أكرم القصاص - علا الشافعي

الكسب من عرق الوريد!.. "اليوم السابع" يكشف أسرار العلاقة بين سماسرة الدم والباعة الجائلين.. عاملون فى بنك دم بمستشفى خاصة يشترون دماء الباعة الجائلين مقابل 100 جنيه للكيس.. والسعر فى السوق السوداء 700 جنيه

السبت، 20 أكتوبر 2018 11:00 ص
الكسب من عرق الوريد!.. "اليوم السابع" يكشف أسرار العلاقة بين سماسرة الدم والباعة الجائلين.. عاملون فى بنك دم بمستشفى خاصة يشترون دماء الباعة الجائلين مقابل 100 جنيه للكيس.. والسعر فى السوق السوداء 700 جنيه السمسار أثناء سحب الدم ونقل الدم
تحقيق - محمد سالمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- محرر «اليوم السابع» يبيع كيسين فى زيارتين متتاليتين بعد إجراء معايشة بالشارع مع بائعى دمائهم

- أكياس الدم فى السوق السوداء تتراوح بين 600 و700 جنيه.. والفصائل النادرة لها أسعار مختلفة

- رئيس إدارة العلاج الحر: لا يجوز بيع شخص لدمه.. ونتعامل مع المخالفين فوراً

- رئيسة القومى لنقل الدم تؤكد: ثقافة التبرع تقضى على السماسرة.. وجار تعديل قانون الدم القديم

- مؤسس القومى للسموم: التبرع الدورى لا يجوز إلا لأصحاب الصحة 100% مع إجراء اختبارات سرعة التعويض.. وهؤلاء الباعة الجائلين لا ينطبق عليهم هذه الشروط نهائياً

- «عصابة الدكتور والمعلمة» تضع شروط إتمام عملية البيع.. أولها ألا تكون بائع كليتك.. وثانيها تناول أقراص حديد 3 مرات يومياً حتى تتمكن من البيع أسبوعياً.. والاحتفاظ بسر المكان 

يوم صعب آخر تشرق شمسه على أحمد، اسم مستعار، شاب فى منتصف العشرينات وعمله بائع متجول، يستجمع قواه للنهوض من مضجع مكون من ورقة كرتونية ممددة على رصيف أمام أحد المساجد بالجيزة، يُزيل من على وجهه قطعة قماش مبللة بعدما أدت مهمتها وحمته من الحشرات الطائرة طوال الليل، ثم يتحسس ملابسه، متسائلا: «هل سُرقت هذه الليلة أم مرت بسلام»؟!.
 
بعد تناول «سندوتش فول» يتوجه البائع الشاب إلى أحد أصدقائه من أصحاب المحلات الكائنة بميدان الجيزة، فقد ترك ما تبقى من بضاعته لديه خوفا من سرقتها أثناء نومه بالشارع، يشكره ثم يحمل أكياس الحلوى على كتفيه، داعيا المولى عز وجل أن يرزقه قوت يومه، بعدها يرتاد أحد الأتوبيسات المعروفة بـ«الجمعية» لبدء رحلة البحث عن لقمة العيش اليومية.
 

فزورة بائع جائل!

 
جولة البائع الشاب تقوده للمرور أمام أحد المستشفيات بشوارع المهندسين لكن زائر خرج للتو منها يستوقفه طالبًا شراء حلوى، إلا أن أحمد يفاجئه بضحكة ساخرة، مُرددًا جملة: «ما أنا بعت وأنت اشتريت خلاص يا أستاذ»!.. يسأله الرجل عن مغزى كلماته فيُنهى الحوار بـ«فزورة وفشلت فى حلها»!، ثم ينصرف من المكان مسرعًا كأنه يهرب من شىء ما.
 
فزورة البائع الشاب المطروحة على زائر المستشفى ليست مجرد كلمات عابرة إنما واقع مؤسف ملىء بالمآسى والمخالفات القانونية، وتكشفها «اليوم السابع» فى هذا التحقيق الدائر حول بيع «بائعين جائلين» لدمائهم بشكل مستديم مقابل أموال بالمخالفة للقانون وكل الاشتراطات الطبية اللازمة والواجبة. 
 
تفاصيل الحكاية كما يرويها البائع الشاب تعود إلى عدة أشهر مضت، وتحديدًا ليلة قارسة البرودة فيها سُرقت بضاعته وأمواله أثناء نومه بجوار إحدى سلاسل «السوبر الماركت الشهيرة» بالجيزة، ليصحو من نومه منتفضا لا يعلم إلى أين يذهب هائمًا على وجهه فى الشوارع، طالبًا أى مساعدة من هذا أو ذاك لكن الأبواب كلها كانت مغلقة!. 
 
على أحد الأرصفة، جلس البائع يبكى حاله، مُتذكرًا كل ما مر عليه من وقائع مؤسفة منذ مغادرته منزل عائلته لأسباب يرفض الإفصاح عنها لأى شخص، فى هذه اللحظات اقترب منه أحد معارف الشارع يهدئ من روعه، ثم انتهز لحظات سكونه ليباغته قائلاً:«لدى عرض لك سيحل كل مشاكلك»، لينتبه أحمد إليه بشدة، منصتًا لحديث لم يعلم أنه سينقله لعالم طالما نظر إليه باشمئزاز!. 
 
عرض معرفة البائع الشاب تمثل فى تعريفه بأشخاص يشترون كليته مقابل مبلغ مالى محترم يُمكنه من بدء حياة جديدة يشترى بضاعة ويتاجر ويستأجر غرفة للعيش فيها بدلا من نوم الشوارع، وقتها شعر أحمد بخوف شديد وإحساس لم يجربه من قبل، وقفز إلى ذهنه هذه اللحظة حالات رآها بالشارع ممن باعوا كليتهم ويعيشون كمتسولين غير قادرين على العمل، خاصة أن بعضهم تعرض للنصب بينما آخرون ضاعت أموالهم هباءً، لذا رفض الفكرة. 
 
بعد رفض عرض بيع الكلى، وجد البائع نفسه أمام عرض آخر من هذا الشخص حينما قال له:«طالما رفضت بيع الكلى.. أنت حر لكنك صعبان علىّ.. وليك عندى فكرة تانية وهى إنك تبيع دمك واعرف جماعة تانية ممكن تشترى!»، ليسأله البائع بسرعة: «إزاى»، ويرد الآخر: «كأنك بتتبرع بالدم لكن المرة ديه هتاخد فلوس والكيس الواحد ممكن يوصل لـ 100 جنيه.. وأنت ودمك بقى».. هذه المرة لم يفكر البائع ووافق على الفور ليبدأ بعدها رحلة بيع دمه بشكل مستديم أحيانًا يصل لتصبح مرة كل أسبوع. 
 
ما قاله البائع الشاب استدعى توجيه عدة أسئلة له، وهى هل يتم انتهاك الأجساد بهذه الصورة فى الشوارع؟، كيف تتم هذه الأمور بمنتهى البساطة؟، وما الأسباب التى تدفع هؤلاء الباعة للموافقة على بيع أجزاء منهم أو دمائهم بهذه البساطة رغم ما قد يترتب عليها من مضاعفات صحية غير معلومة العواقب؟!. 
 
البائع الشاب فضل الإجابة على تلك الأسئلة بأسئلة أخرى وهى: «هل جربت النوم على الأرصفة أو داخل المساجد؟، ما رأيك فى قيام أحد بإيقاظك من نومك بقدمه بدلا من يديه لا شىء سوى اشمئزازه من هيئتك ورائحتك الكريهة؟!، هل جربت أن تأكل وجبة ولا تعرف مصير الوجبة الأخرى ستكون موجودة أم لا؟، كيف حالك عندما تنام بجوار شخص أكلت معه للتو ما يقال عنه «عيش وملح» ثم يحاول سرقتك بشتى الصور؟!».
 
باختصار عالم الشارع فى وجهة نظر الشاب ليس له أمان لا يوجد صاحب أو شريك، أحيانًا يوجد طيبون يساعدون لكن لن يستمروا فى عطائهم، وبناءً عليه فإن الكثيرين ممن يعشون فى هذا العالم عندما تتاح لهم فرص للربح لن يتوانوا عن استغلالها بشتى الطرق، لاسيما إذا ابتعدت عن خطر الوقوع تحت طائلة القانون أو مطاردة رجال الأمن!. 
 

دلالة المكان !

 
لحكاية البائع الشاب جزء ثانى فضل روايتها من أمام مسجد الحسين ولاختيار المكان دلالاته بالنسبة له، هناك تحدث عن قبوله عرض بيع الدم، معللا قراره: «ما أفعله مجرد مساهمة فى تخفيف حدة مشاكلى اليومية بأقل ضرار ممكن، مع وضع فى الاعتبار أن قوة جسدى أو صحتى لا تفيدنى فى أيام، أحيانًا أتجول بالشوارع حاملاً بضائع ولا كسب قوت يومى حتى، فلماذا لا أستغل صحتى بصورة أخرى؟!». 
 
حوار البائع تطرق لنقاط ذات مغزى على رأسها أن فكرة الحكى وحدها لن تنفع فى فهم عالم أهل الشارع من باعة أو متسولين كبار وصغار، ولا حتى سيشفع سماع مئات القصص المأساوية أو«أسطوانتهم المشروخة» بحسب تعبيره، مشددًا على أن التجربة وحدها قادرة على كشف جزء من ثنايا ما يشعرون به أثناء بيعهم كيس دم أو التفكير فى إبرام اتفاق على بيع أى جزء آخر من أجسادهم الهزيلة. 
 
فجأة أخرج البائع ورقة صغيرة من جيبه مدون عليها رقم هاتف محمول.. ثم قال: «اتصل بهذا الرقم.. وأخبره أنك تريد التبرع بالدم حتى يطمئن لك، وإن سألك من أى حصلت على رقمه.. أجب بأنه عبر أحد زملائك الذين يعملون معك فى سوق الجيزة، وحينما تجلس على كرسى بيع الدماء وبجوارك أطياف مختلفة من البشر، ستدرك مغزى كل كلمة قلتها». 
 
Screen-Shot-2018-10-19-at-11.12.31-AM
 

تجربة خير من ألف حكاية 

 
قبل القفز فوق أسوار هذا العالم، كان واجبا الاستعانة بالإرشادات والاهتمام بأدق التفاصيل كالمظهر المناسب لشخص «شقيان» وطريقة الحديث والسيناريو الجاهز لتبرير أسباب بيع الدم حتى لا ينكشف الأمر، وفى الوقت ذاته إجراء معايشة مع الباعة الجائلين فى الشوارع خصوصًا الفئة التى تبيع دمائها لأطول فترة ممكنة فى محاولة للتعرف على طريقة تعاملهم مع سماسرة الدم. 
 
وبالفعل، تمت المكالمة الأولى مع شخص يطلقون عليه الدكتور فلان على النحو المتفق عليه مع البائع الشاب، تم إبلاغه خلالها أن المتصل بائع جائل بالجيزة يريد التبرع بالدم، ويتحدث من طرف أحد الباعة المتعاملين معه بالسوق، ليسأل هل تعاملت معى من قبل؟، والإجابة لا، ثم سأل عن نوع فصيلة الدم، والإجابة كانت لا أعرف، وأخيرًا سأل:«أنت بايع كليتك؟، ثم كرر سؤاله بصيغة أكثر حدة:«لو بطنك مفتوحة قبل كده متجيش، بقولك أهو؟!، وبعد تفكير وافق المدعو بـ«الدكتور» على زيارته، واصفا عنوان أحد المستشفيات بالمهندسين، منوهًا بإخبار الأمن فور الدخول للمستشفى بالرغبة فى زيارة بنك الدم. 
 

عصابة المعلمة والدكتور.. الزيارة الأولى 

 
بالفعل، سارت الأمور مثلما قال الدكتور بعد عبور بوابة المستشفى الزجاجية، تم سؤال فرد الأمن عن مكان بنك الدم!، ليشير لغرفة بجوار سلم الصعود، وهناك وجهت سؤالا لشخص يقف أمام الغرفة، هل هذا مكان التبرع بالدم؟!، ليرد بالنفى ثم استدرك عندما أبغلته بطلب مقابلة الدكتور فلان، وجود موعد محدد تم الاتفاق عليه فى اتصال هاتفى أجرى مع «الدكتور».
 
بعد السؤال على اسمى بالكامل، وجه الدكتور أحد مساعديه باقتيادى إلى غرفة فرعية أخرى أشبه بـ«البدروم» تحتوى على سرير وثلاجة تحفظ أكياس الدماء بداخلها، إضافة لعدة كراسى يجلس عليها البائعون، وطلب منه أخذ عينة من دمى للتحليل أولًا، وفى هذه اللحظات تواجد بالغرفة شخصين الأول شاب يبدو فى عقده الثانى، والآخر رجل فى نهاية الثلاثينيات أو أوائل الأربعينيات، وكلاهما يجلسان وفى يديهما الأبرة ذات القطر الكبير الممتد منها الخرطوم الموصول بأكياس الدم، ويجلس بجواريهما عاملان بالمكان يشرفان على عملية سحب الدم. 
 
عقب حوار سريع مع الدكتور أو عم فلان مثلما كان يدعوه شخص آخر متواجد بالغرفة سألنى خلاله عن اسمى وعملى ومكان سكنى وكيفية معرفتى بسكته، إضافة إلى طلب ملخص سريع لظروفى الشخصية، أمر أحد مساعديه بسحب كيس الدم، مُطلقًا علىّ اسم «الجديد»، وطلب منه شرح كيفية العمل معهم وألا يفارقنى نهائيًا. 
 
لدقائق معدودة انتظرت بجوار الشاب والراجل الآخر أثناء سحب الدماء من جسديهما، والمفارقة أن الأكبر سنًا تبرع بكيسين وليس كيس واحد، ثم فتح حوارا معى، وسألنى أنت متعلم؟، لأخبره بأنى كنت طالبًا فى معهد فنى صناعى ولم أكمل دراستى وأعمل بائعا متجولا، ثم انطلق فى وصلة نصائح بأهمية الحفاظ على نفسى من الشارع وما فيه من غاوية وأن الأحوال سوف تتبدل فى يوم من الأيام لأنى على حد تعبيره «مش وش بهدلة».
 
رحل الشاب بعد حصوله على 100 جنيه نظير بيع كيس دم، وقته أخبرنى المساعد بأن دورى قد حان، وجلست بجوار الرجل الأكبر فى السن الذى استغرق وقتا أطول، بعدها ركب المساعد أدواته وبدأ دمى فى الانسياب ومعها تعليمات المساعد وتمثلت فى التشديد على أهمية تناول أحد الفيتامينات يوميًا ثلاث مرات بعد الوجبات، والاتصال قبل المجىء إلى المكان للتأكد من عملهم فى هذا اليوم من عدمه، ثم كتب اسم الفيتامين ورقم الهاتف فى ورقة. 
 
الرجل الكبير انتهز فرصة جلوسه بجوارى لاستكمال حديثه، مخرجًا من جيبه شريط الفيتامين المطلوب شرائه، ثم قال لى: «تناول هذا الدواء باستمرار لتعويض ما يفقده الجسد من دماء، ولا تتهاون فى تنفيذ تعليمات الدكتور حتى لا تصاب بأى مضاعفات صحية»، بعدها اختتم حديثه مبتسمًا ونبهنى لأهمية فتح وغلق قبضة يدى لتنساب الدماء بشكل أسرع.
 
بمجرد امتلاء كيس الدم، ظهر الدكتور مجددًا فى الغرفة، وسأل مساعده «كفاية كيس واحد عليه ولا إيه»، وأجابه نعم، ثم سأله: «فهمته الدنيا»، وأجاب بالإيجاب أيضًا، بعدها أعطانى 100 جنيه، وطلب من مساعده تدوين الاسم فى الكراسة المخصصة لبائعى الدم وبجواره نوع الفصيلة. 
 

عصابة المعلمة والدكتور.. الزيارة الثانية 

زيارة المستشفى وبيع كيس الدم، دفعت لعدة تساؤلات من نوعية، هل الشخص المدعو بالدكتور الوحيد المسؤول عن عمليات بيع الدم داخل المستشفى أم هناك شركاء آخرون له بخلاف مساعديه، هل يتعاملون مع أكياس الدم بشكل عشوائى أم يتبعون نظاما محددا؟. 
 
محاولة الإجابة على تلك التساؤلات، دفعت لإجراء زيارة ثانية، وبناءً عليه تم اتباع التعليمات المتفق عليها بدءًا من إجراء مكالمة فى الصباح الباكر مع الدكتور سأل فيها عن نوع عينة الدم، ومدى حرصى على تناول الحديد بشكل يومى، ثم رحب بعدها بحضورى إلى المستشفى. 
 
سيناريو الزيارة الأولى تقريبًا تم إعادته مع وجود عدة اختلافات، أبرزها إصابة العاملين فى بنك الدم بحالة من الحيرة جراء وجود شخص يحمل نفس اسمى لكن بفصيلة دم مختلفة مما دفعهم لإجراء تحليل للتعرف على نوع الفصيلة وإبلاغى بها حتى لا أعكر صفو نظامهم!، ثم بعد ذلك حدثت مشكلة فى وريدى أثناء سحب الدم مما دفع المدعو بـ«الدكتور» لتعنيف مساعده لعدم استدعائه على الفور، وعقب اطمئنانه على سير عملية السحب، خرج من الغرفة مناديًا على سيدة كبيرة ملقبها بـ«المعلمة»، واستفسر منها عما ماذا يفعل فى الأكياس الفارغة، والأكياس المشتبه فيها على حد قوله؟!. 
 
حصلت على 100 جنيه مرة أخرى نظير بيع كيس الدم الثانى، وبعدها تم إبلاغى بنوع فصيلة دمى، والتشديد على اتباع التعليمات السابق ذكرها قبل الحضور فى المرة القادمة.. مر أسبوع على زيارتى الثانية، وأجريت اتصالات للتأكد من قبولهم حضورى بعد هذه الفترة إلا أنه فى المكالمة أبلغنى الدكتور بأنهم لن يعملوا، قائلا:«كلمنى بكره يمكن ربنا يسهلها»، وفى اليوم الثانى أجريت مكالمة أخرى منحنى خلالها الضوء الأخضر للحضور وبيع الدم مجددًا، ثم كانت هناك مكالمة ثالثة، سألت خلالها عن إمكانية بيع كيسين دم دفعة واحدة والحصول على 200 جنيه، معللا بحاجتى للمال لكنه رد على ساخرًا: «طيب ما تبيع 3 أكياس وتاخد 300 جنيه، أنت بتهزر»، وهنا حاولت تهدئته بأنى سوف أبيع كيس واحد مثلما يحدث كل مرة!. 
 

تعليق أخير.. ومصير مجهول  

 
«بيع الدماء» تجربة مؤلمة على كل المستويات النفسية والجسدية لكن يظل مصير ما يسيرون فى هذا الاتجاه مجهول، فلا يمكن التنبؤ إلى أين ستذهب صحتهم؟، وإلى أى حد سيصمدون؟، لذا تم الرجوع إلى البائع الشاب وتوجيه هذه الأسئلة. 
 
إجابات البائع الشاب هذه المرة، حملت قدرا كبيرا من اللامبالاة فقد تحدث أنه هو وغيره ممن يبيعون دماءهم أو أى جزء آخر من جسدهم لا يبالون بشىء اسمه المستقبل، قائلاً: «فى عالم الشارع الكل منشغل باللحظة ولا شىء آخر لا يهم ماذا سيحدث ليلاً أو غدًا؟!»، ثم بعد فترة صمت عاد للحديث: «لكن إذا كان لىّ حلم فهو ألا يصبح مصيرى مثل هذا الرجل..  أموت فى مكانى ولا أحد يدرى بى إلا بعد تعفن جثتى»، مشيرًا بإصبعه إلى متسول طاعن فى السن ينام بجوار مقهى _كنا نجلس عليها فى هذا الوقت.
 
نقل-دم
 

الردود الرسمية 

 
فى سياق التفاصيل السابق سردها، ورد نقاط ينبغى التوقف عندها، أولها جزئية بيع شخص لدمائه بصورة شبه دورية والمضاعفات الصحية المترتبة، وثانيًا التعرف على القوانين واللوائح المنظمة لعمليات التبرع بالدم، ومدى قانونية شراء مستشفى خاص الدم من أشخاص مقابل مبالغ مالية، وما هى أرباح تلك التجارة؟، وثالثًا ما الأرقام الرسمية الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية لاسيما أنه ورد على لسان البائع الشاب وجود عرض له لبيع كليته، وكذلك اشتراط الدكتور المزعوم ألا يكون القادم إليه بائع كليته أو «فاتح بطنه» بحسب تعبيره. 
 
أولاً حول التعريف بمنظومة التبرع بالدم والاشتراطات الصحية المطلوبة فيها سواء للمتبرع أو الدم ذاته وطرق تخزينه ونقله، يقول محمود محمد عمرو، مؤسس المركز القومى للسموم وأستاذ الأمراض المهنية بكلية طب قصر العينى بالقاهرة:«فى البداية نتحدث عن المتبرع نفسه، والشرط الأول ألا يتأثر بعملية التبرع بمعنى أن تكون صحته جيدة، ويتناول غذاءه وشرابه بشكل منتظم، ولا يعانى من أى أمراض خطيرة مثل فيروس سى أو إيدز، وهذا يتم اكتشافه عبر إجراء فحوصات طبية».
 
ويضيف مؤسس المركز القومى للسموم: «بالنسبة للمدة المحددة ما بين كل عملية تبرع، فإنه تختلف على حسب الشخص، مثلاً الإنسان الصحى 100% يتمكن من التبرع كل 5 أيام أو أسبوع إلا أنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو لفترة 7 أسابيع بدون تحليل طريقة التعويض وقياس سرعتها وإذا لم تحدث تلك القياسات فهذا يشكل خطرًا على صحة المتبرع بالدم». 
 
وتابع أستاذ الأمراض المهنية بكلية طب قصر العينى بالقاهرة حديثه، قائلاً:«أقصد بالشخص الصحى 100%، الذى ليس لديه أى أمراض ويتبع نظاما غذائيا مثاليا ويمارس الرياضة باستمرار، ولا يتبع أى من العادات الصحية الضارة كالتدخين أو غيرها من الأمور المؤثرة على الصحة»، مضيفًا :«اختبارات القياس لسرعة تعويض الدم للمتبرع بشكل مستديم ينبغى أن تتم على أيدى متخصصين مدربين بصورة جيدة على التعامل مع مثل هذه الحالات».
 
وتعليقًا على فكرة بيع باعة جائلين لدمهم بشكل دورى، يقول الدكتور محمود محمد: «هذه الحالة بكل تأكيد لا ينطبق عليهم، فكرة الشخص الصحى بنسبة 100%، وهذا الأمر خطأ من الناحية الطبية وقد يؤثر على صحة هؤلاء الباعة لأن معدل التعويض لديهم لن يكون بالشكل المأمول». 
 
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خلال زيارتى لبنك الدم، لم تجرى لىّ أى اختبارات لقياس سرعة التعويض أو أى فحوصات باستثناء تحليل واحد فى الزيارة قبل بيع دمى أساسًا للتأكد من معاناتى من أى فيروسات من عدمه!، أيضًا باعتبارى صاحب تجربة بيع الدماء يمكن القول إن صحتى ليست 100%، وأن نسبة الهيموجلوبين فى جسدى بالكاد تتخطى نسبة المعاناة من الأنيميا. 
 

مخالفات قانونية 

 
أمّا على الصعيد القانونى لعملية بيع الدم، يقول على محروس، رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر وللتراخيص الطبية بوزارة الصحة، إنه لا يجوز الحصول على الدم من شخص فى مقابل مادى، وهذا الأمر مجرم بحكم القانون، وعند اكتشاف أى حالة أو مخالفة فإن إدارة العلاج الحر لن تتوانى فى تقديم دورها الذى تقوم به بشكل يومى. 
 
وتابع رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر حديثه، قائلاً:«نحن نقول تبرع بالدم ولا نقول بيعه بأى حال من الأحوال، يحق للمستشفيات الخاصة التى تحتوى على بنك فرعى أن تستقبل تبرعات أكياس الدم مقابل إعطاء المتبرع وجبة أو علبة عصير على سبيل الاعتناء بصحته لكن هذا بشرط أن يكون البنك الفرعى ليس للتخزين فقط»، مشيرًا إلى أنه فى حالة ضبط أى مستشفى خاص تقوم بعمليات شراء الدم فإنه يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها على الفور. 
 
ويشار إلى أن القانون المنظم لعمليات جمع وتخزين وتوزيع الدم هو رقم 178 لسنة 1960، وتنص المادة الـ«10» منه بأنه كل مخالفة لأحكام بمعاقبة مرتكبها بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهًا ولا تتجاوز مائتى جنيه، فضلًا عن جواز الحكم بمصادرة الأجهزة والأدوات والمهمات موضوع المخالفة، ويجوز فضلًا عن ذلك غلق المركز إداريا إذا أدير من غير ترخيص أو بدون إشراف طبيب أو دون مراعاة الاشتراطات الصحية التى يحددها القرار الوزارى.
 

مكاسب خرافية.. والتبرع هو الحل!

 
جزئية أخيرة يتبقى مناقشتها تتعلق بالأرباح المنتظرة من عمليات بيع دم كالمشار إليها فى هذا التحقيق، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه باعتراف المسؤولين فى وزارة الصحة فإن هناك سوقا سوداء لبيع الدم فى مصر، فقد يصل سعر الكيس فيها إلى 500 أو 700 جنيه على حسب نوع الفصيلة ومدى ندرتها، وبناءً عليه فإن السماسرة أو المخالفين للقوانين فى سوق الدم يحصلون على أرباح خيالية.
 
 وعن أحوال خدمات نقل الدم فى مصر، توضح الدكتورة نهاد مسعد، رئيس المركز القومى لخدمات نقل الدم بوزارة الصحة والسكان، أن ثقافة التبرع بالدم غائبة إلى حد كبير عن المصريين، وإذا قارنها بما يحدث فى الخارج سنجد أن هناك فروقا بيننا، مشيرة إلى أنه فى الخارج هناك وعى مجتمعى بأهمية عملية التبرع بالدم، وتجد الأب أو الأم تصطحب معها أبناءها ليدركوا أهمية هذه العملية كأحد أنواع التكافل الاجتماعى، وبالتالى نرى فائضا فى تواجد أكياس الدم لدى بعض الدول فى الخارج. 
 
وتابعت رئيس المركز القومى لخدمات نقل الدم بوزارة الصحة حديثها، قائلة: «وبكل تأكيد فإن كثرة التبرعات وحدوث فائض فإنها من شأنها مواجهة السوق السوداء والسماسرة العاملين فيها، فعندما يتوافر الدم بكثرة، لن تكون عملياتهم غير القانونية مربحة على عكس وجود حالات شح بالأسواق»، مشيرة إلى أن وزارة الصحة تخرج كيس الدم بمبلغ مخفض رغم أنه يكلف الوزارة مبلغا قد يتراوح من 600 لـ 700 جنيه. 
 
وتعليقًا على فكرة سحب الدم من أى شخص فى نظير مقابل مادى، قالت رئيس المركز القومى لخدمات نقل الدم، إن هذا التصرف غير قانونى ومجرم، وإذا تم ضبط أى حالة، يتم التعامل معها كمخالفة ويغلق بنك الدم على الفور.
 
وبالنسبة للتشريعات المنظمة لنقل الدم فى مصر التى تعود إلى عام 1960، قالت الدكتور نهاد إنه يجب تغيير تلك التشريعات وتحديثها فلا العقوبات أو المواد تواكب العصر الحالى، لافتة إلى أن الوزارة تعمل على إعداد مشروع قانون يتضمن مواد قانونية من شأنه ردع أى مخالفات تحدث فى عمليات بيع الدم فى مصر. 
 
p.6-7
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة