قانون المرور الموحد، قانون البناء الموحد، قانون دور العبادة الموحد، كلما سمعنا أو قرأنا عن قانون جديد نجده وقد ألحقوا به كلمة الموحد، كدليل على أنه سيطبق على الجميع، مع أن الطبيعى فى كل أرجاء الدنيا أن كلمة قانون تعنى أنه قاعدة عامة مجردة تطبق على جميع المواطنين بلا تفرقة، بمعنى أنه قانون أعمى لا يعرف فاطمة أو مريم، ولا محمود من ميلاد، ويبدو الإصرار على إلحاق كلمة موحد بالقانون جزءًا من إحساس عام بغياب العدالة فى المجتمع، وأن هناك قوانين يعطلها النفوذ، وتفسدها المحسوبية، ونضغط على موحد، لأنه لا شىء موحد، غير العلم والنشيد.
هناك شعور عميق بغياب المساواة، وابن الخفير غير ابن الوزير، وابن القاضى يصبح قاضيا، حتى لو كان فاشلا، وابن الضابط ضابط، وابن أستاذ الجامعة أستاذ، وابن السفير يرث منصب الوالد، فى البنوك - العامة خصوصا - هناك قاعدة أن يتم تعيين الأبناء بعد رحيل الأب أو خروجه على المعاش، لقد وصل الفيروس إلى الفن والأدب والثقافة وكل ركن.. ولا علاقة لهذا بالتفوق أو الكفاءة، أنواع من التعليم تمنح كل واحد على قدر جيبه، وليس على مستوى عقله، والنتيجة حرمان البلد من الكفاءة، والتجديد.
والمثير أن هناك من يتعامل مع توريث المناصب، كأنه أمر طبيعى، لا أحد بين القضاة أو الأكاديميين يتوقف ليقول: لا.. هذا لم يعد أمرا محتملا.القضاء على تكافؤ الفرص، أصبح أمرا طبيعيا فى المجتمع، وكل واحد أصبح يتعامل مع الوظيفة العامة على أنها محل بقالة ورثه، وعليه أن يسلمه لأحد أبنائه أو أقاربه.. ومن هنا بدا الجدب وأصاب التصحر عقل مصر، التى صارت تفتقد الشعور بالمنافسة، أو تفرق بين الأشياء على أساس الجودة.
المجتمع أصابته لعنة، يعود أكثرها إلى حالة التسلط السياسى المزمن، وغياب الحافز على المنافسة على أساس الكفاءة، مع تساوى الفرص، لكن فيروس التسلط أصاب المجتمع، وخلق حالة استسلام لهذا الواقع، تتم تغذيته بتبرير الأمر الواقع، الكل يعارض الدروس الخصوصية لكنه يتعاطاها، ويمنحها شرعية «كل شىء من أجل ولدى»، هناك من هو مستعد لشراء مكان فى كلية الشرطة، ولا يوجد قاض يعارض أن يرث ابنه منصبه، أو عميد كلية يمنع ابنه من احتلال مكان فى الجامعة، وهذا كله يجرى عيانا بيانا وبلا مواربة، كأنه أمر طبيعى، يحتل هؤلاء مواقع قانونية، تمنحهم نفوذا وقوة لا يستحقونها، ويواصلون إفساد المجتمع بنفوذ لم يتعبوا فيه، ولا يستحقونه.
ولو كان هناك قانون موحد لما حدث ذلك، نحن لا نحتاج إلى كلمة «موحد» لتذكرنا بالفوارق، ولسنا فى حاجة إلى زى موحد، بل نحتاج قانونا واحدا للفرص الموحدة والمنافسة العادلة.