نعيد نشر حوار، أصفه بالتاريخى، ليس لأن عمره 27 عاما، لكن لجمعه 4 من المفكرين وأصحاب الرؤية التنويرية، هم متى المسكين والدكتور جابر عصفور والدكتور نصر حامد أبو زيد والدكتورة هدى وصفى، وذلك فى عام 1991، وقد نشر فى مجلة ألف فى العدد الثانى عشر، وهو العدد الذى خصصته اﻟﻤﺠلة عن المجاز فى العصور الوسطى.
والحوار حافل بالكثير من الأفكار والقضايا الكبرى التى تتعلق بالفكر العربى الدينى والفلسفى والمذهبى والرؤية العامة فى التفكير، حيق فتح الأب متى المسكين (1919 – 2006) قلبه وعقله لضيوفه وطافوا جميعا فى جنبات الفكر المختلفة المتعلق بالإسلام والمسيحية.
وإلى نص الحوار:
هدى وصفى:
نريد أن تحدثنا عما قمت به من شرح إنجيل يوحنا، ويدفعنا إلى هذا السؤال منهجك فى الشرح من ناحية، والتمهيد المستقل الذى قدمت له للشرح فى أكثر من أربعمائة صفحة بعنوان المدخل لشرح إنجيل يوحنا. وواضح أنك كنت تقدم - فى هذا الشرح - ترجمة تفسيرية جديدة للنصوص الأصلية؟متى المسكين
: فى الحقيقة، أنا حين ابتدأت الترجمة واجهت معضلتين : الشرح والتفسير، فالكلام بحاجة إلى تفسير، وبعد التفسير بحاجة إلى شرح، لأننى أوضح معنى النص، وأرتبط بالنص ارتباط أمانة، ونقطة البداية هى ترجمة النص لأنه يونانى ذو ترجمة سقيمة، ولذلك أبدأ بإعادة ترجمته. بعد ذلك أبدأ التفسير على ألا أخرج خارج النص إطلاقا، وإلا فإن ذلك لا يعتبر تفسيرا، فأى خروج نسميه عدم أمانة، وهذا لا ينطبق على القرآن، ففى القرآن ليس بعد النص شيء، ولكن فى الإنجيل، لدينا ما يجعل الكاتب يكتب مثل إنجيل يوحنا، فهو يوضح كلام المسيح ويشرحه فقبل النص هناك صاحب النص ولذلك لابد أن أتعرف على النص كى أقول الشرح، وتلك مرحلة ما قبل التفسير، وفيها خروج عن النص ولكن فى حدود صاحب النص، إذ لابد لى أن أعرف صاحب النص سواء كان المسيح أو يوحنا، وأن أتربى بالمعنى الصحيح تحت رجليه وأن أعرف خلجات قلبه وفكره، وبالتالى أستطيع أن أكتب أكثر من النص مرات كثيرة، وأشرح النص دون أن أخرج عنه قيد شعرة.جابر عصفور
: أنت – إذاَ - شارح بالمعنى التأويلي، على أساس أن التأويل عود على البدء، ومن ثم فشرحك إدراك لغاية صاحب النص.متى المسكين
: أنا لا أؤول، أنا آخذ التأويل من صاحب النص.جابر عصفور
: بمعنى أنك ترجع إلى الأصل.متى المسكين
: أرجع إلى النص فقط، وليس إلى ما قبل النص.نصر أبو زيد
: فى القرآن ليس عندى ما قبل النص.جابر عصفور:
فى الإسلام ليس هناك ثنائية.متى المسكين
: لا، ليس ثنائية، ولكن أستطيع أن أسميه الفكر الكلى المطلق أو الوعى الكامل، يتدرج إلى الوعى غير المطلق المرتبط بالعقل فيتترل كلامًا، ولكن قبل الكلام وعى خارج عن الكلام، أقوى منه وأكبر منه ولكن لا يخرج عنه.
نصر أبو زيد: فى القرآن، نربط بين التفسير والعلوم اللازمة للاقتراب من النص، بمعنى أننى لا أستطيع تفسير آية دون أن أعرف أسباب الترول.
متى المسكين
: هنا أستطيع القول، ولك أن تردني، إن وراء النص القرآنى هناك الروح القرآنية التى كتبت القرآن، كيف أتبين هذا؟ محمد عبده والأفغانى خرجا عن النص وشرحا، وكان شرحهما مقبولا وتأثيرهما قويًا على المسلمين، ولكن هذا انتهى يوم قفل باب الاجتهاد، وهذه مأخوذة على المسلمين، إذ كيف يقفل باب الاجتهاد والاجتهاد مرتبط بالله وليس بالقرآن فقط، الاجتهاد هبة، رجل موهوب فكيف أقول له لا تجتهد، وهو أخذ من الله 'فرمان' أن يجتهد ويشرح، إن غلق باب الاجتهاد يكون حين يغلق الله باب الإلهام.نصر أبو زيد
: بالنسبة لمسألة الإلهام، هل أنت من المتصوفة؟متى المسكين
: لا، لست صوفيًا.نصر أبو زيد
: هناك قول شائع ومستقر مؤداه أن كل كلمة وكل حرف فى القرآن له ظاهر وباطن، وله حد وله مطلع، أربعة مستويات فى التفسير، هل توجد هذه المستويات الأربعة فى تفسيرك؟متى المسكين:
أنا أتكلم عن الباطن، فأنا أرى المسلم المتمكن من الروح الإسلامية الذى يتقن العبادة والتقوى عنده قدرة على دخول باب الاجتهاد، وهذا مُنع، وأنا فى الحقيقة آخذ ذلك على المسلمين، فكيف يغلق باب الاجتهاد بعد محمد عبده والأفغاني. لماذا؟جابر عصفور
: لأسباب سياسية معروفة، وعند بعض اﻟﻤﺠموعات فحسب.نصر أبو زيد
: فى الحقيقة، إن باب الاجتهاد مغلق منذ زمن طويل، والذى حاوله محمد عبده أنه وارب الباب قليلا، ثم أغلق مرة ثانية.متى المسكين
: لماذا؟نصر أبو زيد:
كما يقول الدكتور جابر، لأسباب سياسية.متى المسكين
: أتعرف أن ذلك هو الذى فرقنا، هو الذى فرق الإسلام عن المسيحية.نصر أبو زيد:
هذا أكيد.متى المسكين:
حتى المسيحية حين انقسمت إلى كاثوليكية وبروتستانتية وأرثوذكسية، تركت الوعى العالى ونزلت إلى الوعى العقلي، فحين يرتفع المسلم فى باب الاجتهاد ويتلامس مع الروح، سوف يتلامس معى بلا شك، ولكن حين نترل على الأصول فقط، سيكون لك بيت ولى بيت، لا تزورنى ولا أزورك.جابر عصفور:
هذه النقطة، لو أذنت لي، نريد أن نتوقف عندها قليلا، الذى فهمته الآن أن هناك ما يسمى بالروح الكلى وهذا هو المستوى الأعلى، وهناك ما يسمى بالوعى الجزئي، أى الوعى المتصل بالعالم، وهناك النص، ثم هناك أنت كقارئ، وسؤالى هو: هل يستلزم فهم النص نوعا من الاتحاد الوجدانى بينك وبين الروح الجزئى الذى يجعلك تتصل مباشرة بالروح الكلي؟متى المسكين
: طبعا، وأنت قد شرحت.جابر عصفور
: أريد أن أسمع منك.متى المسكين:
أنت أوضحت بما يكفي، أنا أعطى لأناس معرفتهم قليلة بالوعى الروحى العالي، ولكن لديهم التراث الإنساني، الإسلامى أو المسيحي، لديهم النفحة التى أعطاها لنا الله، أعطاها لآدم ولى ولك، أخذنا الوعى الكلى بالله كهبة، ولكن ﺗﻬنا بسبب خروج آدم من وجه الله وتعسفه وتعرجه فى العالم، فضاع منه الوعى الكلى وعاش بالوعى الجزئي، ومن حين لآخر على يد هذا النبى أو ذاك فى العهد القديم، إلى أن جاء داود وسليمان الحكيم اللذان انطلقا من الوعى الروحى المحدود فى العقل إلى الوعى الكلي، وأعطانا لمحة، هذا هو ميراث البشرية. مباركٌ هو الإنسان الذى يستطيع أن ينفذ من الوعى المحدود المرتبط بالعقل الذى يتربع على التاريخ والزمن والقياس، ينفذ من الباب الموارب إلى الوعى الإلهي، هذا يكون الإنسان الإلهى الذى يتقرب إلى الله، ويعبده ويعرفه بشكل صحيح.جابر عصفور:
فى هذه الحالة، حين يكون هناك نوع من الاتحاد الوجداني، هل نستطيع القول إن شرح الإنجيل الذى كتبه الأب متى كان مرآة الأب متى التى انعكس عليها الوعى الكلى بطريقة تتناسب مع درجة الاتحاد الذى تم بين الأب متى الشارح والنص المشروح.متى المسكين:
فى الحقيقة، لا أخفى عليك، أنا لم أتجرأ طيلة عشرين عاما أن أقترب من إنجيل يوحنا، لشموخه ولشعورى بالعجز والقصور، ماذا حدث؟ إن هذه السنين جعلت الوعى يرتفع ويتذوق، إلى أن بدأت أقرأ إنجيل يوحنا واكتشف أن هناك معانى مختلفة وجديدة، وقلت لرهبان كثيرين، كم أتمنى شرح إنجيل يوحنا ولكنى لا أقدر، إلى أن جاء اليوم، وأحسست أن الوعى الذى أشعر به قريب من الوعى الذى كتب به يوحنا، لدرجة أننى حين كان يستعصى على مفهوم، كنت أتوقف، وأجلس صامتا وأصلي، أريد أن أشعر به وتقريبا أخاطبه، وأقول له: ماذا تريد أن تقول؟ إن الكلام واضح ومفهوم ولكنى لا أستطيع أن أعيه كى أكتبه: لحظتها، يأتى الحدس فأكتب، وهذا هو خلاصة قولي، حين تقترب من صاحب النص تحصل على الشرح، أنت تقول إننى مرآة، فى الحقيقة لست مرآة، أنا موصل صديق لصاحب النص، قريب منه وأحبه.هدى وصفي:
كونك تعيش مع المؤلف، أو صاحب النص كى تشرحه، هل هذا ينطبق على النصوص الإلهية فقط، أم على جميع الإبداعات؟متى المسكين:
إذا جعلتنى أدرس أى شاعر أو أديب ممن يملكون الوعى العالي، فأنا أستطيع أن أشرح لك ما قاله مثلما شرحت يوحنا. هذا ميراث بشرى مشترك، وأنا عثرت عليه، وعنده مثلما عندى وربما أكثر، ولكن ليست هناك محاولة، وأنا واثق مما أقول، وتستطيع ﺑﻬذا المفهوم أن تعود إلى القرآن وتشرح، فالشرح يتعلق بصاحب النص، وهذا هو ما اكتشفته بالنسبة للدكتور نصر أبو زيد، فهناك النص والتفسير والتأويل، ولكن أين الشرح؟نصر أبو زيد:
فى الانتقال من الظاهر إلى الباطن إلى الحد إلى المطلع، الذى هو الروح الكلي.متى المسكين:
أنا أقف عند الباطن، لأن الخروج عنه درجة غير بشرية.نصر أبو زيد:
المتصوفة المسلمون تحدثوا عن أربع درجات، وطلعوا إلى الرابعة.متى المسكين:
لا تصدقهم كثيرا، وفى المبدأ السني، لا يؤخذ برأى المتصوفة لأﻧﻬم تجاوزوا النص.جابر عصفور:
أتصور أنك تمثل منطقة وسطى بين التصوف والعقلانية.متى المسكين:
أنا معك، فعقلى الباطن صديق، وهو ما يسمونه بالجوانية، فإذا تكلمت فى العلم آتى لك بجديد بسبب أننى أنتقل بسهولة من العقل المحدود إلى ما فوق.نصر أبو زيد:
أريد أن تشرح لنا دورك كشارح للنص، كيف تكتب للقارئ الذى لم يخض التجربة من حيث التقوى والصلاة وغير ذلك، كيف تحيل الفهم إلى خطوات لغوية وتفسيرية؟متى المسكين:
هذه هى الأدوات.نصر أبو زيد:
نعم، ونريد أن تحدثنا عنها.متى المسكين:
البركة فيمن علمونا من الأساتذة، طه حسين والعقاد، كيف كانوا يوضحون ويقسمون المعني، وكنت أتساءل وأنا أقرأ كيف قسم هذا المعنى أو ذاك؟ فلا يمكن أن تتعلم شيئا دون أن تعرف من أين جاء. فالأدوات ليست محتاجة إلى دراسة، الأدوات تلقين، والتلقين إذا ما تقابل مع الآلة المستعدة، ساعتها أجد الكلمة تأتى بشكل عفوى ومباشر إلى درجة أننى إذا ما أتتنى علاقة لغوية مسجوعة، أخاف من السجع لكيلا يقول أحد أننى أسجع، فأحذف السجع، فأنا لا أقدم سجعا ولا جمال لغة، أنا روح فى لغة، لغتى ليس لها قيمة، لغة محدودة، ولكن الروح هو الذى يجعلها لغة براقة.جابر عصفور:
ألم يحدث مرة أن الروح لم يتجسد فى اللغة بسهولة، أو أن اللغة تأبّت على الروح فى التعبير؟متى المسكين:
أنت تضغط على مواجعي، فما كتبته هو ربع ما أريد، وما جعلنى محددا شيئان: القارئ واللغة، القارئ لا يستطيع الاستيعاب واللغة قاصرة، وحين يكون المعنى قويا تجدنى اختزلت فى الكلام.جابر عصفور:
هناك صوفى من متصوفة القرن الرابع هو النفري، له عبارة جميلة وموحية تقول: كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة، وأنت تتحدث عن كيفية تجسد الروح فى لغة، واللغة بطبيعتها المحدودة لا تستطيع استيعاب كل شيء، لا تستطيع أن تجسد إطلاقية الروح.متى المسكين:
الله مدرّك كامل، يدْرّك ولكن ليس كما ينبغي.جابر عصفور
: معنى ذلك أنك فيما يتصل بمسائل الشرح، مؤمن بالعلم المضنون به على غير أهله، وأن هناك مستويات للعلم ومستويات للعقول البشرية!متى المسكين:
لا، كل عالم وكل مشتغل بالعلم يصل إلى العلم لو مرَّ ن حواسه الروحية، وكل إنسان فيه روح ووعى مطلق ولكنه مرتبط بالعقل، فلو م رَّن العالم حواسه لابد أن ينطلق، أنا أقول ذلك وأنا حزين، أنا كنت إنسانًا ضعيفا ولم يكن لدى وعي، أنا رجل عملي، صيدلي، أدواتى هى الموازين وأنابيب الاختبار ومراقبة الألوان، ولكنى حين تقربت إلى الله كراهب، وأخلصت، انفتح لى العلم شيئا فشيئا، هل هذا حذق مني؟ أبدًا، هل هذه إيديولوجية؟ لا.جابر عصفور:
ولكن هذا يجعلنى أسألك مرة ثانية، لماذا شرح إنجيل يوحنا بالذات؟متى المسكين:
اقرأ الأناجيل وأنت تعرف.جابر عصفور:
ولكنى أريد أن أسمعها منك.متى المسكين:
فى الحقيقة، الأناجيل الثلاثة الأخرى تقدم التاريخ، مسيح التاريخ، الولادة والصبا والتعميد والتعليم، ولكن يوحنا لم يقدم هذا التاريخ، لم يذكر بيت لحم ولا مريم العذراء إلاَّ فى مرات قليلة، ثم إن يوحنا بالذات تعرَّف على المسيح وعاش معه قبل التلاميذ بمدة، وعاش معه فى اليهودية، فإسرائيل مملكتان. فوق إسرائيل وتحت اليهودية. وأول ما بدأ المسيح بدأ فى اليهودية فترة ربما سنة، وكان معه يوحنا، وهذه السنة قالها يوحنا. فوق هذا، فإن الأناجيل الثلاثة لم تذكر أورشليم إلا مرة واحدة، أى سنة واحدة ذهب فيها المسيح إلى أورشليم وعلم هناك وصلب، ولكن يوحنا ذكرها ثلاث مرات أى ثلاث سنين، إذن إنجيل يوحنا هو الذى يقول لك إن المسيح عاش فى اليهودية تقريبا ثلاث سنين ونصف، فيوحنا يعطى فرصة أوسع للتعرف على المسيح. بالإضافة إلى ذلك، تتحدث الأناجيل الثلاثة على المستوى العقلانى التاريخي، ولكن يوحنا وجدانى وروحاني، وأعتقد أنه كان يسجل الكلمات ولا ينقلها من الذاكرة، وأهم ما فى إنجيل يوحنا هو حواره مع الفريسيين الذين كانوا تماما على مستوى الدكتوراه فى اللاهوت، فتصور حوارا بين المسيح وبينهم، يوحنا يسجل الحوار بعمق، ومع كل هجوم منهم يأتى المسيح بتعاليم جديدة، فهجوم الفريسيين هو الذى كوَّن إنجيل يوحنا، كذلك فإن المسيح كان يذهب إلى أورشليم، ويذهب إلى هيكل سليمان ويعظ، وكان الكهنة يحضرون فيحدث نقاش معهم حول طقوسهم وأعيادهم: وفى كل عيد يشرح لهم طقس العيد على مستواه الجديد، فمنهج العهد الجديد – إذن - كله فى إنجيل يوحنا، وأيضا يوحنا لم يقحم نفسه، أنت لا تجده فى مرة يعلق، بل تجد حوارا حرا ليس فيه الإيديولوجية الثقيلة.نصر أبو زيد:
ولكنه اختار ما يحكيه.متى المسكين:
قام بتنقيته، قال: أمور كثيرة قالها المسيح ولكن هذه اخترﺗﻬا لكم كى تؤمنوا.هدى وصفي:
هذه هى الإيديولوجية.متى المسكين
:إيديولوجية اختصار وتركيز فيما ينفعهم.نصر أبو زيد:
ما يتصور هو أﻧﻬا تنفعهم.جابر عصفور:
ولكن هناك سؤالا فى الجوانب البلاغية لو أذنت لي، أنا ألاحظ فى المدخل والجزءين الآخرين أنك لا تستخدم إلا رموزا، وفى الشروح الدينية دائما ما يقرأ الإنسان الاستعارة واﻟﻤﺠاز، ولكنك ملتزم دائما بالرموز، لماذا؟ لماذا لا توجد إشارة إلى الاستعارات؟ لماذا الكلام عن الرموز فقط؟
متى المسكين: هذا سؤال مبدع، معك حق، وفى الحقيقة كل ما عرف عن المسيح فى العهد القديم رموز، يقال مثلا: رفع موسى الحية على عصاه فى البرية كى يراها كل إنسان، فقد كانوا يعصون الله فجاءت الحيات وعضتهم، فموسى هنا فعل شيئا لا يعرفه، واليهود طوال العهد القديم لم يعرفوا هذا السر، فقالوا هات عصا وأصنع حية نحاسية وكل من ينظر للحية ويكون معضوضا سيشفي، رمز خطير فى العهد القديم كله، أتعب اليهود كثيرا، ما هى الحية؟ فجاء إنجيل يوحنا يقول: كما رُفِعَت الحية فى البرية، كما رفعها موسى على العصا، كذلك سيُرفع ابن الإنسان على الصليب، من أجل أن يشفى كل من رآه. رمز ظل مغلقا حتى بعد أن قاله المسيح، فالرمز القديم بديع والجديد أبدع، فأنا محصور بين رمزين، فلابد أن أشرح الأول والثاني، فى الأول صوِّرت الخطيئة فى حية، وهذا مستمد من قصة آدم، فالحية النحاسية رمزٌ ضارب إلى بعيد، وجاء المسيح، وهذا ما أتعب اللاهوتيين كثيرا، لماذا قال يوحنا إن المسيح رُفع، وفات عليهم أن الحية رمز الخطيئة، والحية النحاسية ميتة، فالمسيح سيموت، رمز الحية الأول ميت، فالرمز هنا تحقق بحية – الخطيئة - ميتة فى المسيح، فالخطيئة ماتت فى المسيح، المسيح أمات الخطيئة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة