أكرم القصاص - علا الشافعي

علاء عبد الهادى

من صلاح الدين الأيوبى إلى السيسى

الأحد، 01 سبتمبر 2019 02:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

خلال فترة عملى كصحفى متخصص فى الشأن الثقافى وشئون الآثار والتراث، لمدة تجاوزت العشرين عامًا تابعت ظاهرة تكرار افتتاح المشروعات، وافتتاحها وكأنها لأول مرة تفتتح، ومع تعدد الوزراء والمسئولين إلى أعلى مستوى تتكرر المشروعات وفى كل مرة نكيل الثناء للمشروع (الجديد)، ونعدد مزاياه التى لا مثل لها.

هناك أثر مهم استعصى على الإنجاز رغم تعدد مشروعات ترميمه تطويره، أنه مشروع ترميم وتطوير سور مجرى العيون فى عين الصيرة، هذا الأثر الإسلامى الفريد الذى إذا أحسن تنفيذ مشروع إنقاذه، سوف يكون بمثابة الدجاجة التى تبيض ذهبًا للقاهرة ككل، ويرفع مستوى المنطقة المحيطة، ويفتح أبواب رزق بالآلاف لأبناء المنطقة، أنا شاهد عين على أكثر من مشروع ترميم وتطوير لهذا السور الأثرى، أيام كان فاروق حسنى وزير للثقافة وكانت الآثار مازالت مجرد مجلس أعلى يتبع وزارة الثقافة، حيث تم ترميم السور، وإنقاذه بعد أن كان على وشك الانهيار بسبب تآكل أساسات الجدران بسبب الكيماويات التى تستخدمها المدابغ الملاصقة لجسم السور والتى تعدت عليه عبر عقود واستخدمت جسم السور كجزء من بنيانها، ووصل الأمر إلى أن إحدى الجمعيات الفئوية للعاملين فى النجارة والأثاث "ركبت" السور واعتبرته جزءًا من مبانيها، ووصل الأمر إلى حد أن القائمين على الجمعية رفعوا قضية على الوزارة عندما بدأت التطوير حتى يبقى وضعهم كما هو لأنه أصبح محصنًا، كما دارت معارك على مدار العشرين عامًا بين أصحاب المدابغ والوزارة رافضين كل محاولات نقلهم، مستعينين بكل أعضاء البرلمان عن الدائرة، إلى أن جاء الرئيس السيسى وقرر أن يكون على رأس أولوياته تنفيذ مدينة لتصنيع الجلود تليق بمصر وباسمها فى الروبيكى، وهنا كان لابد من إعادة مشروع تطوير السور والمنطقة من جديد.

التعديات على السور التاريخى لم تكن من الأهالى فقط، الذين حولوا جدرانه إلى مقلب للقمامة التى كانت تشتعل من آن إلى آخر، وفى أحيان أخرى بسيارات النقل الكبير التى كانت تنحر فى أركان السور، بل أن الحكومات المتعاقبة تعدت على السور وقطعت اتصاله مرة أيام عبد الناصر عندما أرادت إنشاء طريق صلاح سالم، ومرة عند إنشاء المترو، ولمن لا يعلم أهمية هذا الأثر العبقرى واستخدامه ولماذا أنشئ فنستطيع أن نقول ببساطه إنه يمثل متحفًا مفتوحًا لأحد أهم مشاريع الرى فى العصر الأيوبى، حيث أمر بإنشاء السور صلاح الدين الأيوبى، مؤسس الدولة الأيوبية فى مصر الذى تولى الحكم من 1169م إلى 1193م، ثم جدده السلطان الناصر محمد بن قلاوون تجديدًا كاملاً سنة 712 ه - 1312م، وكانت تسمى بقناطر الغورى لتتيح نقل المياه من نهر النيل إلى منطقة قلعة صلاح الدين، حيث مقر الحكم والقوة والسيطرة، حيث كانت ترفع مياه النيل من منطقة فم الخليج عند بداية السور (أمام المعهد العالى للأورام حاليًا) باستخدام قواديس معلقة بسواقى تجرها بغال أعلى هذا المبنى الذى تراه على النيل وما زال قائمًا إلى يومنا هذا، ثم تندفع المياه فى مجرى خاص فوق جسم هذا السور بنظرية الانحدار من أعلى إلى أسفل حتى تصل إلى محيط القلعة وترفع بدواليب للمياه، حيث يتم تخزين المياه فى آبار هناك، لكى تستخدم فى الرى والشرب.

الجديد فى المشروع الذى ينفذ الآن فى عصر السيسى هو أنه عندما يدخل الرئيس السيسى فى مشروع لابد أن يتمه، ولكن بعد دراسته جيدًا، ويدرس أسباب فشل التجارب السابقة لتجنبها، ولماذا عجزت كل الحكومات السابقة عن المضى فى مشروعات التطوير السابقة لنهايتها، وكانت كلمة السر فى "لقمة العيش" التى تتمثل فى الآلاف الذين يعملون فى صناعة دباغة الجلود، لذلك كانت البداية بتوفير البديل المغرى الذى ينقل "الصنعة" نقلة عصرية ويحافظ على "لقمة العيش" بل ويعظمها، وكان مشروع مدينة الروبيكى الذى يتيح نقل هذه المدابغ إليها بصورة عصرية وتكنولوجيا حديثة، ولم تتردد الدولة بعد ذلك فى تنفيذ الإزالات وبالعل تم الانتهاء من هدم 241 مدبغة و15 مقهى و12 كشك و31 عشة خشبية و54 محلا و9 مصانع و96 محزنا و2 اسطبل ومصنعين غراء ومعرضين جلود وورشة ومطعم، من محيط السور الأثرى.. نحن إذن أمام مشروع يهدف إلى إعادة الرونق الحضارى الذى انطفأ وتوارى لهذه المنطقة التاريخية، لتمثل إضافة جديدة على الخارطة السياحية بمصر، والمشروع يمتلك كل المؤهلات التى تجعله مركزاً للإشعاع الحضارى والثقافى، ومقصدًا سياحيًا، وأسرح بخيالى الآن وأرى أتوبيسًا سياحيًا مكشوفًا يجلس فيها السياح يستمعون لشرح من المرشد السياحى عن هذا السور الأثرى الذى يقترب عمره من 12 قرنًا من الزمان، وكيف كان يوفر مياه الرى والشرب لسكان القاهرة ولحكام مصر بنظام هندسى بديع فى وقت كانت فيه أوروبا تغط فى الظلام.. ويخرج الزائر من هذا السور، ويتجه إلى قاهرة المعز ويدور بأسوارها، ويتفقد متحفا لعمارة الأسوار ودورها فى الحضارة الإسلامية، فإذا دخل شارع المعز الذى يتجاوز بنفس تخطيطه ومفرداته الأثرية من مساجد وأسبله وكتاتيب وخنقاوات الألف عام سيدرك لماذا مصر أم الدنيا بجد.

اقترح على وزارة الآثار أن تتقدم بمشروع تطوير وإنقاذ سور مجرى العيون إلى اليونيسكو ليضعه على قائمة التراث العالمى، مصر لديها 7 مواقع، وتستحق سبعين موقعًا.

أتمنى أن يمد الله فى عمرى لأرى إنجاز مشروع تطوير وترميم سور مجرى العيون ولا يلحق المشروع بالمشاريع السابقة.


 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة