واصلت محكمة الجنايات جلساتها لليوم الثانى لنظر قضية ديوان شعر «وطنيتي» والمتهم فيها مؤلفه الشيخ على الغاياتي، وثلاثة آخرون هم، الشيخ عبد العزيز جاويش لأنه كتب مقدمته، وإلياس أفندى أيوب صاحب مكتبة، والشيخ محمد حسن القزوينى، أما محمد فريد رئيس الحزب الوطنى والذى كتب أيضا مقدمة للديوان فقررت النيابة تأجيل الدعوى ضده لحين عودته من أوربا.. وفيما تغيب «الغاياتي» عن جلسات المحكمة لفراره إلى تركيا، كان باقى المتهمين أمامها..»راجع، ذات يوم، 6 أغسطس 2020».
كان «الغاياتي» عمره 35 عاما «مواليد 1885» وكانت الجلسة الثانية للمحكمة يوم 7 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1910، ويذكر الدكتور إبراهيم عبد الله المسلمى فى كتابه «على الغاياتى – من وطنيتى إلى منبر الشرق»، أنه فى هذا اليوم «7 أغسطس» وقف توفيق بك نسيم ممثل النيابة قائلا، بأن النيابة العامة تطالب بمعاقبة المتهم الأول «الغاياتى» طبقا للمواد المنصوص عليها فى قانون العقوبات لوضعه وطبع كتاب «وطنيتى»، ثم ردد ما قاله بالأمس قائلا: «لقد وضع هذا الشاعر المفتون ذلك الكتاب ووسمه بوطنيتى فلا حيا الله وطنيته».
قدم المحامون دفاعهم عن المتهمين.. يذكر «المسلمي» أن عبد السلام أفندى ذهنى تحدث، قائلا: «إننا لا نطلب إلا إحقاق الحق وإزهاق الباطل، فليعلم حضرات القضاة أن الصحافى يكتب ويتصور أن فوقه سيف قانون المطبوعات، فأرأفوا بهؤلاء الصحافيين التعساء»..يضيف «المسلمى»: «أما أبو شادى بك فقال: إنه كتب فى مذكراته الخاصة أبياتا شعرية أشد وطنية وحماسة وتهييجا من أبيات الغاياتي، الذى لن يساوى أصغر الشعراء بجوار أحمد نعيم وشوقى بك «أحمد شوقى» شاعر الحضرة الفخيمة الخديوية، وحافظ أفندى إبراهيم وخليل أفندى مطران، أما محمد بك فقال إن المتهم «يقصد الشيخ جاويش» يتقدم إلى حضراتكم وكله يقين بأن القانون المصرى الذى يفك عن المتهمين بالقتل قيودهم وأغلالهم ماداموا فى حرمة القضاء وذمته، احتراما لمقام الحكم وتأييدا لحمية الدفاع لا يسمح طبعا أن يفعل اليوم لسان المتهم عن أن يشكو بثه وحزنه إليكم، وأنتم الأمناء على رعاية القانون وملجأه الأعلى وكلمتكم هى الحد الفاصل بين الحق والباطل».
قضت المحكمة فى نهاية الجلسة بسجن على الغاياتى غيابيا بالحبس لمدة سنة مع الشغل، مع براءته من تهمة التحريض على القتل، وحكمت على الشيخ جاويش بالحبس ثلاثة أشهر حبسا بسيطا مع التنفيذ، والحكم على الشيخ القزوينى ودياب أفندى إلياس بالحبس شهرين مع إيقاف التنفيذ، ووافق الخديو عباس الثانى على حكم المحكمة.
يذكر «المسلمي» أن المحكمة ذكرت فى حيثيات حكمها أبيات الشعر التى أصدرت الحكم على أساسها، ومنه قول الغاياتى تحت عنوان «طيف الوطنية»:«وولاة أقسموا أن يسجدوا/ كلما رام العدا منها مراما»..وتحت عنوان «إلى سمو الأمير والوزارة» قال: «ألا أمطر الله الوزارة نقمة/ ولا بلغت مما تروم مراما/ تحاول أن تقضى علينا بإثمها/ ولكن ستلقى دون ذاك أثاما/ وزارة خداع أقامته بيننا/ يد الحاكمين الآثمين فقاما».. ويقول فى «آهة مصرى يتوجع على مصر».. ظلمات من المظالم/ أودت بضياء الحياة بعد الحياة/ يشتكى الشعب والقضاة خصوم/ فلمن يشتكى خصام القضاة».. ويقول موجها حديثه إلى «سمو الأمير»: «ونيأس من آمالنا فيك/ كلما قضيت علينا أن نكون غضابا/ وأرضيت أعداء البلاد وأهلها / وأصليتنا بعد الوفاق عذابا / رويدك يا عباس لا تبلغ المدى/ ولا تستمع للظالمين خطابا».
كان «الغاياتي» على فراره إلى تركيا وقت صدور الحكم، ووفقا لفتحى رضوان فى كتابه «عصر ورجال»: «قضى فى الغربة 27 سنة عاشها فى سويسرا وتزوج من سويسرية ورزق منها بولد وخمس بنات، وعادوا جميعا بعد أن أصبحت مصر فى عصبة الأمم المتحدة 26 مايو 1937».. يتذكر رضوان: «عرفت الغاياتى عام 1938، أدهشنى أننى رأيت مصريا قحا، أو قل أزهريا نقيا خالصا لم تمح إقامته ربع قرن من الزمان بعيدا عن مصر فى وسط أوربى ومع زوجة أجنبية شيئا من سماته أو خصاله المصرية».. يضيف رضوان: «الغاياتى قبل أن يهاجر من وطنه كان شابا متقدما، هاجم الرجعيين من الأزهريين هجوما شديدا، ودعا إلى تطوير الشعر، وأظهر إعجابه بالأدب الفرنسى».
بعد عودة محمد فريد من أوربا فى ديسمبر 1910 بدأت النيابة التحقيق معه لأنه كتب مقدمة للديوان، وأحالته إلى «الجنايات» ونظرت قضيته يوم 23 يناير 1911، وأصدرت حكمها بحبسه ستة أشهر مع النفاذ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة