بالون ضخم، يحمل صورة ترامب الرضيع، فى انتظار الزيارة التى يقوم بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى بريطانيا الشهر المقبل، وذلك للتعبير عن رفض قطاع كبير من البريطانيين للزيارة، فى تكرار صريح للمشهد الذى سبق وأن شهدته لندن قبل نحو عام، عندما قام الرئيس الأمريكى بزيارته الأولى للعاصمة البريطانية، بسبب امتعاضهم من الرؤية التى تتبناها إدارته تجاه العديد من القضايا، وعلى رأسها موقفه المناوئ للهجرة، بالإضافة إلى نظرته التى تهيمن عليها النزعة العنصرية، سواء تجاه المسلمين، أو المواطنين من ذوى القوميات المختلفة.
دعوات التظاهر التى تزامنت مع زيارة ترامب الأولى إلى لندن كانت سببا رئيسيا فى قلق السلطات البريطانية فى ذلك الوقت، مما دفعهم إلى إلغاء طبيعة الزيارة من زيارة "دولة" إلى زيارة "عمل"، حيث إن زيارة الدولة تشمل جولة بالعربة فى شوارع لندن بالإضافة إلى لقاء ملكة بريطانيا، وهو الأمر الذى أثار غضب ترامب فى حينها، معتبرا أن الخطوة البريطانية تعكس إهانة شخصية له، كما أنها تنم عن ضعف السلطات البريطانية فى التعامل مع "حفنة" من المتظاهرين، وهو ما يفسر إصراره حينها على لقاء الملكة إليزابيث، وبالتالى فإن الحديث عن حشد التظاهرات فى لندن بالتزامن مع الزيارة القادمة لترامب يمثل صداعا جديدا فى رأس الحكومة البريطانية، والتى تسعى لتقوية علاقتها مع واشنطن، بالتزامن مع خروجها من الاتحاد الأوروبى.
استرضاء واعتذار.. لندن تواصل محاولاتها لاستعادة نفوذها عبر واشنطن
دعوة الحكومة البريطانية للرئيس الأمريكى ليقوم بـ"زيارة دولة" إلى بريطانيا، تمثل بما لا يدع مجالا للشك، محاولة بريطانية جديدة لاسترضاء واشنطن، وربما اعتذارا ضمنيا عن تحويل صيغة الزيارة الأولى، فى ظل مساعى لندن لتعويض الخسائر، سواء الاقتصادية أو السياسية، الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبى، خاصة إذا ما تمت خطوة الانفصال دون اتفاق مع الكيان المشترك، وهو الأمر الذى بات قريبا، فى ظل معارضة البرلمان البريطانى للاتفاق الذى سبق وأن توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماى مع بروكسيل عدة مرات.
ولعل محاولات بريطانيا استرضاء واشنطن ليست بالأمر الجديد تماما، حيث سبق لها وأن اتخذت المسار نفسه عدة مرات قبل ذلك، منذ تنصيب ترامب فى البيت الأبيض، حيث سعت ماى لتقديم نفسها باعتبارها الحليف الرئيسى للولايات المتحدة، خلفا لألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل، والتى اعتمد عليها الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما باعتبارها أقوى حلفائه فى أوروبا خلال سنوات وجوده فى البيت الأبيض، حيث حرصت ماى على زيارة ترامب بعد أيام قليلة من تنصيبه، لتكون أول مسئول أجنبى يزور واشنطن فى زيارة رسمية خلال عهد ترامب.
ميزة مهمة.. ماى تفشل فى الحصول على ثقة ترامب
وتأتى رؤية ماى نحو التقارب مع واشنطن، واستعادة نفوذها الدولى عبر البوابة الأمريكية، متزامنة مع اختلاف المعطيات الدولية إلى حد كبير، حيث أصبحت أيديولوجية البيت الأبيض متعارضة إلى حد كبير مع تلك التى يتبناها حلفاؤه الأوروبيون، والذين صعدوا فى السنوات الماضية، وعلى رأسهم ألمانيا، والتى تعتنق المبادئ الليبرالية وتؤمن بالوحدة الأوروبية، وهى المبادئ التى تتعارض مع رؤية ترامب القومية، وبالتالى كان قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبى يمثل ميزة مهمة لرئيسة الوزراء البريطانية، يمكن من خلالها العودة من جديد باعتبارها الحليف الرئيسى لواشنطن فى القارة العجوز.
ولكن بالرغم من ذلك، لم تنجح بريطانيا، تحت إدارة ماى، فى الحصول على ثقة ترامب، خاصة مع مساعى لندن للوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبى، وهو الأمر الذى أثار امتعاض الرئيس الأمريكى قبل زيارته الأولى للندن، فى ظل التنازلات التى أعلنت الحكومة البريطانية تقديمها للحفاظ على بعض المزايا من دول الاتحاد، وهو ما اعتبره البعض سواء داخل حكومة ماى، أو خارجها، تحايلا على نتيجة الاستفتاء الذى أجرى فى عام 2016، حيث أشارت تقارير صحفية فى ذلك الوقت إلى أن ترامب طالب رئيسة الوزراء البريطانية خلال لقائهما معا، أن تتجه إلى رفع دعوى قضائية ضد الاتحاد الأوروبى، وليس التفاوض معه للوصول إلى اتفاق.
منعطف جديد.. المظاهرات كابوس جديد فى مواجهة طموحات ماى
وهنا تمثل الزيارة القادمة التى يقوم بها ترامب إلى العاصمة البريطانية، منعطفا جديدا فى العلاقات الأمريكية البريطانية، فى ظل تعثر الاتفاق الأوروبى البريطانى، حيث تسعى حكومة ماى من جديد للوصول إلى صفقة مع الولايات المتحدة، خاصة عبر التوصل إلى اتفاق تجارى من شأنه تقديم مزايا لبريطانيا بالإضافة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات الأمريكية فى الأراضى البريطانية، وذلك لتعويض الخسائر المحتملة التى قد تنجم عن الخروج البريطانى بدون اتفاق، من الاتحاد الأوروبى، والذى قد يضع اقتصاد بريطانيا فى أزمة حقيقية، سواء جراء فرض تعريفات جمركية فى دول الاتحاد على الصادرات البريطانية، أو سحب الاستثمارات الأوروبية من لندن، فى أعقاب خروج بريطانيا.
وكذلك تصبح المظاهرات المحتملة، وحملات السخرية المنتظرة، تجاه الرئيس ترامب، بمثابة كابوس للحكومة البريطانية فى المرحلة الراهنة، خاصة وأن تلك التظاهرات كانت سببا رئيسيا فى توتر الأجواء قبل الزيارة الأولى، وهو ما بدا واضحا خلال الزيارة، والتى أصر خلالها الرئيس الأمريكى على لقاء الملكة، على الرغم من أنها لم تكن "زيارة دولة"، بل وتعمد إهانتها، عبر التأخر عن موعد وصوله إلى القصر الملكى، وكذلك انتهاك البروتوكول الخاص بها، فى خطوة اعتبرها قطاع كبير من المتابعين دليلا دامغا على رغبة ترامب فى الانتقام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة