كاتب يابانى يرصد تاريخ العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب: أهل قريش قبل الإسلام كانوا "أميين" وليسوا كفارا.. اليهود والنصارى كانوا أهل حق وفسدوا.. ومصطلح "أمة الإسلام" الغرض منه: نحن القوة القادمة

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018 08:30 م
كاتب يابانى يرصد تاريخ العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب: أهل قريش قبل الإسلام كانوا "أميين" وليسوا كفارا.. اليهود والنصارى كانوا أهل حق وفسدوا.. ومصطلح "أمة الإسلام" الغرض منه: نحن القوة القادمة غلاف كتاب الله والإنسان فى القرآن
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلمات "الله، النبى، الدين، الإنسان" ليست معانى مختلقة فى القرآن بل كانت موجودة من قبل ذلك حتى لو كانت بمفاهيم مختلفة، وعندما بدأ الوحى الإسلامى باستعمال هذه الكلمات فإن النظام ككل، والسياق العام الذى استعملت فيه هو ما صدم المكيين المشركين لكونه شيئا غاية فى الغرابة وغير مألوف، ومن ثم غير مقبول، وليست الكلمات أو المفاهيم نفسها.

 

هذا هو جوهر كتاب "الله والإنسان فى القرآن" للكاتب اليابان"توشيهيكو إيزوتسو" والذى كتبه باللغة الإنجليزية، بينما صدرت ترجمته العربية والتى قام بها هلال محمد الجهاد عن المنظمة العربية للترجمة.

 

ومن المفاهيم التى يتوقف عندها الكتاب مفهوم (الأمة الإسلامية) ويقول فيها: "إذا أردنا أن نكون أكثر دقة فإن مفهوم الأمة الإسلامية يعنى فى الأصل مجتمعا من الناس الذين قد سلموا أنفسهم لله، ولكنه انتهى إلى أن اكتسب معنى (المجتمع الإسلامى) الذى يشير إليه الرسول، عليه الصلاة السلام، فى الحديث دائما باسم (أمتى)".

 

إن أهمية هذا المفهوم من العظمة، بحيث لا يحتاج منا إلى مزيد إيضاح، فقد أشار ميلاده إلى لحظة حاسمة حقا فى تاريخ الإسلام، فحتى تلك اللحظة كان مبدأ التنظيم الاجتماعى والسياسى فى الجزيرة العربية ذا طبيعة قبلية فى جوهره، حيث كانت قرابة الدم العنصر الحاسم فى تصور العرب الجاهليين الوحدة الاجتماعية، وقد طور القرآن فى مواجهة هذا المفهوم المتمتع بقدسية القدم، فكرة جديدة عن الوحدة الاجتماعية لم تعد تقوم على القرابة، بل على الإيمان الدينى المشترك.

 

ويقول الكتاب: "لقد كان أمرا طبيعيا أن يسبب تأسيس هذا المفهوم الجديد المجتمع الدينى اضطربا عظيما فى بنية الحقل الدلالى، لأنه خلق قبل كل شىء صراعا حادا بين مفهوم (الأمة) الإسلامى، وأولئك الذين رفضوا علانية وبوضوح الدخول فى هذا المجتمع (الكفار)، وهذه الفئة الأخيرة تتضمن قسما فرعيا يتمثل بالفئة الأصغر (المنافقين) الذين كانوا يتظاهرون بالانتماء إلى المجتمع المسلم شكليا، لكنهم فى الواقع ظلوا فى المعسكر الآخر.

 

ولكن كان ثمة مشكلة أكثر دقة إلى حد بعيد، فحالما تأسس مفهوم (الأمة) فى الإسلام، وجد المسلمون أنفسهم محاطين بعدة مجتمعات دينية كان قد مر على وجودها زمن طويل عندما ظهر الإسلام، مثل اليهود والنصارى والصابئة والذرادشتيين (المجوس)، والقرآن يسمى هؤلاء أهل الكتاب ويعنى هؤلاء الذين يملكون كتابا مقدسا، أى الأمم التى أرسل إلى كل منها رسول، وجاءها بكتاب موحى.

 

وإذا نظرنا فى هذه النقطة إلى الوراء فإن القرآن يقسم كل الجنس البشرى قبل مجيء الإسلام إلى فئتين: أهل الكتاب، وآخرين ليس لديهم كتاب مقدس (الأميون) وهاتان الفئتان تناقض إحداهم الأخرى بشكل حاد، ويتبين هذا التضاد بوضوح فى عدة آيات منها على سبيل المثال (وقل للذين أتوا الكتاب والأميين)، إن السياق نفسه يوضح أن تعبير الذين أوتوا الكتاب فى هذه الآية يشير إلى اليهود والنصارى بينما الأميون هم العرب الوثنيون.

 

ومهم أن نلاحظ أن العرب الوثنيين وقببل مجىء الإسلام قد سموا هنا، كما فى مواضع أخرى بالأميين، الناس الذين لا كتاب لهم، بكلام أدق إنهم ليسوا كفارا أو كافرين بعد، ذلك أنهم لم يذكروا بفتح عيونهم على عمل الله الرائع، إن الكفار الحقيقيين هم أؤلئك الذين يبدون عن قصد مقاومة متشددة للإرادة الإلهية، بعد أن بين لهم الوحى الحقيقة واضحة.

 

يبدو أن هذا كله يتضمن أمرا ذا أهمية قصوى، نستنتجه من القرآن، أعنى أن العرب الذين كانوا أحد الشعوب الأمية قد ارتفعوا بواسطة الوحى العربى، وللمرة الأولى فى تاريخهم إلى مرتبة أهل الكتاب، وأن مفهوم الأمة الإسلامية مبنى على هذه الفكرة، لكن مفهوم أهل الكتاب يشتمل على العديد من المجتمعات المناظرة لمجتمع المسلمين، ولا سيما المجتمعين اليهودى والمسيحى. وهذا الوضع حتم على الأمة الأكثر حداثة أن تحدد موقعها الخاص بين أهل الكتاب كلهم، وهكذا تقدمت فكرة أن المسلمين هم الآن (خير أمة أخرجت للناس)، وأن الله جعلها الأمة الوسط.

 

والواقع أن أهل الكتاب فى العصر السابق للإسلام كانوا قد فسدوا تماما فى نظر القرآن، لقد كانوا أناسا ذوى دين صحيح يؤمنون بالله وبكلماته اتباعا لأنبيائه، لكنهم ومع زمن ظهور الإسلام، كانوا قد زيفوا متعمدين الحقيقية التى أوحاها الله إليهم فاختاروا بعض الأجزاء التى ترضيهم ورفضوا غيرها أو قاموا بإلغائها.

 

إن الدين الخالص الأصيل الذى يدعوه القرآن "دين الحنيفية" الذى يمثله إبراهيم الموحد الحنيف قد حرف إلى نوع من الكفر وقد كان الإسلام، وفقا لما يبينه القرآن نفسه حركة لإزالة هذه الانحرافات الدينية بقصد أن يعيد بناء التوحيد الحقيقى فى شكله الخالص الأصيل.

 

وهكذا نرى أن علاقة الأمة الإسلامية بأهل الكتاب بعيدة عن كونها علاقة بسيطة مباشرة، إن الأمة الإسلامية من جهة تنتسب صميميا إلى أهل الكتاب ولا سيما اليهود والنصارى، لكنها من جهة أخرى تضادها فى عداوة مريرة، وإجمالا إن هذه العداوة أصبحت أكثر وضوحا مع مرور الزمن.

 

الغلاف
الغلاف

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة