أكرم القصاص - علا الشافعي

المخرج الكبير عصام السيد يكتب .. عروسة حسنى

الخميس، 04 يناير 2018 11:59 ص
المخرج الكبير عصام السيد يكتب .. عروسة حسنى المخرج الكبير عصام السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبيل الثورة كانت الأرواح قد بلغت الحلقوم، النكات اختفت، وأصبح الضحك عسيرا على المستوى الشعبى، الوجوه مكفهرة والأيدى مغلولة والسيقان تهرول من عمل لعمل لعل المصرى يحصل على ما يكفيه ليومه، لا أمل فى تغيير للأفضل، حتى صار المصريون يتمنون أى تغيير حتى و لو لم يكن للأفضل، كسرا حالة  الرتابة والملل التى سيطرت على الوطن وكسرت عصا المصريين، فالرتابة والملل هما قاتلا الضحك وناسفا السخرية .

 وتولت الفنون – كعادتها - تعويض الأمر، فانتشرت الأفلام الكوميدية وتزايدت الإيرادات، بل وحققت أرقاما غير مسبوقة فى تاريخ السينما المصرية، بدأت من فيلم "إسماعيلية رايح جاى" وتجلت فى " اللنبى" ، واكتسح أبطالها المضحكون عروشا فنية كانت مستقرة وصاروا هم "السوبر ستار"، ولكن ضحك غالب هؤلاء المضحكين كان ضحكا خشنا خاليا من المعنى أو المحتوى، ضحكا ينسى المصريين آلامهم للحظات لكنه لا يعبر عن مواجعهم، ضحكا يسلى المصريين ولا يعالج جروحهم، يخدرهم فقط وينتهى أثر المخدر بمجرد الخروج من قاعة السينما، ولهذا تناوب كثيرون على عرش تلك الأفلام فى فترة قصيرة ولم يصمدوا الفترة المقدرة لتغير الذوق العام .

من المعروف أنه كل جيل (عشر سنوات تقريبا ) يتغير الذوق العام، ليس بشكل حاد وإنما بهدوء ونعومة لا تكاد تحس، وبالتالى يتغير أسلوب الضحك وطريقته وتتغير معه مواقع المضحكين ارتفاعا وانخفاضا، ظهورا أو اختفاء، لكن هناك من استطاع الهرب من مقصلة الأجيال، فعاشوا طويلا لأنهم عبروا عن جموع المصريين: انظروا معى إلى نجيب الريحانى بشكواه الدائمة من قلة الحظ وغدر الزمان وانعدام التقدير وهو صاحب السبع صنايع الذى لا أمل له إلا الالتحاق بالطبقة العليا بضربة حظ – فهى أيضا صارت طبقة عليا بضربة حظ تمثلت فى الميلاد أو الثراء المفاجئ - أليس هذا الرجل يعبر عن جموع المصريين فى زمنه، أو انظروا إلى عادل إمام ذو الجسد الصغير والملامح المصرية الذى يرتدى دائما (الجينز والكوتشى)، ويبحث له عن مكان وسط الكبار الفاسدين لا يطلب إلا (عيش وكرامة)، ألا يمثل غالب المصريين فى زمن مابعد الانفتاح والانبطاح، و لهذا نجد الاثنين (الريحانى وإمام) وقلائل غيرهما عبروا الأجيال واستمروا، أما الألفية الثانية التى تميزت بالضحك من أجل الضحك فلم تنتج للمصريين من يعبّر عنهم .

وعلى شاشة التليفزيون لم تسجل لنا تلك السنوات علامة كوميدية فارقة أو منحنى جديد للسخرية، برغم محاولات عدة، وبرغم استنساخ أعظم برنامج كوميدى يعتمد على العرائس التى تصور شخصيات شهيرة، والذى كان يقدم فى دول كثيرة، وبرغم صناعة عرائسه بالخارج إلا أنه جاء فاقدا للروح، فالبرنامج الذى قدمه التليفزيون المصرى جاء مستأنسا لا يتكلم فى مشاكل حقيقية أو يسخر مما يعانيه المصريين، فقد كانت النسخة الأجنبية من البرنامج تتناول شخصيات سياسية ومواقف حياتية وتظهر بها عرائس تمثل رأس السلطة لتسخر منها، أو عرائس لشخصيات هامة ومؤثرة على المستوى السياسى على الأقل، ففى التليفزيون الإسرائيلى على سبيل المثال كانت هناك فقرة شبه يومية فى أحد البرامج الإخبارية المهمة تظهر فيها دمية تشبه حسنى مبارك ولك أن تتخيل الباقى، أما التليفزيون المصرى فقد آثر السلامة فآثر الجمهور ألا يشاهده .

أما مسرح القطاع الخاص الذى تخصص فى تسلية السائح العربى والثرى المصرى فقد بدأ فى الاختفاء من على خريطة الحياة المسرحية فى نهاية التسعينيات، بعد أن كان رافدا مهما لتسلية المواطنين بعد نقل أعماله إلى التليفزيون، وسرعان ما تولى مسرح القطاع العام مهمة التسلية والترفية، فاتجهت معظم عروضه إلى الكوميديا، بحثا عن النجاح والرواج، وتراوحت تلك الأعمال مابين الجيد والردىء لكن الغالب كان متوسط القيمة ولا يشكل تيارا ساخرا يمحو الكآبة التى سادت، و لا يرقى إلى مستوى أن يصبح عصا يتوكأ عليها شعب بأكمله، بسبب حصار الرقابة وانعدام الحرية .

وعندما انتشر استعمال النت فى مصر وجد البعض فيه فرصة للتعبير عما بداخلهم بعيدا عن الرقابة والرتابة، فبدأت بعض الفيديوهات الساخرة فى الظهور على اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعى، و لم يكن أحد يعرف وقتها أن هذه الشبكات ستؤثر فى حياة المصريين كل هذا التأثير حتى إنها ساعدت فى أشعال ثورة، أظن أنه لو أتيح قبلها للمصريين أن يسخروا بكل حرية لما قاموا بها، فكسر عصا المصريين يلجأهم على الفور لاستخدام الحجر .

وبدلا من تظهر عروسة (دمية) حسنى مبارك فى التليفزيون فى برنامج ساخر، ظهرت فى الميدان ولكنها معلقة فى مشنقة .









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة