كان هذا هو حال صديقنا برهام الذى أصابته حالة من الانتشاء الرائع منذ سمع عن برنامج الحكومة الجديد لتوزيع الصكوك، طلق زوجته، وأخرج أبناءه من مدارس الحكومة، واشترى آلة حاسبة، وأجر عشته فى عشوائيات الدويقة بنظام «بى أو تى» واشترى مضرب جولف، ليناسب حالته كصاحب صك، وغير اسم عائلته من سميدع إلى «أبوالصكوك»، وطلبنى فى لقاء عاجل وصفه بأنه «ميتينج» وعندما رآنى أقبل قائلا: أنت مش تعرف الدكتور محمود، كلمهولى، قلت له: محمود مين؟ قال بحماس الدكتور محيى الدين وزير الصكوك، أنا بصراحة عاوز آخد الصك بتاعى فى أتوبيس أو ميكروباص، قلت له: بس الأتوبيسات بره الصكوك والميكروباص خصوصى. قال: خلاص آخده فى مستشفى الحميات علشان الواحد يلاقى سرير ينام عليه لما يجيلو مرض الطيور، أو حتى فى المدرسة عشان أبيع سندوتشات للتلامذة، ولا أقولك: أنا هاخد الصك فى مجلس الشعب علشان أقدر أعين الواد ابنى فراش أو حتى نائب أغلبية، قلت بنفاد صبر: لا الشعب ولا الشورى، دول محجوزين للحزب، قال ليه هو الشعب والشورى تمليك ولا إيجار جديد؟ قلت: قديم. سألنى: باهتمام وتركيز يناسب اللحظة: أنا عاوز نصيبى من الثروة فى مكان كويس، ولو حتى كرسيين وترابيزة على شط المصيف.
برهام كان دائما يحلم بأن يرى اسمه وصورته فى الصحف مع كبار المتعثرين و«فرسان» توظيف الأموال، ويتمنى أن يوصف بأنه طفيلى وانفتاحى، لكن حلمه لم يتحقق، الأمر الذى أصابه باكتئاب، توقف معه عن قراءة صحيفة «الوطنى» وهى عادة لم يقطعها منذ كانت «مايو»، وكان يسميها «بؤونة»، يقرؤها وهو غارق فى الضحك والتفاؤل، ومرة أخبرنى أنه يجمع تصريحات الوزراء، يستبدلها بعبوات الآيس كريم العائلى.
وتصورت أن هذا كله من تأثير عيش العلف الأوكرانى، وكثرة تعرضه لبرامج «التوك شو» والجلوس مع الحمير الوحشية فى حديقة الحيوان.. لكن فشله فى أن يصبح متعثرا أو مجرما أصابه بـ«تلبك نفسى»، حتى رأيته «منشرحا بعد الإعلان عن الصكوك، وتعامل مع نفسه كأحد كبار الملاك، وعندما أخبرته أن كل الأماكن التى يريد التملك فيها خارج البرنامج، لم ييأس، وسرح بخياله وانطلق ليقول: طيب أنا عاوز الصك بتاعى فى العتبة، أنت عارف أن جدى كان هيشترى العتبة الخضرا لولا إسماعيل يس جاب واسطة.
قبل أن أخبره أن إسماعيل يس كان بيمثل، رفع يده على طريقة الدكتور فتحى وقال: خلاص، هات لى صك فى مستشفى العباسية أو حتى فى جنينة الحيوان. ولولا أننى أعلم أن برهام، ضحية «مايو وبؤونة» والعلف الأوكرانى لقلت: «منك لله يا دكتور محمود».