فضل رئيس الوزراء مصطفى أديب، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، التريث في تقديم تشكيلته الحكومية إلى رئيس الجمهورية ميشال عون وأفسح المجال أمام مزيد من المشاورات، بعد أن كان من المفترض أن يقدم تشكيلته الاثنين خلال الزيارة التي قام بها إلى القصر الجمهوري. وقبل 24 ساعة من المهلة التي أعطاها الرئيس الفرنسي لتشكيل حكومة، يدل هذا التريث بشكل أساسي على حجم العراقيل التي تقف أمام تشكيلة يمكن اعتبارها استثنائية في لبنان، خصوصا أنه كان من المتوقع أن تكون حكومة مصغرة لا تضم أسماء محسوبين على الأحزاب، في ظل ضغط فرنسي ودولي على المسؤولين لتسهيل عملية التشكيل.
وصل رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب الاثنين إلى قصر بعبدا، إذ كان من المقرر أن يقدم إلى الرئيس ميشال عون تشكيلته حكومته الجديدة، ليعلن على إثر هذا الاجتماع أن الرئيس المكلف فضل التريث في تقديم تشكيلته سعيا نحو مزيد من المشاورات قائلا: "إن شاء لله خير"، من دون تحديد موعد آخر لتقديم تشكيلته. علما أن هذا اللقاء هو الثالث بين عون وأديب منذ تكليفه في 31 أغسطس.
وفي هذا الإطار، أفاد مراسل فرانس24 في لبنان شربل عبود بأن رئيس الحكومة المكلف لم يقدم أسماء إلى رئيس الجمهورية إفساحا للمجال أمام مزيد من المشاورات. فيما شدد الرئيس على ضرورة تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات، وهو أمر أساسي بالنسبة لعون.
وكانت قد لاحت أجواء "إيجابية" تزامنا مع تشكيل هذه الحكومة. فقد انتظر الشارع اللبناني أن تأتي هذه التشكيلة من خارج أحزاب الطبقة السياسية التقليدية في لبنان وأن تكسر الاحتكارات السياسية والطائفية لبعض الحقائب الذي يستمر منذ سنوات، بحسب صحف لبنانية. كما رجحت وسائل إعلام لبنانية أن تكون حكومة مصغرة لا تضم سوى 14 وزيرا، وهي سابقة في لبنان الذي شُكلت معظم حكوماته من 30 وزيرا.
لكن البعض يرى أن "ايجابيات" هذه الحكومة قد تكون السبب الأساسي في عدم إبصارها النور. فما هي أبرز السيناريوهات السياسية المطروحة أمام تشكيل حكومة جديدة وهل ستشكل حكومة قادرة على إعطاء جرعة أمل للبنانيين؟
تسارعت الأحداث السياسية في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس. وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت في زيارة أولى بعد يومين على وقوع الانفجار حاملا معه إلى اللبنانيين وعدا بالوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم على إنقاذ بلادهم. وفي 10 أغسطس، قدم رئيس الوزراء السابق حسان دياب إستقالة حكومته.
في 31 أغسطس، سمي مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة، قبل يوم واحد من الزيارة الثانية لماكرون إلى بيروت، إذ أمهل السياسيين اللبنانيين 15 يوما لتشكيل الحكومة. وتواصل الضغط السياسي من ماكرون من خلال اتصالاته مع المسؤولين في لبنان لحثهم على تسهيل تشكيل الحكومة.
الضغط السياسي الفرنسي لم يكن معزولا. فقد قامت الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس لافتة إلى أنهما متورطان في قضايا فساد وقدما مساعدات عينية ومالية لحزب الله المدرج على القائمة السوداء الأمريكية. كما أعلنت الخارجية الأمريكية عن لائحة عقوبات جديدة على سياسيين لبنانيين سيعلن عنها هذا الأسبوع. يذكر أن الجانب الأمريكي يركز اهتمامه بشكل خاص على إبعاد حزب الله عن الحكومة الجديدة، وهو ما يزيد التعقيدات في الداخل اللبناني.
ويوم الأحد 13 سبتمبر، أعلن كل من جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر، ونبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، عزوفهما عن المشاركة في هذه الحكومة، بعد أن كان حزباهما في قلب الحكومات السابقة.
لكن رغم تسارع الأحداث والضغوط الدولية والأجواء الإيجابية التي لاحت في الأفق، فمن الظاهر أن تذليل العراقيل أمام تشكيل هذه الحكومة ليس بالأمر السهل.
ويرى العديد من المحللين أن تريث رئيس الحكومة المكلف جاء بشكل أساسي بسبب العراقيل التي تواجهها حكومته، خصوصا أن الطبقة السياسية لا تزال تحاول مواجهة الضغوط الدولية.
فبإمكان رئيس الجمهورية عدم التوقيع على هذه التشكيلة، مما يضع رئيس الحكومة المكلف أمام خيارين: إما تقديم تشكيلة ثانية بعد عملية مشاورات أخرى أو تقديم استقالته، يدعو على إثرها رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس آخر للحكومة.
أما في حال وافق رئيس الجمهورية على التشكيلة وأحالها إلى المجلس النيابي، ستصطدم الحكومة بمجلس مؤلف، في معظمه، من الأحزاب السياسية التي اعتادت على تشكيل الحكومات، وهي مستاءة اليوم من إبعادها عن التشكيلة الجديدة نتيجة الضغوط الخارجية.
وقد أكد الصحافي في فرانس 24 عبدالله العالي أن أطراف داخلية عدة تتحفظ على الشروط التي وضعت لتشكيل هذه الحكومة كأن تكون حكومة خالية من التمثيل الحزبي وأن تكون حكومة مصغرة.
والجدير بالذكر أنه إذا لم تنل التشكيلة الحكومية ثقة المجلس النيابي، ستصبح هذه التشكيلة في موقع حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات محدودة، في انتظار أن تنال حكومة أخرى ثقة المجلس.
لذلك فمن المرجح أن تشهد الساحة اللبنانية مزيدا من التجاذبات بين الأطراف السياسية ومن المتوقع أن تستمر الضغوط الخارجية نظرا للاهتمام البالغ بعملية التشكيل هذه. فهل ستطول عملية التشكيل أم ستتمكن الضغوط الخارجية من إيجاد حل سريع للأزمة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة