رأيته غاضبًا ثائرًا، يختنق الكلام فى حلقه، سألته عن السبب قال لى: ابنى طالب فى إحدى كليات القمة، متفوق، حصل على تقدير ممتاز طوال ثلاث سنوات، وفى السنة الرابعة، تم تخفيض تقديراته ومنحه جيد جدًا، هو وثلاثة من زملائه وزميلاته، بينما حصل ثلاثة من أبناء الأساتذة على تقدير ممتاز، وبهذا يتم تفويت الفرصة على ابنى وزملائه ليصبحوا معيدين، ترغرغت عيناه بالدموع وهو يتحدث عن أساتذة يسرقون جهد الطلاب المتفوقين فى الجامعة لصالح أبنائهم المتعثرين البلداء، انفعلت معه وتحدثنا عن الأساتذة الذين وصلوا لمناصبهم بتكافؤ الفرص وأطاحوا به لصالح التوريث فأفسدوا الجامعة.
تعاطفت معه لأنه صاحب حق، كان ناقمًا ثائرًا حزينًا على أن البلد لا يهتم بالكفاءة ولا الموهبة، ولا يقدر التفوق، وحزينًا على مصير البلد الذى تخترقه الواسطة، والجامعات التى أفسدها التوريث.
بعد هذا الحادث أعلن لى الطبيب الكبير أنه قرر أن يكون إيجابيًا، لن أصمت على المهازل التى تقع ،ولن أستمر فى السلبية، انتقد أحوال المستشفيات التى لاتليق ببشر، والشوارع التى تمتلئ بالقمامة والمطبات والحفر، وأحوال التعليم.
انقطعت عنى أخباره شهورا، وعندما قابلته، ابتسم وأقبل على، قال لى: قررت أن أشارك فى الأعمال العامة ،ولن أتوقف عن إبداء رأيى، قلت له «عين العقل»، الإيجابية أمر مهم ومفيد للبلد والصحة ،خاصة أن مشاركة الكفاءات والقدرات والناس المتعلمة الفاهمة، تساعد فى تكوين كوادر، وتشعر أصحاب القرار أن البلد ليس عزبة.
وعندما قابلته بعد عامين أخبرنى أن الوطنى، وظل يشرح لى أن الوطنى حزب حاكم، لديه فكر جديد، يستقطب الكفاءات والمواهب، وأنه سوف يعمل من داخل الحزب ليساهم فى تطوير البلد، تمنيت له التوفيق، وأنا أودعه، وقلت فى نفسى: ربما يكون مفيدًا.
مر وقت وعرفت أنه ترشح ونجح فى انتخابات المحليات وأصبح رئيسًا للمجلس المحلى، تفاءلت بالرجل الفاهم المتعلم الإيجابى، خاصة أن معه فى المجلس أطباء ومعلمين ومهندسين ومحاسبين وموظفين وفلاحين.
مر وقت وبقى الحال على ما هو عليه، أصبح الرجل أكثر ابتسامًا وتفاعلاً مع الفكر الجديد، خاصة أنه نجح فى تعيين ابنه معيدًا بالجامعة، بالفكر الجديد وليس بالتفوق، وبدا لى إيجابيًا أكثر من اللازم.