دخل الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، مكتبه فى الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم السبت، 8 مارس، مثل هذا اليوم عام 1969، مبتهج الوجه، حسب ما يأتى فى كتاب «نسر مصر، عبدالمنعم رياض، حيا وشهيدا» للكاتب عبدالتواب عبدالحى، مضيفا: «كان عليه أن يلقى محاضرتين على طلبة الكلية الحربية من الضباط العظام، لكنه طلب من اللواء حسن البدرى مدير الكلية الحربية، واعتذر له عن المحاضرتين لانشغاله، وكانت أول مرة يتخلف فيها عن محاضرة له فى الكلية الحربية».
كانت الأوضاع على الجبهة بين قواتنا وقوات العدو الإسرائيلى مشتعلة.. يذكر «عبدالحى»: «فى مكتبه حضر مؤتمرا عاجلا، وتكررت المؤتمرات.. كان شىء خطير يحدث، الجبهة تشتعل بنيران المدفعية، الأخبار تتوالى، تشكيل مصرى واحد شمالى الإسماعيلية يدمر للعدو 5 مرابض صواريخ «أرض أرض»، بطاريتين للمدفعية، والبطارية مشكلة من 6 مدافع، ودبابتين، وعربتين نصف جنزير، وبلدوزر واحد، ورافعة بكباش كانت تعمل فى تجهيز دشمة من دشم خطر بارليف، التشكيل المصرى يسكت كل مواقع مدفعية العدو فى القطاع الإسرائيلى المسؤول حتى يعجز عن مواصلة الضرب، أما التدمير فيعنى إصابة الموقع إصابة مباشرة واشتعال النيران فيه».
تذكر جريدة الأهرام فى عددها يوم 9 مارس 1969 البيان العسكرى عن وقائع ما جرى على الجبهة يوم 8 مارس.. قال البيان: «فى تمام الساعة الحادية عشرة قبل ظهر أمس كانت أربع من طائراتنا المقاتلة تقوم بتدريباتها فوق منطقة القناة، فاعترضها العدو بثمانى طائرات ميراج فوق البحيرات المرة، فاشتبكت معها طائراتنا، وشوهدت طائرة العدو تصطدم بالأرض فى الشاطئ الشرقى للقناة».. وأضافت الأهرام: أن الطائرة المصرية التى فقدت فى المعركة كان يقودها الملازم محمد عبدالباقى أحمد حسن «26 سنة»، هى التى أسقطت طائرة الميراج الإسرائيلية، وأن الملازم عبدالباقى تمكن من القفز بالمظلة وهبط على أرض سيناء».
وأضافت «الأهرام»، أنه بعد نحو 5 ساعات من المعركة الجوية بدأت معركة أخرى بالمدافع الثقيلة من القنطرة إلى السويس، وقالت الأهرام: فى الساعة السادسة مساء أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بيانا قالت فيه: «تكررت اعتداءات العدو ضد قواتنا المسلحة المتمركزة فى قناة السويس، وشوهد العدو صباح اليوم وهو يستعد لأعماله العدوانية، وبدأ العدو فى الساعة الخامسة والنصف مساء ضرب منطقة الإسماعيلية فقامت قواتنا المسلحة بالاشتباك معه فورا بغرض تدمير وإسكات نيرانه».. أضافت الأهرام: «أن العدو جلب تعزيزات كبيرة منها تعزيزات لوحدات من الصواريخ على الضفة الشرقية للقناة، وركزت قواتنا نيرانها على هذه الاحتشادات، واستخدم فى القتال مدافع الهاون ومدفعية الدبابات، ومدافع ثقيلة عيار 106 ملم، واستخدم العدو فى القتال وحدات الصواريخ، حيث أطلق قذيفتى صواريخ على مواقع القنطرة وقذيفة على السويس».
هكذا كانت الأوضاع على الجبهة، وكان الفريق «رياض» يتابعها أولا بأول كعادته منذ أن اختاره جمال عبدالناصر قائدا لأركان حرب القوات المسلحة، مع الفريق محمد فوزى قائدا عاما ثم وزيرا للحربية، وذلك لإعادة بناء الجيش بعد هزيمة 5 يونيو 1967.
كان القتال يدور، وكانت الأقدار تخبئ أن هذا القتال سيحمل معه مفاجأة استشهاد «رياض» بين جنوده على خطوط الجبهة الأمامية فى اليوم التالى «9 مارس 1969».. وحتى وقوع هذا الحدث الجلل كان «رياض» يمضى يوم 8 مارس بين مكتبه وبين مائدة المؤتمرات وفقا لتأكيد «عبدالتواب عبدالحى».. يذكر: «تناول غذاءه فى الرابعة بعد الظهر، تمدد نصف ساعة على السرير السفرى الملاصق لمكتبه، لم تغمض له عين، كان يدخن ويتأمل بعينين زجاجيتين سقف غرفة مكتبه، كان قلقا على مولوده الذى ولد اليوم على ضفاف القناة».
استغرق فى راحته ثلاثين دقيقة، نهض بعدها ليستأنف عمله، وفى العاشرة مساء تناول آخر عشاء له مع ثلاثة من كبار ضباط الأركان فى هيئة العمليات، وبعد العشاء امتد المؤتمر حتى الثانية صباحا، وفى الثانية وعشر دقائق تمدد الفريق رياض على سريره السفرى، ونام بعد نهار طويل.
استيقظ فى صباح اليوم التالى 9 مارس 1969، وحضر مؤتمرا فى مكتب وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى، ثم أبلغ الوزير أنه سيذهب إلى الجبهة.. وذهب إلى الجبهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة