أكرم القصاص - علا الشافعي

د. عفاف الحباك تكتب: الانسياق الإلكترونى (2)

الجمعة، 06 أبريل 2018 08:00 م
د. عفاف الحباك تكتب: الانسياق الإلكترونى (2) الانسياق الإلكترونى - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن العالم الإلكترونى منمق جداً وتجد فيه الصور والمعلومات، وقد رتبت ترتيباً جيداً بحيث تكثر الإعجابات والمشاركات ويمتد هذا التنمق إلى الأفراد فنجد الكثير وقد أصابهم هذا التنمق بشكل مبدع فيظهرون بأزهى صورهم من وراء الشاشات، وحقيقة أن جانب كبير من شخصياتهم يختبئ خلف الشاشات وهو الجانب الأكثر واقعية فيهم الجانب الحقيقى فى نفوسهم.
 
الذى ربما لم يقصدوا إخفائه ولكن هذا التستر قد يقع دون قصد بسبب إظهار التنمق بشكل جيد فيختفى بدوره الجانب الآخر أو يتضاءل .
 
وإذا ما تأملنا قول الله سبحانه وتعالى (وإنه لحب الخير لشديد ) لوجدنا أن من طبيعة النفس البشرية حب الخير من سعادة ومال وبنون وصحة ورزق وجمال وغيرها .. 
 
ومما يندرج تحت حب الخير فيها هو حب الظهور فى أحسن صورة أمام الآخرين، وسيظل حب الظهور فى أحسن صورة يوم القيامة كائن فى نفوس البشر أجمعين فيخجل العاصى من نفسه وينادى المؤمن هاؤم اقرءوا كتابية لذلك يقول المولى سبحانه وتعالى مخاطبا ذلك الجانب المحب للظهور فينا (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة 105.
 
وفى العالم الإلكترونى المنمق تجد الفرصة فى انتقاء الكلمات وترتيبها فيجمل الحديث ويستطاب بعكس واقعنا الذى لا تجد فيه الألفاظ والكلمات إلا طريقاً سريعاً للمرور على العقل بسرعة قبل أن تصل إلى اللسان، ذاك الطريق الذى يكون أكثر بطئاً وتريثاً فى العالم الإلكترونى قبل أن تصل الكلمات إلى الأنامل للكتابة، إضافة إلى وجود خاصية التعديل والمسح التى لا يحظى بها الطريق الأول، وقد تضحك معبراً بأصابعك وواقعك يبكى فى الوقت نفسه.
 
ذاك العالم الموازى هو عالم افتراضى لذا أنصح بعدم الانبهار فلكل منا عالمه الآخر الذى لا يحظى بالكثير من التنمق مثلما يحظى عالمه الإلكترونى.
 
وقد تقابلك نماذج لأشخاص تعرفهم بينما تجدهم فى العالم الإلكترونى وكأنهم أناس آخرون.. لنجد اهتماماتهم ودرجة تدينهم قد توحى لك بالنفاق فواقعهم ينفى عكس ذلك.
 
وهنا أمران، فإما أن تكون تلك النماذج بالفعل قد أصابتها حمى التجمل والظهور بشكل يزيد عن الطبيعة المشار إليها سابقاً أو ربما هى نماذج للنفس المحاربة للسوء فيها وفى داخلها جمال خفى 
والفكرة تكمن فى عدم الأحقية لدينا فى الحكم والتصنيف .
 
" أفلا شققت عن قلبه" قالها النبى صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضى الله عنه حين أصابته الغيرة على الإسلام عندما سمع أحد المقاتلين فى صفوف المشركين ينطق بالشهادة عند وفاته فما كان من الصحابى الجليل إلا أن قتله.
 
فيكون رد النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك "أفلا شققت عن قلبه" أى أنك لا تعلم بما يجول فى نفسه وكيف هو حاله مع ربه فمن أين وجدنا نحن الحق فى الحكم على بعضنا البعض؟ وكيف نخوّل أنفسنا للحكم على الآخر سواء كان بالاستحسان أو العكس..
 
وفى العالم الإلكترونى تتحقق الألفة فوجب الحذر من إزالة الكلفة والمعنى للقائل أن من خطورة مواقع التواصل الاجتماعى، أنها تخلق الألفة بين الأفراد نظراً لقراءة الأفكار والحديث والمزاح أحياناً فيتحقق التقارب الذى قد يكون غالباً مصحوباً بإزالة الكلفة بينهما إن لم يضع المرء لنفسه حداً فى ذلك. والمغزى من مقال بعنوان (شدة الألفة تزيل الكلفة ) أنصح بقراءته. حيث يشير الكاتب إلى حدود قد يتخطاها البعض بسبب كونها ميسرة، كما أشار الكاتب 
إلى غلظة العقوبة للمسىء.
 
وفى العالم الإلكترونى المنمق تأخذنا الأهمية إلى موضوع آخر ألا وهو السرقات بمعنى سرقة المجهود والكتابات دون انساب هذه الأعمال إلى كتابها الأصليين فوجدت الأمانة طريقاً آخر للطمس والاندثار فى العالم المنمق .
 
ولكن على الجانب الآخر لهذا الأمر هناك شأن مختلف فقد تجد أكثر من شخص يتحدثون أو يكتبون فى نفس الموضوع وكل منهم يتناول الفكرة بأسلوبه ووجهته الخاصة وقد يتفقوا أحياناً فلا يعنى هذا أن أحدهم قد سرق الفكرة من الآخر .
 
هنا يكون الأمر أشبه بتبادل أطراف الحديث فيمسك أحدهم طرف الخيط من الآخر ليكمل ويتحقق بذلك مزيداً من التوضيح للفكرة واكتمالا للنجاح فى توصيل المعلومة أو تحقيق الهدف وهذا أمر جيد مما لا شك فى ذلك وما بين الأمرين وجب علينا المزيد من الوعى. 
 
إن العالم المنمق ملىء بالتفاصيل التى قد ينجرف إليها البعض دون تفكر فحسبه حذراً من أن يكون من القائلين لربه يوم الدين (وكنا نخوض مع الخائضين). 
 
وفى معنى الآية إلغاء لعمل العقل وتحقيق الانسياق التام دون تفكر.
 
وفى العالم الإلكترونى نجد أن الأخطر من المشهد الخارج هو الفكر الخارج نفسه وإن عظم شأن الأمرين.
 
وأعنى بالفكر الخارج أنه خارج عن حدود الأدب أو أنه متطرف إلى الخطأ بأى شكل ينحرف عن الوسطية.
 
 وعندما نتحدث عن الأفكار وجب علينا الخروج قليلاً من العالم الإلكترونى إلى عالم الشاشات التليفزيونية والسينما وغيرها لنجد أن أحد أهم الأسباب فى انتشار الفكر الخارج هى بعض الأعمال الدرامية والسياق الدرامى الدافئ الذى يأخذك إلى الفكرة الخاطئة عن طريق وضع السم فى العسل لنجد طريقة عرض الأفكار وقد أصابتها حمى التنمق أيضاً ولذا وجب علينا المزيد من الوعى وعدم الانبهار إلا من بعد التدبر وإزالة الطبقة الذهبية المغلفة للفكرة أو للفرد .









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة