أكرم القصاص - علا الشافعي

كريم عبد السلام

عن جمالات شيحة وساقية العذاب المستمرة

السبت، 05 مايو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«كنت فى بلدنا» «كوم حلين» فى الشرقية وجه الأستاذ زكريا الحجاوى ومعاه الفنانة خضرة محمد خضر لما عرفوا إن أنا معايا مواويل وبغنى وسمعونى، وأول ما سمعنى الأستاذ زكريا راح مطلع العقود ومضانى، وقال لى أنت اتعينت فى وزارة الثقافة وهتغنى وهتلفى العالم.
تلك كانت كلمات الفنانة الشعبية العظيمة جمالات شيحة فى إحدى حواراتها الأخيرة، لكنها كلمات تعبر عن عصرين وعن مفهومين متباينين لصناعة الثقافة وعلاقتها بالمد الوطنى فى الخارج والدور الإقليمى لبلد بحجم مصر من ناحية، ومن ناحية أخرى علاقتها بتماسك المجتمع المصرى وحمايته من النعرات الثقافية والفكرية الطارئة وأمراض التطرف والإرهاب.
 
كان الراحل العظيم زكريا الحجاوى مكلفا ببناء هيكل وتكوين الهيئة العامة لقصور الثقافة، المعنية بإعادة اكتشاف روافد الفن والثقافة الشعبيين ودعمهما باعتبارهما صناعة وطنية لا تقل فى أهميتها عن إقامة البنية الأساسية للدولة أو توفير رغيف العيش للمواطنين، باختصار كانت النظرة للفن والثقافة أنهما بمثابة جهاز المناعة للمجتمع، بدونه نتعرض للغزو والتفكك والانحلال ونفقد قدرتنا على الإنجاز فى أى مجال آخر، ومن هنا طاف المثقفون والمبدعون الكبار قرى مصر ونجوعها لاكتشاف الموهوبين فى كل المجالات، فى الشعر والغناء والتأليف والتمثيل وتقديمهم إلى المجتمع فى أفضل صورة، ومن هنا أيضا كان عصر جمالات شيحة خاليا من الجماعات التكفيرية والشيوخ الذين يدينون بالولاء للوهابية وخلايا السلفيين إلخ.
 
شهدنا فى سنوات الخمسينيات والستينيات نهضة ثقافية كبرى فى جميع المجالات، كانت الفرق المسرحية فى القرى والنجوع والشركات والجامعات تقدم أعظم المسرحيات العالمية بإخراج لفنانين شباب أصبحوا بعد ذلك نجوما على خشبة المسرح القومى، وكانت فكرة مسرح التليفزيون ورشة عمل عظيمة لتدريب وتخريج أجيال من المؤلفين والممثلين والمخرجين والشعراء أيضا، كما كانت هيئة قصور الثقافة منصة عظمى لإطلاق طاقات المبدعين فى عموم محافظات مصر وليس فقط للجالسين على مقاهى القاهرة أو قريبين من دوائر ماسبيرو.
وفى هذا المناخ صعدت الراحلة جمالات شيحة وكانت جزءا من المد الثقافى والإبداعى المصرى خلال الستينيات وما بعدها، وسافرت لتمثيل بلدها فى كبريات المهرجانات العالمية كما حصلت أغنيتها «رسينى يا ساقية عذاب» مع الموسيقار فتحى سلامة على جائزة جرامى العالمية، فهل كان يمكن أن تصل الراحلة جمالات شيحة إلى ما وصلت إليه من مكانة وقيمة بدون أن تذهب إليها فى قريتها وزارة الثقافة ممثلة بالراحل العظيم زكريا الحجاوى؟
 
هذا هو السؤال الكاشف بين ما كانت عليه وزارة الثقافة ومستوى القيادات البنائين بها، وبين ما هى عليه الآن، بين أهدافها لإنشاء صناعة ثقافية عظمى وحماية الهوية المصرية وتوجيه طاقات الشباب نحو الإبداع وبين ما هى عليه الآن من محدودية وانحسار الغايات والأهداف والاكتفاء بالحد الأدنى وعدم الوعى بحجم مصر ثقافيا وما يستوجبه من عمل، وأيضا عدم الوعى بأهمية الثقافة والفن فى حماية النسيج المجتمعى من أمراض التطرف والإرهاب أو الانسحاق أمام الثقافات الوافدة، سواء من الغرب أو من الشرق.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة