أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد فودة

محمد فودة يكتب.. موائد الرحمن .."حالة مصرية خاصة"

الأربعاء، 08 مايو 2019 12:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» ، وذلك فى إشارة واضحة إلى أن القيام بإفطار الصائم أمر فيه فضل كبير وتحض عليه السنة النبوية المشرفة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه  يضع ايدينا على أهمية (موائد الرحمن) التى تنتشر فى شوارع مصر طوال شهر رمضان، فهى وإن كانت تمثل حالة دينية مرتبطة يشهر رمضان إلا أنها فى نفس الوقت تمثل حالة مجتمعية خاصة جداً ترتكز على مفردات التواد والتراحم، بل إنها تشكل أيضاً ملامح للعلاقات الإنسانية فى أروع صورها لتتحول فى نهاية الأمر إلى عادة مصرية خالصة تضرب بجذورها فى أعماق المجتمع و تميزه عن سائر شعوب العالم .

لقد استوقفتنى هذا العام ظاهرة عودة موائد الرحمن مجدداً فى كل مكان، حيث نجدها منذ بدء شهر رمضان وقد أصبحت تتزين بها الشوارع والميادين وفى محيط بعض المساجد أيضاً وذلك على الرغم من أنها كانت قد توارت قليلاً واختفت فى كثير من المناطق خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك لأسباب خارجة عن الإرادة عاشها المجتمع خاصة فى أعقاب احداث يناير ٢٠١١ التى غيرت الكثير من الظواهر الاجتماعية فى مصر..

 وفى تقديرى الشخصى فإن عودة هذه العادة الرمضانية لتنتشر فى شوارع مصر مجدداً لم تأت من فراغ، وإنما هو فى حقيقة الأمر نتيجة منطقية لحالة الاستقرار التى باتت تظهر بوضوح فى المجتمع كما أنها تأتى انعكاساً طبيعياً لتلك الحالة شديدة الخصوصية التى جعلت مائدة الرحمن واحدة من أشهر وأهم الطقوس المجتمعية المرتبطة بشهر رمضان الكريم في مصر، فالمعنى واحد والإحساس لا يتغير حتى ولو اختلفت تلك الموائد في شكلها ومحتوى طعامها الذى يتفاوت فى نوعه والكميات التى يتم تقديمها من حى لآخر ومن مجتمع لآخر،  خاصة أن طبيعة الحياة تتغير بشكل لافت للنظر ما بين الأحياء الراقية والأحياء الشعبية.

وكما هو واضح من اسمها فإن موائد الرحمن تعد من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع المصري، حيث يتولى الانفاق عليها والقيام بإعدادها بعض القادرين من رجال أعمال وشخصيات عامة ومشاهير  وفنانين وذلك لمساعدة الفقراء والمحتاجين بتوفير وجبة افطار تناسب الصائم، واللافت للنظر أن تلك الموائد الرمضانية  لا تقتصر على الفقراء وحسب بل يستفيد منها أيضاً بعض من لم يستطيعوا الإفطار في منازلهم لأسباب خارجة عن إرادتهم وبذلك نجد أن الفقراء والقادرين يجتمعون على مائدة واحدة ويتناولون نفس الطعام ويعيشون نفس الأجواء الروحانية.

وبعيداً عن كل ما قيل أو يمكن أن يقال عن فوائد تلك الموائد الرمضانية فإنها وبكل صدق قد تحولت الى نبع روحانى وانسانى يفيض بالمشاعر الانسانية التى تميز الشعب المصرى على الرغم من أن موائد الرحمن  تظهر فى بعض المجتمعات الأخرى إلا أنها كانت دائما وستظل مختلفة ومتفردة ولها طابع خاص فى المجتمع المصرى، فمصر تضفى دائما على الأشياء طعم خاص يميزها عن سائر بلاد الدنيا .. ويقول المؤرخون فى هذا الشأن إن مصر عرفت أشكالا متعددة لموائد الرحمن فمنها على سبيل المثال أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية وهو أول من أمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها، لأنه رأى في الشهر الكريم استثمارا للفضائل والإخاء بين الأغنياء والفقراء وتطورت الفكرة فعرفت فى العصر الفاطمي باسم "السماط" كما تروى كتب التاريخ أن آلاف الموائد كانت تنصب للصائمين غير القادرين وعابري السبيل أما في العصر المملوكي فكان الأمراء والأغنياء يقومون بتجهيز الموائد وإرسالها إلى الفقراء حيث كانوا يفتحون أبواب المحلات لاستقبال الفقراء وعابري السبيل فضلا عن صرف رواتب إضافية للموظفين وطلاب العلم والأيتام.

وهكذا انتشرت موائد الرحمن فى مصر وتوارثتها الأجيال من خلال منظور رمضاني أصيل حتى وصلت إلى ما نراها عليه الآن  ولم تقتصر على الشكل التقليدى المعروف والذى يتمثل فى تجهيز الموائد بالخيام فى الشوارع والميادين بل اتسعت لتشمل توصيل الطعام للمنازل من موائد الرحمن في عدد كبير من الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد التي يتبرع لها أهل الخير ليس هذا وحسب بل أصبح بعض أهل الخير يقومون بإعداد وجبات جاهزة ويقومون بارسالها إلى منازل الفقراء، حتى يمكن لهؤلاء أن يفطروا في منازلهم دون حرج أو خشية من رؤيتهم وهم يتسابقون إلى موائد الرحمن المقامة فى الشارع .

خلاصة القول إننا الآن أمام حالة خاصة جداً تفوح بمشاعر الحب الممزوجة بالتكافل الاجتماعى وهو ما يتطلب أن يتنبه القائمون على اقامة تلك الموائد الرمضانية إلى ضرورة إخلاص النية لله تعالى فى هذا العمل، وأن يكون قصده من ذلك هو وجه الله الكريم .. لا رياءً ولا سمعة حتى يكون هذا العمل الخيرى مقبولًا عند الله تعالى.

وكل عام ومصرنا بخير .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة