قرأتُ خبرا عن تحرّش كلب مصرى «سلوقى» بكلبة إنجليزية «وولف» فى شرم الشيخ. السائحةُ صاحبة الآنسة كلبة استنجدت بأمناء الشرطة فأوسعوا الكلبَ ضربا بالهراوات. فزعتِ السيدةُ وطالبتهم بالتوقف! لكن الأمناءَ كانوا «أمناءَ»، وأبوا إلا أن يؤدوا واجبهم بأمانة، ثم تركوه مضرجا فى دمه ينزف. ومضوا! أضحكنى نصفُ الخبر الأول، وأبكانى النصفُ الثاني. لكن الواقعةَ ذكرتنى بواقعة شبيهة حدثت معى، مع فارق التشبيه. (وأضع عدة خطوط تحت عبارة »مع فارق التشبيه). على أن الفكرةَ واحدةٌ، وهى: «تعاطف المجنى عليه مع الجانى» بسبب قسوة الأمن.
قبل عام سمعتُ طرقا على بابى عند الفجر. وإذا بفرد الأمن بالعمارة يسألنى: هل سُرق منكِ شىء؟ فقلت لا! وحين هممتُ بإغلاق الباب، لمحتُ طرفَ إحدى ملاءات سريرى فى يد شرطيّ يقف عند نهاية السلم! أخذونى لنقطة شرطة الحى وتعرفت على مسروقاتى «القيّمة». ولم تكن سوى عدة ملاءات أخذها شابان من شباب الدليفرى، الخاص بأحد محال الأطعمة بالحى. أفهمنى الصَّبيّان، والدموعُ تطفر من عيونهم، أنهما ليسا لصين، بل هما استعارا تلك الملاءات من حبل غسيلى ليفترشاها ويناما عليها فى إحدى الحدائق درءًا لبرودة الجو. وكانا ينتويان إعادتها مع أول شعاع شمس. وفيما شرع المأمور فى فتح محضر، هممتُ بإلقاء خطبة عصماء حول أن السرقةَ سرقةٌ، ولا يجوز تبريرها تحت أى شرط أو سبب الخ. لكن أمناء النقطة الأشداء قطعوا استرسال خطبتى حين راحوا يلطشون ويركلون الولدين بعنف لم أر مثله! وهباءً راحت محاولاتى للحيلولة دونهم. وفجأة، صرختُ بأعلى صوتى: «توقفوا! أنا لن أقيم محضراً ضد هذين الولديْن، بل سأعمل محضريْن. أحدهما ضد صاحب المحل لأنه لا يوفر شروطا إنسانية لعمّاله ويتركهم ينامون فى العراء، والآخر ضدكم أنتم لأن ما يتم هنا غيرُ قانونى وغيرُ دستورى ومخالفٌ لحقوق الإنسان!». رمقونى بدهشة كأننى مُختلّة أو مخبولة. فأردفتُ: »تصوروا أنكم جعلتمونى، بقسوتكم، أتعاطفُ مع لصوص!« اقتادَ أحدُ العساكر الصبيين إلى الحجز، وراح المأمور يشرحُ لى أن ثمة أساليبَ محددة لا مفرَّ من اتباعها مع الخارجين عن القانون من أجل ترويضهم وإجبارهم على الاعتراف. لكننى لم أهدأ إلا بعدما وعدنى بإطلاق سراحهما ومساءلة ربّ عملهما، ذلك الطامع الذى يجنى من وراء عمالته آلاف الجنيهات يوميا، ثم لا يوفر لهم مأوى يضمُّ أجسادهم المنهكة فى الليل.
رغم هذه الواقعة، ورغم عشرات الوقائع فى الصحف حول قسوة الشرطة مع المواطنين، إلا أن والد صديقتى، وهو أحد المناضلين القدامى من معتقلى 1959، يمازحنى قائلا: «بالعكس، الشرطة الآن تدلّل الناس فى أقسام البوليس، ومش ناقص إلا أن يقدموا لكلِّ مشتبهٍ فيه فنجان نسكافيه! هذا طبعا مقارنةً بما كان يحدث لنا زمان فى السجون والأقسام». والحقيقةُ غائبة. هل نصدق الجرائد؟ أم نعتبرها حوادثَ فرديةً لا تشى بسلوك عام أو ظاهرة؟
لكن الجميل، والحقُّ يُقال، هو ما حدث بعد نشر مقالى قبل أسبوعين فى »اليوم السابع« بعنوان «شىء من الحب والعدل يا حبيب العادلى»، الذى تحدثت فيه عن ضابط شرطة ركلَ مواطنةً فقتلها وأجهض حملها. ولأن ما يعنينى هو الحدثُ وليس «تعيين» الحدثِ، فلم أذكر فى المقال اسمَ الضابط ولا مكانَ الواقعة، سمالوط. وعليه، فقد اتصل مكتب السيد حبيب العادلى برئيس تحرير الجريدة، ثم بى، ليسألنى المقدمُ ياسر عطية، ومن بعده اللواءُ عدلى فايد حول الواقعة. استفسرا إن كانت هى واقعةَ سمالوط المعروفة، والتى يتم التحقيق بشأنها، أم هى واقعة سواها شهدتُها لكى يتم التحقيق فيها؟ أسعدنى أنهم يتابعون، فضلا عن كونهم يهتمون بمظالم الناس وأوجاعهم. فقط أتمنى عليهم، وأنا أدرك مدى صعوبة ما أتمنى، أن يكون ذلك الاهتمام وتلك المتابعة من الشمولية والاتساع بما يكافئ حجمَ مظلّةٍ عملاقة تتسع لأمن وأمان ثمانين مليون مواطن مصريّ. جديرين بالحب والعدل والأمان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة