أكرم القصاص - علا الشافعي

سيد محمد زكى

كورونا.. و"غلبت الروم"

الإثنين، 30 مارس 2020 03:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال تعالى: (الم . غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).
 
حكى طه حسين في كتابه الأيام عن أحد شيوخ الكتاب، سأله غلام عن تفسير قوله تعالى: "وقد خلقكم أطوارا"، فأجاب الشيخ الغلام بأن معناه أن الله قد خلقكم مثل الثيران.
وكنت أنا أصلي في مسجد قريب من مسكني وكان يتردد على ذلك المسجد مجموعة من الدراويش، وفي إحدى المرات سمعت أحد المصلين يطلب من إمام الدراويش إفادة حول مسألة فقهية تتعلق بالصيام، فأجابه: "أهم حاجة رضا الوالدين".
 
ولكن ما شأن ذلك وعنوان المقال والآيات التي في السطور الأولى؟
لنأتِ أولا إلى ما يقوله التاريخ وعلماء التفسير حول الآيات الكريمة..
 
قديمًا كانت الفرس والروم قوتين عظيمتين تتصارعان على النفوذ والسيطرة، وعرف تاريخ الفرس ملوكا بسطوا هيمنتهم وسلطانهم، منهم كورش المشهور بإعادته لليهود إلى أرض الشام بعد السبي البابلي والتشتت الذي لحق بهم على يد بختنصر، وقمبيز الذي وصل بجيوشه إلى مصر.
 
ومن ملوك الرومان المشهورين قسطنطين الذي تديّن بالمسيحية أسوة بوالدته الملكة هيلانة، وبنى العديد من الكنائس ومدينة القسطنطينية التي سميت باسمه (إسطنبول حاليا)، وقد امتد سلطان الرومان إلى مصر وما يليها من بلاد غرب أفريقيا حتى مجىء الفتح الإسلامي.
 
وكانت القبائل العربية قبل الإسلام تنقسم إلى قسمين، قسم ولاؤه للفرس وهم مجموعة من القبائل كانت تسمى المناذرة، وقسم ولاؤه للروم وهم مجموعة من القبائل كانت تسمى الغساسنة.
 
وفي بداية البعثة المحمدية، انتصر الفرس على الروم في أدنى منطقة من بلاد الشام والجزيرة العربية، فحزن النبي وأصحابه، لأنهم كانوا يميلون عاطفيا إلى الروم لأنهم أهل كتاب مثلهم، فنزل وحي الله تعالى بالآيات التي بدأنا بها المقال.
 
وقابل بعض مشركى مكة أبابكر يغيظه بهزيمة الروم، ويتوعده بأنهم إن حاربوهم سيهزمونهم كما هزم الفرس الوثنيون الروم أهل الكتاب، فراهنهم أبوبكر (قبل تحريم الرهان) على أن الروم سوف تهزم الفرس خلال بضع سنوات، وقد تحقق وعد الله وانتصرت الروم على الفرس بعد سبع أو تسع سنوات، وكسب أبوبكر الرهان الذي تصدق به.
نصل إذن إلى علاقة ما سبق بأزمة كورونا الحالية..
   
تعددت التفسيرات وتنوعت حول فيروس كورونا، ما بين وصفه قضاء وقدرًا، ووصفه مؤامرة دولية تتعلق بصراعات اقتصادية اعتمدت في ذلك  حربا بيولوجية بالفيروسات القاتلة، أو بتحضير غاز سام خرج عن السيطرة، وتحول الأمر إلى حالة شمشونية.
 
لكن كيف تمر مثل هذه المواقف من دون أن يدلي المتحذلقون الذين يلبسون زي التدين والورع، بدلوهم، ويدعون العلم، وهم في الحقيقة أضل المهتدين، وليس لهم من العلم أي نصيب.
 
يخرج علينا بعض المتدينين أمثال شيخ الكتاب الذي ذكره طه حسين، والدرويش الذي يفتي في الصيام برضا الوالدين، ويقول إن «كورونا» مذكور في القرآن ويستشهد على حال إيطاليا بقول الله تعالى "غلبت الروم".
 
هكذا دون توضيح، يكفي أن يقول هذا مذكور في القرآن "غلبت الروم"، حتى يمصمص الساذجون شفاههم تعبيرا عن فهمهم واتعاظهم ويؤكدون أنه حقا كتاب ربنا لم يترك شيئا، ويشيعون ذلك بين الناس تماما مثلما يبدون أسفهم على غلق المساجد وحقيقة بعضهم أنهم لا يصلون.
 
خطورة الأمر تتضح لك حين تجد مثل هذه التفسيرات تروج بين بعض المتعلمين، دون أن يستفهم عن علاقة هذا بذاك، ودون أن يدقق فيما يقال جزافًا.. أو أن يسأل نفسه إذا كان وباء كورونا انتقامًا من الله للطليان (نسل الروم)- على زعمهم- فهل الشأن في إيران (نسل الفرس) أقل خطرا؟
 
يا خلق الله.. لقد تغير الزمان وتيسرت سبل البحث وتوفرت أدوات والمعرفة، وآن للعقول أن تتحرر من الانقياد وراء الجاهلين، وإن بدوا بزي التدين والورع، فإن مظهر التدين لا يعني أن صاحبه على علم.. أفيقوا فإن الجهل أخطر الأوبئة!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة