أكرم القصاص - علا الشافعي

ما هو العلاج بالوهم وما دوره فى علاج السعال والآلام والاكتئاب؟

الأربعاء، 13 مايو 2020 08:58 م
ما هو العلاج بالوهم وما دوره فى علاج السعال والآلام والاكتئاب؟ تسلق الجبال
كتب محمد جمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

طفرة كبيرة فى عالم العلاج، فأصبح الاعتماد على الأدوية فى العلاج هو شيء معتاد وطبيعى ولكن اتخذت طرق العلاج الحديثة أشكالاً أخرى لتحسين صحة الإنسان عن طريق العلاج النفسى والذى يندرج فى قائمته نوع جديد من العلاجات وهو العلاج بالوهم، والذى يعتمد بشكل كبير على اقتناع الإنسان بالهدف المراد تحقيقه وأنه قادر على الوصول إليه رغم تعبه وإرهاقه، وفى تقرير نشرته شبكة "بى بى سى" البريطانية، أوضحت كيفية استخدام هذا العلاج وما هو مدى تأثير على الرياضيين بشكل كبير، وضربت فى ذلك مثالاً، حيث يعد جبل بيكو سيمون بوليفار واحدًا من أعلى قمم الجبال فى كولومبيا، وعلى ارتفاع 5.500 متر فوق سطح البحر، تنخفض نسبة الأكسجين فى الهواء إلى النصف، ويجد المتسلق صعوبة فى السير ويشعر بالتعب والصداع، ومن ثم يتسارع نبض القلب وتزيد سرعة التنفس، وتتمدد الأوعية الدموية لإيصال الأكسجين للأنسجة.

ويستعين المتسلقون فى المرتفعات باسطوانات الأكسجين للحد من هذه التغيرات، فتقلل الشعور بالتعب وتخفف آلام الرأس، لأن النبض والتنفس يعودان لمعدلاتهما الطبيعية، لكن العجيب أنه لوحظ أن اسطوانات الأكسجين الفارغة قد تحقق نفس أثر الأسطوانات المملؤة.

إذ أعطى فابريزيو بينيديتي، عالم إيطالى بجامعة تورينو، مجموعة من المتسلقين أسطوانات أكسجين وهمية على جبال فى كولومبيا وألاسكا وجبال الألب، ولاحظ أن أسطوانات الأكسجين الفارغة التى يتوهم الناس أنها مملؤة بالأكسجين قد تحاكى تأثير الأسطوانات المملؤة على الجسم.

تسلق الجيال
تسلق الجبال

لكن هذا التأثير الإيجابى للأسطوانات الفارغة لا يتحقق إلا إذا حصل المتسلقون على أسطوانات مملؤة بالأكسجين فى البداية، ثم تبديلها بأخرى زائفة دون أن يعوا، لأن الجسم حينها يتهيأ لتلقى جرعة من الأكسجين.

واللافت أن الأسطوانة الوهمية تعزز الأداء البدنى فى تمارين المشى على المرتفعات رغم أنها خالية من الأكسجين.

ويقول بيندتى إن ما يثير الاستغراب أنه لم يكن هناك أكسجين لا فى الدم ولا فى الجسم، ومع ذلك شعر المتسلقون بتحسن رغم أن الأسطوانات التى يحملونها كانت فارغة.

ويعرف تأثير العلاج الوهمى بحسب تقرير "BBC" بأنه التحسن الملحوظ الذى يشعر به المريض لمجرد الاعتقاد بأن الدواء سينجح فى علاجه، وليس بسبب تأثير الدواء فى حد ذاته، رغم أن هذا الدواء لا يتعدى فى الغالب كونه حبات من السكر.

وأثبتت دراسات أن العلاجات الوهمية تخفف السعال والآلام والاكتئاب، وحتى أعراض داء باركنسون.

واهتم مؤخرًا بعض العلماء بدراسة تأثير العلاج الوهمى على الرياضيين. إذ طالما سمعنا الرياضيين المحترفين يقولون إن نظرتهم للفوز تلعب دورا كبيرا فى نجاحهم، وتشير الأبحاث إلى أن تعديل التوقعات له تأثير كبير على سرعتهم أو تقدمهم فى المنافسات.

0000
تسلق الجبال 

وفى إحدى الدراسات أخبر الباحثون بأنهم سيتلقون جرعات مختلفة من الكافيين قبل السباق، لكن فى الحقيقة أعطاهم الباحثون جميعا شرابا وهميا، وكان أداء المجموعة التى توهمت أنها تناولت جرعة صغيرة أفضل بنسبة 1.5 فى المئة من المتوسط، فى حين أن المجموعة التى توهمت أنها تناولت جرعة كبيرة من الكافيين زادت قوتها بنسبة ثلاثة فى المئة.

ويقول كريس بيدي، من كلية علم النفس بجامعة كنت، إن نسبة الثلاثة فى المئة قد تبدو ضئيلة، لكنها قد تعزز حظوظ اللاعب فى المنافسات فى التتويج بميدالية أوليمبية. إذ يبذل اللاعبون أقصى جهدهم لزيادة قوتهم بنسبة ثلاثة فى المئة.

ويحاول العلماء تفسير هذا التأثير الإيجابى الذى تحدثه أقراص خالية من العناصر الفعالة على أشخاص يكرسون حياتهم لممارسة التمارين الرياضية القاسية، فهل يرجع السبب إلى أن هذه الأقراص الوهمية تحملهم على بذل جهد أكبر للفوز؟

ويقول بيدى إنهم لاحظوا تحسنا فى الأداء بنسبة تتراوح بين اثنين وثلاثة فى المئة، لكن هذا التحسن لم يترافق مع تسارع النبض أو سرعة التنفس، كما هو متوقع إذا كان الرياضى يبذل جهدا أكبر من المعتاد، وكأن الرياضي، عندما يتناول العقار الوهمي، يحقق أقصى استفادة من الطاقة فى جسمه، كالسيارة التى تقتصد فى استهلاك الوقود.

ويعلل البعض هذا الأثر بأن الدواء الوهمى يخفف القلق. فإذا ظن الدرّاج أنه يتناول بعض المواد التى تعزز أداءه، سيقبل على التنافس بأعصاب هادئة لأنه يظن أن هذه المواد ستساعده فى الفوز. ويقول بيدى إن القلق أو الضغط النفسى يترافقان عادة مع الإجهاد العضلي، الذى يستنفد طاقة اللاعب.

وثمة تفسير آخر، وهو أن الدواء الوهمى يؤثر على المسارات العصبية التى تنظم الألم والقدرة على التحمل. وتقول إيما كوهين، مديرة مختبر بجامعة أكسفورد، إن الشعور بالتعب يمنعك من مواصلة التمارين الرياضية ويعوق الأداء، ولن تجدى محاولاتك لتجاهل الألم.

هل يمكن أن تكون المعتقدات هى سر الأداء المميز؟

لكن الألم الذى نشعر به أثناء ممارسة التمارين الرياضية يسهم فى حماية الجسم من الأضرار. وتقول كوهين، إن الإرهاق ينبهنا للتوقف عند نقطة معينة لئلا يتعرض الجسم للمخاطر، فبإمكانك أن تواصل ممارسة التمارين الشاقة لوقت أطول دون توقف، لكن الجسم والدماغ يحرصان على الاحتفاظ ببعض الطاقة، لعلك تحتاجها لاحقا.

وتقول كوهين إن الدماغ يحتسب الطاقة التى ينبغى أن يحتفظ بها الجسم بناء على الإشارات التى ترسلها العضلات، وحالة الطقس، ومدى الشعور بالعطش والمسافة المتبقية لبلوغ الهدف، مع الأخذ فى الاعتبار المعلومات من التجارب السابقة، مثل أقصى مجهود بدنى يمكن للجسم تحمله.

ويطلق العلاج الوهمى إشارة زائفة تؤثر على حسابات الدماغ، إذ يتيح للجسم الاستفادة من الموارد التى يخصصها الدماغ للعضلات أثناء التمرن.

00012

 

رياضة ركوب الدراجات

علاج زائف فى صورة أصدقاء

وتشير كوهين إلى عامل آخر قد يربك حسابات الدماغ، وهو سلوكيات الآخرين. وصاغت مصطلح "العلاج بالإيحاء الاجتماعي" للإشارة إلى تأثير الترابط والدعم من الآخرين على الأداء، من خلال تخفيف الألم والإرهاق والقلق.

وخلصت التجارب التى أجريت فى المختبر، إلى أن لاعبى الرغبى الذين مارسوا تمارين الإحماء مع زملائهم فى الفريق كانوا أسرع من أقرانهم الذين مارسوها بمفردهم بنحو ست ثوان.

وتقول كوهين إن هؤلاء الرياضيين، رغم أنهم كانوا أسرع من أقرانهم، إلا أنهم لم يكونوا أكثر تعبا منهم، ولم يلاحظ أى فارق فى معدل ضربات القلب. إذ بدا واضحا أن التعاون والدعم يساعد الرياضيين على تحقيق أقصى استفادة من الطاقة فى أجسامهم، مما ينعكس على تحسن الأداء.

ويعرّف بينديتى العلاج الوهمى بأنه لا يقتصر على الدواء فقط، لكنه يمتد إلى الكلمات والإيحاءات والطقوس وغيرها مما يدخل ضمن العملية العلاجية فى سياق نفسى واجتماعي. وربما ينشّط تأثير العلاج الوهمى مسارات عصبية تطورت منذ آلاف السنين.

تأثير المعتقدات

هناك تفسيرات منطقية عديدة لتأثير العلاج الوهمي، مثل تهدئة المخاوف والقلق والألم والتعب، ولكن كيف يمكن أن يتحسن أداء متسلق الجبال بمجرد إيهام الدماغ بوجود أكسجين فى الاسطوانات؟

ويفسر بينيديتى ذلك بالقول إن تحقيق تأثير العلاج الوهمى لمتسلقى الجبال يتطلب إعطاءهم أكسجين فى البداية لتهيئة أدمغتهم لتلقى المزيد. ويرى أن الأكسجين ربما يترك أثارا فى الدماغ ومن ثم يتوقع الدماغ وصول المزيد منه. فإذا تناول المتسلق جرعة وهمية من الأكسجين ستحاكى التأثير الفسيولوجى لجرعة الأكسجين الحقيقية.

وربما ينسحب الأمر نفسه على المواد المحظورة، كالمنشطات. فإذا أعطيت اللاعب مادة محظورة أثناء التدريب، ثم بدلتها بجرعة وهمية قبل المنافسة، ستحاكى الجرعة الوهمية تأثير الجرعة الحقيقية دون وجود لأى أثر لعقاقير فى الجسم.

ولهذا ينصح بيدى الرياضيين بالبحث فى إمكانية تحقيق الاستفادة من قدراتهم البدنية والسمات الاجتماعية مادام أداؤهم يتحسن بمجرد الحصول على جرعة وهمية من المنشطات.

ويعد تأثير العلاج الوهمى على الجسم مثالا واضحا على أن الإنسان بإمكانه تحسين أدائه ومهاراته إذا أيقن أنه لديه القدرة على تحقيق ذلك.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة