د. محمد عبدالرحمن الضوينى

شهر رمضان وصلة الأرحام

الأربعاء، 12 مارس 2025 08:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد،
فإن الإسلام قد تأسس على نظام أخلاقى متكامل، وبصفته دين الإنسانية يسعى إلى تحقيق التواد والإحسان بين الناس جميعا، وإن مجتمعاتنا لا تزال تعول كثيرا على التآلف والتواصل والتراحم بين أفراد الأسرة والأقارب وذوى الرحم.

وليس للإنسانية - فيما نعلم - عهد بمثل هذه التوجيهات الصالحة نحو تلك القيم الرفيعة والفريدة التى من شأنها أن ترقى بالإنسانية وتسمو بها، حيث توثق بين المرء وذوى رحمه، وتربط بينهم برباط من الحب والمودة والإحسان، ما يسهم فى إيجاد المجتمعات الصالحة، وإنمائها، وتطويرها، والرقى بها.

وتشير بعض الخطابات المعاصرة إلى تراجع بعض القيم والمبادئ الأخلاقية التى اعتاد عليها المجتمع الإسلامى، والتى كانت سمة بارزة له، ومما لا شك فيه أن لهذا التراجع أسباب على رأسها - فى رأينا - اختزال الإسلام فى تدين منقوص يقتصر على أداء العبادات بفهمٍ قاصر لمقاصدها وأهدافها.

ومن مقاصد صوم شهر رمضان المبارك تعزيز التواصل والتراحم بين أفراد الأسرة والأقارب وذوى الرحم، وعلى العبد فى هذا الشهر الكريم أن يُبادر ليضرب بسهم فى أبواب البر، لا سيما أن صلة الأرحام ركن قوى من أركان العلاقات فى الإسلام، فهى أمر شرعى أمرَ الله به يستوجب الطاعة، وقطيعتها نهى إلهى يستوجب الامتناع.

إن الأمر بصلة الأرحام يقف على قدم المساواة مع الأمر بتوحيد الله تعالى، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فعندما جاء رجل إلى سيدنا رسول الله ﷺ وقال يا رسول الله أخبرنى بعمل يُدخلُنى الجنة قال ﷺ: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصل الرَّحِمَ»[أخرجه البخارى ومسلم]،
وجعلها ﷺ من دلائل إيمان المؤمن، ومن أسباب الزيادة فى الرزق والعمر، فقال ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ..» [أخرجه البخارى]، وقال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [أخرجه البخارى]
كما جعَل الله تعالى الوصيَّة بصلة الأرحام قرينةَ الوصيَّة بالتقوى؛ فقال تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» [النساء: 1]؛ أى: اتَّقوا الله تعالى بفِعلِ طاعته وترْك معصيته، واتَّقوا الأرحامَ أن تقطَعوها، ولكن صِلُوها وبرُّوها، فأمَر سبحانه بصلة الأرحام بعد أمرِه بالتقوى، ليدلَّ على أنَّ صلة الرَّحِم أثرٌ من آثار التقوى التى هى المقصد الأسمى والأسنى من صوم شهر رمضان المبارك.

وكما وعد الشرع واصل الرحم بالأجر العظيم، توعد قاطعها بالعقاب الشديد، قالَ ﷺ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» [أخرجه البخارى ومسلم]
وقَالَ أيضًا ﷺ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّل اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِى الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْى وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» [أخرجه ابن ماجة].
وختامًا: فإن صوم رمضان  ليس مجرد عبادة فردية، بل هو وسيلة فعالة لتعزيز صلة الأرحام وتقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، يُذكّرهم بقيم التواصل والتواد والتآخى، ويحثهم على التعاون والتكافل والتراحم، ما يسهم فى بناء مجتمع قوى ومتماسك، ويعزز السلم والاستقرار المجتمعى.

وهو فرصة عظيمة لمن يغفل فضل صلة الرحم، ومن يقصر فيها، ومن يقصد إهمالها، ففى ظل هذه الفرصة يتمكن المؤمن الرشيد من استدراك ما قد فاته أو قَصَّر فيه من حقوق ذوى رحمه، كما يتمكن أيضًا إن كان واصلًا لهم بارًا بهم من الاستزادة من هذا الخير ومضاعفة ما نهض به من البر والصلة والإحسان، وروحانية الشهر الكريم تساعد فى تحقيق ذلك.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة