير" التى نجحت فى تسوية القضية وإتمام التصالح.
موضوعات متعلقة..
ـ مدير أمن الغربية يستقبل غارمة بعد سداد ديونها فى قضية تبديد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة