أكرم القصاص - علا الشافعي

علاء عبد الهادى

وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

الثلاثاء، 21 أغسطس 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قررت أن أنأى بنفسى بعيدا عن المناحة المنصوبة اليوم من الزملاء الذين اكتشفوا فجأة محنة الصحافة الورقية، ومحنة القراءة فى مصر، وقررت ألا أدلى بدلوى فى اللغط المثار حول دستورية الضريبة العقارية من عدمه، وفضلت أن أوفر جهدى بدلا من محاولة إقناع من قلوبهم وعقولهم أقفال بجدوى وأهمية المشروعات التى تتم فى مصر، وأنها ضرورة حياة، وأنها بدأت تؤتى أكلها، ولو بعد حين، قررت أن ألقى كل هذا وراء ظهرى، وأستمتع بالحديث عن أمتع رحلة روحية قمت بها فى حياتى، فقد دعانى ربى فلبيته، عندما أتممت الأربعين من عمرى، بشهور، قلت لنفسى هذا هو سن النبوة، والحكمة، وأفاض على ربى «وانكسر» معى أول ست آلاف جنيه «مرة واحدة» كانت مصاريف الحج تبع نقابة الصحفيين فى ذلك الوقت ضعف هذا المبلغ، استشرت رفيقة الحياة، وكان ردها السريع توكل على الله وكله يتدبر بأمر الله، وتقدمت وكان اسمى احتياطيا، واعتذر أحد من كانوا بالقائمة وتم تصعيدى، ولكن زوجتى فجأة غارت، وبكت، وتمنت أن تحج معى، وكان الأمر فى حكم المستحيل، لا الأموال موجودة، ولا التأشيرة موجودة، والأسماء تم اختيارها، وأرسلت «الباسبورات» للحصول على التأشيرة، ولكن إرادة الله تنفذ، ويعتذر آخر، وتأتى البشرى بعد منتصف الليل بساعة، ويكون الباسبور فى السفارة الثامنة صباحا، وسافرنا للحج، وعدنا ولم تمض 4 أشهر حتى كانت كل مصاريف الحج قد تم تغطيتها بفضل الله.
 
لماذا أحكى هذه القصة التى قد تبدو أمرا شخصيا بحتا؟
لكى أقول لك ولنفسى، إن عليك الصدق فى النداء وعلى الله مالك الملك الجواب، متى وكيف؟ ليس شأنك.
 
الحج رحلة روحية بحتة، أو هكذا يجب أن تكون، تخرج فيها من متاع الدنيا الزائل وتتجه بقلبك وعقلك وروحك إلى رب العباد، ملقيا الدنيا وراء ظهرك، وحتى تخرج من الحج مبرورا غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فعليك أن تكون ناقتك حلالا وزادك حلالا، ولا تذهب إلى الحج وقد أكلت مال هذا، وعطلت مصالح العباد، وخضت فى شرف وعرض هذا، ولكت بلسانك سيرة هذه وتلك، ما نراه فى السنوات الأخيرة يخرج بنا عن جوهر ما أراده الله لنا لرحلة الحج التى كانت تستمر فى الماضى القريب لمدة ثلاثة شهور على ظهر الجمال، إلى اليوم الذى أصبحنا فيه امام حج يستغرق ثلاثة أيام، برفاهية مطلقة تكاد تذهب العقول.
 
فى الماضى كانوا يودعون الحجيج على ظهور الجمال، فى رحلة تستمر شهورا، قد يعودون منها أو لا يعودون، الآن ستجد الحجاج أنفسهم ينقلون لذويهم طوافهم، ووقوفهم فى عرفه على الهواء مباشرة، وستجد سيلفى عرفة لنجوم السينما، والفن، والرياضة، وكأنهم فى رحلة فى «الويك إند» فى إحدى قرى الساحل الشمالى.
ألهذا شرع الله الحج؟
 
أنا لست ضد استخدام التكنولوجيا فى راحة الحجيج، حيث إن السلطات السعودية المختصة مشكورة رصدت جائزة مالية تقدر بـ420 ألف دولار أمريكى تنافس عليها مطورو برامج الهواتف المحمولة من دول إسلامية عدة مثل مصر والجزائر والمغرب وسلطنة عمان إلى جانب بريطانيا واليابان من أجل تطوير تطبيقات تجعل المناسك سهلة على الحجاج وممتعة فى نفس الوقت، وفى النهاية ذهبت الجائزة إلى فريق من الفتيات السعوديات اللاتى قمن بتصميم تطبيق ذكى يقوم بترجمة النصوص والشعائر دون الحاجة للاتصال بشبكة الإنترنت.
 
كل هذا جميل ومطلوب، لأنه يساعد فى فهم وتنفيذ الشعائر، ويرشد التائهين، ويساعد الصم والبكم، أما ما أخشاه وأحذر منه، وأحذر نفسى، هو تفريغ الحج من مضمونه وتحويله إلى مجرد طقس وأشياء ظاهرية فلكلورية، ويغيب عنا السبب الأساسى الذى من أجله شرع المولى عز وجل الحج «لمن استطاع إليه سبيلا».
 
قال الله تعالى: «وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ».. وقال عز من قائل: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ». فاللهم اجعلنا ممن يكتب لهم الطواف ببيتك العتيق، واجعلنا من المقبولين، وأكرمنا بنعمة إدراك مغزى الحج الذى نتساوى فيه كبشر من نسل آدم وحواء، نجتمع فى مكان واحد، وفى وقت واحد، بزى واحد لرب واحد، نردد نفس النداء لا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا عربى على أعجمى.
 
لو ذهبت إلى الحج، فاذهب بقلبك وعقلك وروحك، وكل حواسك، ولا تجعل أحدا يسرق منك الفضل الذى من الله عليك به.
 
لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.
كل عام وأنتم بخير، ومصر وعالمنا العربى والإسلامى أكثر تراحما وتواصلا، وأكثر استقرارا وأمانا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة