أكرم القصاص - علا الشافعي

ايناس نور الدين

التعليم في مصر بين عراقة الماضي وحضارة العصر

الإثنين، 01 يوليو 2019 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لاعيب إذ ضل بنا الطريق وضاقت أمامنا السُبل وصعب علينا حل مشكلة ما في أن نستلهم حلولا ناجحة من تجارب مجتمعات أخرى ناهضة قريبة الشبه بأحوالنا الاقتصادية والاجتماعية ، وإن لم نجد ما يتشابه وفق ظروفنا الاجتماعية والمادية ، فعلينا حينها أن نلتفت إلي الماضي المجيد ننقب فيه ونستنتطقه بكل جوارحه لعله يجيب لنا عن تساؤلات هامة كثيرة تائهة والتي لم نستدل لها على إجابة شافية ، لعلنا نستطيع الحاق بآخر تطورات العصر.
 
ولا جدال في أن مسألة إصلاح التعليم وتطويره تعد من أهم القضايا الساخنة علي الساحة حالياً لكونها قضية مصيرية تمس حياة كل فرد ، بل تشكل هموما كبري تشغل بال كل أسرة مصرية  ، وتظل تلك المسألة دائما قائمة علي مائدة  كل الحكومات حكومة تلو الأخرى  ، وفي مقدمة مهامهم حتي باتت كالمعادلة الرياضية التي لا حل لها رغم كل الجهود المبذولة في وضع السياسيات المختلفة والاستراتيجيات المدروسة ومحاولة تطبيق نظما قد تفشل أحيانا لعدم ملائمتها مع ثقافتنا وبيئتنا المحلية .
 
 وخلال مشاركتي  في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي الأول لكلية التربية بجامعة مدينة السادات بعنوان " التربية وتحديات القرن الحادي والعشرين "  بالتعاون مع الجمعية العلمية لاتحاد كليات التربية ومعاهدها في الجامعات العربية ، بدعوة كريمه من اد عادل توفيق عميد كلية التربية بمدينة السادات ورئيس المؤتمر وبحضور اد احمد بيومي رئيس الجامعة والسادة النواب واد خميس محمد خميس وكيل الكلية للدراسات العليا والبحث واد مني الحارون وكيل الكلية لشئون الطلاب وكوكبة من وزراء التربية والتعليم والتعليم العالي وفي مقدمتهم الوزير أ.د عمرو عزت سلامه رئيس اتحاد الجامعات العربية و وزير التعليم العالي سابقا وسيادة الوزير هلال الشربيني وزير التربية والتعليم السابق والاستاذة الدكتورة أمل الأحمد الأمين العام للجمعية العلمية لاتحاد عمداء كليات التربية ومعاهدها التابعة لإتحاد الجامعات العربية ، وبمشاركة لفيف من قيادات وعمداء كليات التربية بالوطن العربي منها فلسطين وسوريا والسعودية والكويت والأردن لمناقشة أطر الحلول المختلفة لتلك القضية الشائكة ، و أدركت أن الجميع يقر ويعترف ويعي تماما أننا أمام مشكلة حقيقية في التعليم وخاصة التعليم قبل الجامعي ، والحق يقال أن هناك جهود تبذل ومساعي دوؤبة  لتقديم حلول فعالة قابلة للتحقيق والتطبيق  حتي لا تكون صرحا  من هوى .   
 
وهناك تساؤل يراود التفكير هو كيف نعاني من مشكلة التعليم في مصر ونحن أبناء حضارة عريقة كانت نبراساً للأمم من قبل زمناً طويلا ، حضارة سطعت بشمس العلم قرونا بعيدة لاتخفي على أحد ولا ينكرها القاصي والداني بل تدرس أصولها في جامعات أوروبا ، فحري بنا في تلك الأونة أن نقف ونتذكر مدرسة الإسكندرية القديمة منارة العلم والثقافة مركز الإشعاع الفكري قبيل القرن الرابع الميلادي وما بعده بقرون عدة ، مدرسة الإسكندرية التي  بنيت أركانها تحت ظل شجرة يستظل بها العلماء والدارسون الآتون من كل صوب وحدب بحثا عن العلماء لينهلوا منهم كافة فروع العلوم ، فكانت بحق جامعة قبل أن تنشئ اوروبا جامعتها في روما وباريس .
 
 ويرجع الفضل في ازدهار مدرسة الاسكندرية القديمة وشهرتها الواسعة التي نالتها إلي  حرص علماؤها على بناء عقول البشر قبل بناء الحجر ونجاحهم في غرس العلم والفكر وطبع القيم في القلوب والاذهان قبل بناء جدران المدرسة ، فاستمر عطاء تلك الجامعة العريقة ممتدا حتي فاض العلم وانتشر . فأخرجت لنا طائفة من علماء الطب والهندسة والرياضيات والفلسفة ممن خلدوا اسمائهم في التاريخ . فكان يعمل فيها علماء وفلاسفة وشعراء أمثال كالياخوس Calhnapus وثيوكرتيوسTheocrate وكذلك عدد من كبار العلماء أمثال إقليدس وايراتوسثنيس وارشميدس ، كما نبغ بطليموسPtolemee من أبناء مصر في القرن الثاني الميلادي في الجغرافيا والذي رسم أول خريطة لشكل الأرض في التاريخ ، وقد ترجم كتابه إلي العربية تحت اسم المجسطي ، وهناك أيضاً عددا من العلماء ممن تركوا لنا تراثا فلسفيا ودينيا منهم أفلوطين ، و أورنجينوس ، وكلمنت السكندري وغيرهم الكثيرون . وفي النصف الأول من القرن السادس الميلادي ظهر يحيى النحوي ( فيلويونس ) الشخصية الكبيرة في مدرسة الإسكندرية ومن بعده اصطفن السكندري فيلسوف بلاط الامبراطور هرقل .
 
ويظهر النشاط العلمي الإيجابي لمدرسة الإسكندرية في تكوين تلاميذ مشهورين منهم الفيلسوف يوحنا الأيامي Jean d'Apamee في القرن السادس الميلادي ، والطبيب سرجيوس الرأس عيني ، والطبيب ايتيوس Aetios ، وفي القرن السابع كان هناك من الأطباء بولس الأجانيطي Aganite وأهرن . وكان لكتب هؤلاء العلماء تأثير كبير في دراسات العرب الأولي  ، إذ  انتقل ذلك التراث العلمي إلي الحضارة العربية عن طريق الترجمة والذي ساهم بدوره في إثرائها . ويقول ابن القفطي في كتابه تاريخ الحكماء : " السكندريون هم الذين رتبوا بالإسكندرية دار العلم ، ومجالس الدرس الطبي ، وكانوا يقرأون كتب جالينوس ويرتبونها علي هذا الشكل الذي تقرأ اليوم عليه ، وعملوا لها تفاسير وجوامع تختصر معانيها ويسهل علي القارئ حفظها وحملها في الأسفار " .
 
وفي العصر الحديث نجح محمد علي باشا في تأسيس دولته الحديثة أيضا عن طريق  بناء عقول البشر حين اهتم بالتعليم ، وارسل البعثات للخارج واستقطب الخبراء المتميزون لانشاء المهندسخانه لتطوير وتحديث الجيش ، وكاد بفضل حسن استخدامه للقوي البشرية في تكوين امبراطورية لولا تكتل الدول الإوروبية التي عملت علي إيقافه .  ونجد كذلك اعتماد معظم الدول الأسيوية المتقدمة في نهضتها التعليمية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م أيضا على بناء وتطويرالعنصر البشر وتنمية روح الإبداع والابتكار علي الرغم من ضعف الامكانيات الاقتصادية لديهم آنذاك .
 
ومن هنا ندرك أن مشكلتنا الحقيقية ليست في الامكانيات المادية والاقتصادية كما يظن البعض ، بل في عدم قدرتنا علي بناء الشخصية العلمية السليمة وتوظيفها بالشكل الجيد ، وعلينا ببساطة وفي كلمة موجزة أن نتعلم من أجدادنا كيف نبني عقول البشر ونطورها وننمي بداخلها الانتماء للوطن ، ونعظم قدراتها ومهارتها ، نتعلم كيف نصنع معلما قدوة يحمل من العلم والأخلاق والمبادئ الكثير والكثير ، ليكون قدوة لاجيال من الطلاب يحملون من بعده أصول العلم  والفضائل الحميدة . فالقوى البشرية هي الثروة الحقيقية التى نمتلكها وهي اليد الفاعلة لإنجاح أي استراتيجية تعليمية جديدة أو اخفاقها ، فبناء الكوادر من المعلمين المؤهلين وحده يكفي لاسترجاع الماضي العريق الذي فنى .









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة