أكرم القصاص - علا الشافعي

مصطفى الضبع يكتب: المجال الحيوى للقصيدة فى "تسيالزم"

الثلاثاء، 05 ديسمبر 2017 10:00 م
مصطفى الضبع يكتب: المجال الحيوى للقصيدة فى "تسيالزم" غلاف الديوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"وبحاول أبدأ من جديد

فك الرموز المرهَقة

هو اللى هايم فى الفضا

زى اللى مشدود للمدار"

 

قد تصلح هذه الصورة لاستكشاف عالم الشاعر طارق سعيد أحمد فى ديوانه "تسيالزم.. إخناتون يقول" ومشاغله ومراكز اهتمام وعيه، فقراءة التجربة الأولى يغلب عليها دائما طابع الاستكشاف، حيث المتلقى يكون معنيا باستكشاف مساحات الشعرية، ومساحات الحركة وزوايا الرؤية، وقدرة اللغة على التعبير عن أو طرح ملامح التجربة، ومساحة حركة الذات فى تعبيرها عن خصوصيتها وحقها فى إثبات وجودها

 

المحاولة للبدء من جديد/الولادة الجديدة التى تتبلور فى فك الرموز المرهقة، الرموز التى يعنى فكها غموضها، ويعنى إرهاقها استهلاكها زمنا أرهق الباحث عن الفك، وفى اللحظة التى يكاد المتلقى فيها الوقوف على تفاصيل أعمق فى الصورة ينقله النص إلى القرار بلغة الموسيقى أو الالتفات بلغة البلاغة حيث تنتقل الصورة من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، سردا لبعض التفاصيل المنتجة واحدة من تقنيات التعبير الشعرى فى الديوان أعنى السرد بصورته الجزئية حيث لا سراد يرسم قصة كاملة أو حكاية مكتملة الأركان ، فالسرد هنا يشعر متلقيه بأن شيئا قد حدث من قبل وعليه ان يوظف ما هو كائن لاستكشاف ماقد مضى أو لإدراك ما سبق قبل الدخول لخشبة المسرح .

 

يعتمد الديوان إلى حد كبير على الصورة فى جانبها السردى أو الصورة القائمة على مجموعة من التفاصيل السردية، حيث العلامات اللغوية تحيلك على نظامين:

 

- السرد داخل المشهد، حيث المشهد يضم عددا من التفاصيل التى تتولى رسم الحكاية بشكلها الجزئى وهو ما ينطبق على معظم المشاهد فى قصائد الديوان .

- السرد خارج المشهد حيث يعمد السارد على تضمين الصورة مجرد علامة لها تحققها الخارجى المرتبط بسردية خارج نطاق المشهد مثل كلمة " اللوفر " التى تمثل علامة لها تحققها فى خارج النص ويكون حضورها فى النص نوعا من العلاقة بين نطاقين، نطاق الخارج السابق ونطاق الداخل اللاحق، وهو ما تقوم به العلامات المماثلة فى سياق النصوص المختلفة .

 

الصورة نموذج لتركيب الصور الشعرية أو التراكيب القائمة على الطرح والدليل أو الطرح والحجة التى يكون على المتلقى استكشافها والربط بينها وبين مايطرحه الشاعر من أفكار ودائما يكون الطرح أخص والدليل أعم، ويكون على المتلقى أن يرى العالم عابرا بين الاثنين:

 

- بحاول أبدأ من جديد.. / الطرح الخاص.

- هو اللى هايم فى الفضا، زى اللي... / الدليل العام.

فالصورة الأولى حدث يمثل تجربة تخص الذات ، والصورة الثانية دليل سابق يقيس عليه تأكيدا لطرحه وإنتاجا للحيوية فى حركتها أو فى تحريكها الصورة بين نطاقين: القديم والجديد، والسابق واللاحق، وهى حركة من شانها تقرير الحيوية فى طرح العالم ورسم المشهد.

 

يعتمد الشاعر عددا من الطرائق لبث الحيوية فى نصه عبر تحديد مناطق الحركة وتشكيل مساحاتها، وهو ما يتكشف بداية من عناوين النصوص فى تشكيلها الخاص القائم على مفردة واحدة فى غالب الأمر :تحويل – حلم – تحريض – صور - موسم الحصاد – ميت - حوار خاص – تيوليب – وشوش – بنفسج - عبث – اللوفر – ممل – تعاويذ – صورتك - أخرس – أطرش – مطرود - وسط البلد – سودا – هو - ملعون - فقط - ليه – كالوس – اقرأ – عدل - ط.

 

 (28)قصيدة يغلب على عناوينها الطابع الفردى ويغلب على الفردى طابع التنكير إمعانا فى سحب المتلقى من عتبة النص (العنوان) إلى النص بوصفه مكانا للقاء بين سلطتين : سلطة النص وسلطة التلقى وناقلا حيوية الحركة من الذات إلى المتلقى عبر النص وماتطرحه المفردات فى سياقاتها المختلفة ، جامعا بين علامات لغوية تحيل إلى أحداث مجردة من الزمن (تحويل) أو تحيل على أشياء تثير التخييل (صور ) أو تحيل إلى أمكنة داخلية أو خارجية (اللوفر – كالوس – وسط البلد) ، وغيرها من العلامات المحركة لعالم الصورة الشعرية، والحركة هنا لتتبع العلامة وجودها الخارجى إلى وجودها الداخلى، كيف كانت قبل النص وكيف آلت إليه امورها فى داخله ، وهل حافظ الشاعر على العلامة كما هى عليه أم أنه أعاد توظيفها لصالح نصه وخدمة لإنتاج الدلالة الكبرى كما يريد لها أن تكون.

 

تنتج القصيدة مجالها الحيوى الذى يشعر به المتلقى شريطة أن يكون لديه القدرة على التحرك وفق معطيات النص، لا ينحصر المجال الحيوى فيما تقوله اللغة بشكل يبدو سطحيا أو مجرد تحقيق المفردة معناها فى سياقها المنفصل/ المتصل، وإنما يكون للمفردة قدرتها على استحضار ماهو خارج النص وامتصاص النص لما هو متحقق خارجه، وما يدور من حوله معيدا إنتاجه فى سياق له خصوصيته وهو ما يجعل من حضور عنصر ما فى سياق القصيدة بمثابة العلامة المستمدة من خارجها.

 

ما إن يلتقط المتلقى خيط البداية فى القصيدة حتى ينطلق إلى مجموعة التفاصيل التى تكون بمثابة مسارات الحركة، تلك المسارات التى يحددها الشاعر راسما طريق التلقى تبدأ قصيدة "عبث" بتركيب يبتعد عن المجاز أو يتخلص منه حيث لا يدع الاستهلال متلقيه ليفكر فيما سوى التعبير القريب من الحقيقة 

 

"أفكارك مش واضحة

ثم يعمد إلى تفسير الغموض وتوثيق الحكم " مليانة عيونك تفاصيل / بالأبيض / والإسود " مقتربا من منطقة التناقض القائم فى الصورة فالتفاصيل لا تتكامل بل تتضاد، والامتلاء الدال يتناسق مع الأفكار والتفاصيل فى مجموعها على اتساع المساحة بين الأبيض والأسود فى دلالتهما الزمنية، منتقلا إلى منطقة أكثر إنسانية لطرح السؤال فى دلالته وفى تناسقه مع الغموض :هى مشاعرك مجنونة / ولا حنونه / ولا انت خايف م الفرشة / والألوان / والعيشة ع الجدران / وعلاقتى بصالات العرض / والمتاحف ؟ والحوار يستهل بجملة حوارية تتأكد بالسؤال عن تفاصيل تجمع بين الأنا والآخر، بين المشاعر والتفاصيل المعبرة عن المشاعر او المؤشرة عليها، فإذا كانت المشاعر نظاما داخليا للكشف عن الأحلام والعلاقات فإن التفاصيل نظاما لحياة لا يمكن لها الاستمرار دون النظام الداخلى، نظامان يجمعان بين رؤية الداخل والخارج بوصفهما وجهى العملة أو وجهى الحياة اللذين لا انفصال بينهما، عند هذه النقطة من التعبير يطرح النص سؤاله المنفتح على الزمن والمحدد بطبيعة المخاطبة / الأنثى : تفتكرى الصبح أجمل ولا الليل ؟!! / بتحبى شعر القصير ولا الطويل؟!، جامعا بين علامتين: علامة زمنية، الصبح والليل وما يحملانه من دلالة، وعلامة إنسانية: الشعر القصير والطويل، معتمدا انزياحا فى خروجه عن السؤال النمطى (من المنطقى السؤال عن جمال الشعر الطويل أو القصير وحب الصبح أوالليل)، غير أن الحوار من طرفه الوحد يغلق المشهد بجملة رمزية ، تحمل نوعا من الهذيان أو ما شابه، كأن المشهد يجمع خيال المتلقى إلى نقطة البداية، فإذا كانت العيون المليئة بالتفاصيل تشى بمساحة الاقتراب بين شخصين يتجالسان ، فإن القهوة مساحة لقاء تشى بالقرب نفسه وتعلن عن مرور الوقت على حوار صامت محكوم بقرار انتهاء الحوار بالسكتة: "ع العموم القهوة بردت / والمطر طمن الصحرا/ والشجر الخايف" عندها يجتهد ذهن المتلقى فى جدوى العلاقة أو سببية الجمع بين القهوة الباردة والمطر الذى اجتهد فى فعل الطمأنة للصحرا والشجر الخايف بوصف الأخير معادلا موضوعيا عن الناس الذين يعبر عنهم المشهد سواء كانوا فى داخله تمثيلا لمن هم خارجه ، حيث الأصوات فى المشهد ماهى إلا نوع من الاختزال للتجربة الإنسانية فى لحظة فارقة بين الالتقاء الصامت ومتابعة تفاصيل المشهد الواسع .

 

يرسم الشاعر مشاهده السردية ببساطة تليق بتجربة أولى تتحسس خطواتها، تقارب الذاتية دون التخلى عن رؤيتها للعالم من حولها، وتقترب من العالم دون أن تفقد قناعتها بأهمية إثبات وجودها فى المشهد، وأهمية أن تصل كلمتها لمتلقيها عبر مجموعة التقنيات التى تعتمدها.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة