أكرم القصاص - علا الشافعي

القارئ فؤاد بوعلى يكتب: سقوط الرموز...الشعوب لا تنسى

الأحد، 21 يونيو 2020 06:00 م
القارئ فؤاد بوعلى يكتب: سقوط الرموز...الشعوب لا تنسى احتجاجات أمريكا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يعيش العالم الغربى هذه الأيام نقاشا عميقا ومثيرا حول الذاكرة وثقوبها التى مازالت تنزف جراحا وآلاما. فقد فرض الشارع منطقا آخر للتناول بعيدا عن سفسطة النخبة وقراءاتها وتبريراتها المشروطة. فالمنظومة الغربية التى بنيت على قدسية الدولة القطرية وصنعت لها قيما حضارية إنسانية تؤطرها مازالت تحمل فى ثناياها آلام الماضى القريب والبعيد. فشوارع باريس ولندن وواشنطن وبروكسيل.... تشهد فى هذه الأيام ثورة على الذاكرة المفروضة على الأجيال المتلاحقة واختلالاتها التى طبعت التاريخ الغربى بعنفها وجبروتها وصنعت لأعلامها تماثيل يقدمون للمتلقى الجديد باعتبارهم رموزا صنعوا التاريخ المجيد. لكن الاحتجاجات الأخيرة ضد التمييز العنصرى أحيت فكرة بناء تاريخ مؤنسن من خلال محاسبة المتسببين فى مآسى الماضى واليوم بل ومحو آثارهم من الواقع قبل الذاكرة.

 فكريستوف كولومبوس الذى قدم لنا على أنه رائد أكبر فتح فى تاريخ الإنسانية من خلال اكتشاف أمريكا تحول إلى رمز للعنف وإحراق جثث سكان أمريكا الأصليين. وتشرشل الذى صور لنا فى الإعلام والتاريخ على أنه محرر بريطانيا ورمز صمودها ضد النازية غدا الآن رمزا عنصريا. وجول فيري، مؤسس المدرسة اللائكية الذى جعل منه أحد صناع المجد الفرنسي، هو فى الحقيقة رمز من رموز الاستعمار فى مدغشقر وتونس وأفريقيا السوداء...  هى صفحة سوداء من تاريخ الإنسانية يحاول الشارع الغربى تغييرها وإعادة البوصلة نحو قيم الإنسانية المثلى بعد أن فشلت النخبة الأكاديمية مرارا فى القيام بالأمر.

فليست المرة الأولى التى يتحرك فيها المجتمع ضد النخبة المتسيدة فى الغرب من أجل إصلاح التاريخ الذى كرس التمييز والاستبداد مغلفا بالقيم الكونية والعقلانية والديمقراطية. فمنذ ظهور الدراسات ما بعد الكولونيالية (مع اختلاف فى التصور بين الدراسات الأنجلوسكسونانية والإيبرية حول الموضوع) بدأت محاولات تحرير الأكاديمى من الاستعماري. فالعديد من رموز الفكر والثقافة والفلسفة كفولتير وديكارت وكانط الذين قدموا باعتبارهم رموزا للتنوير والعقلانية كانوا مشروطين بسياق استعمارى حيث كتبت أعمالهم ودونت إبداعاتهم ووقائع حياتهم. وقد سبق لاتحاد الطلبة بجامعة لندن الدعوة إلى استبعاد دراسة العديد منهم وجعل أعمالهم إرثا تأسيسيا وإبستمولوجيا للكولونيالية بغية تحرير المؤسسة الأكاديمية من الاستعمار المعرفي. كما كانت العديد من العلوم محور مساءلة حول الغايات الثاوية وراء الانشغال بها.

فالترجمة مثلا كما كانت وسيلة تواصل كانت وسيلة لتثبيت الاستعمار. واللسانيات أخذت دورا رئيسا فى المسار. والقائمة طويلة. لكن هذا النقاش النخبوى لم يصل إلى الشارع ويغدو قضية رأى عام إلا فى الحالة الراهنة. ما الذى تغير إذن؟ المتغير الوحيد هو أن الشارع هو الذى يقود عملية الإصلاح والنخبة تبع لذلك أو رجع صدى لما يعتمل داخله. لذا تشهد المنتديات الإعلامية والأكاديمية نقاشا محموما حول العديد من الرموز التى تؤثثت الفضاء العام فى المدن والجامعات. فرنسا ليست استثناء. فبالرغم من تصدر العديد من المؤرخين، أمثال باسكال بلانشار، للدعوة إلى الحفاظ على هذه الرموز التجسيمية فى الشوارع والساحات، بحكم ما سماه بالتأخر فى مقاربة الزمن الاستعماري، فإن غضب الشارع ضد هذا التقدير لنتوءات الماضى يعيد الأمل فى أنسنة الغرب وعودته إلى حقيقته الإنسانية واستعادة وعيه الإنسانى المفقود نتيجة عمليات غسيل المخ التى تعرض لها على مدى عقود من قبل وسائل الإعلام وتمجيد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتغنى بها ورفعها شعارا براقا وعظمة الرجل الأبيض صانع الحضارة الحديثة.

ومازال المغاربة، ومعهم الشعوب العربية، متأخرين فى معالجة نتوءات الماضي. فالموجة العالمية التى انطلقت من أمريكا مازالت تتعثر فى الوصول إلى العقل المتسيد فى المغرب الذى "اختار" المصالحة مع ماضيه الاستعمارى واستعادته تدبيريا وسياسيا. فالاغتيالات والمجازر والتعذيب الذى عانى منه المغاربة طيلة عقود، وما شهدته منطقة الريف وقبائل زيان وبنى خيران والسماعلة وقصبة تادلة والقصبة الزيدانية والبروج وخنيفرة... لم يعد له مكان إلا فى فقرات متناثرة داخل كتب التاريخ إن وجدت لها مكانا، أو فى مناسبات وطنية محدودة التأثير والانتشار. فى حين مازالت أسماء المستعمر الفرنسى وقواده الذى قتلوا وشردوا ونظروا أمثال ليوطى المقيم العام ولویس ماسینیون المنظر الاستعمارى المشهور وغيرهما تجثم على فضائنا العام وعلى مدننا وأزقتنا وثانوياتنا. لكن التجربة العالمية أثبتت أن الشعوب لا تنسى. وعندما يقرر المغاربة تغيير واقعهم فسيغيرون التاريخ ويقطعون مع الزمن الاستعمارى ذاكرة وواقعا.

 

 

 


 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة