أعترف أننى فى بلبلة مهيبة، ولا أستطيع أن أقول لك شيئاً مهماً فى الموضوع الذى يشغل بالك ويشغل بالى، فأنا لا أمتلك يقين أسامة سرايا وعبدالله كمال ومجدى الجلاد، وجزمهم أن قانون الخصخصة الجديد هو عودة الثروة الوطنية لأصحابها، ولا أمتلك جرأة المعارضين الذين يؤكدون أنه بيع لمصر على طريقة فيلم «عايز حقى»، ولا أمتلك ثقة الذين يقولون إن الخطوة الجديدة هى قفزة فى اتجاه التوريث، كل ما أعرفه أنه قيل لنا - بعد عامين من النقاش فى الظلام بعيدا عن الجميع بمن فيهم غالبية الحزب الوطنى - إنه سيمتلك كل مصرى بلغ 21 عاما، حصة أسهم فى الشركات العامة مجانا، وبدأ التمهيد للموضوع على طريقة بيع البضاعة الصينية فى الموسكى، على سبيل المثال وقف محمد حسن الألفى فى دكان «الوطنى اليوم» أمام البضاعة يدلل عليها قائلا «السهم للمواطن.. يبيعه.. يحتفظ به.. يورثه لمن بعده.. يستثمره هو حر»، وقالوا أيضاً إن الشعب أخيرا سيملك، ومما زاد حيرتى «اللهوجة» فى اتمام الصفقة فعندما سئل أمين لجنة السياسات متى يبدأ تطبيق البرنامج؟ أجاب «بعد إقرار القانون برلمانيا.. والمتوقع أن يُقر بعد مناقشات تستمر من نوفمبر إلى يناير المقبل.. ويتوقع أن تتم عمليات التسجيل والتوزيع فى الفترة من مارس إلى أغسطس 2009.. على أن يكون من المتوقع تداول الأسهم فى البورصة خلال أكتوبر 2009، «روزاليوسف»، هذا فى الوقت الذى قال فيه وزير الدولة للمجالس النيابية والشئون القانونية مفيد شهاب «للدستور»إن نقل ملكية أسهم القطاع العام للمواطنين مجرد أفكار، وأنا شخصياً لم أستوعبها حتى الآن»، رئيس مجلس الشعب قال الثلاثاء الماضى إنه يوجد احتمال مناقشة قانون إدارة أصول الدولة «الخصخصة» فى الدورة البرلمانية القادمة، بينما قال رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس مصطفى السعيد «لا أعرف» «البديل»، رجال القانون أكدوا أن القانون الجديد غير دستورى ووصفه الدكتور محمد الميرغنى - أستاذ القانون الدستورى - بأنه «أكبر جريمة فى حق مصر وشعبها ويهدف للعب دور المحلل لتسهيل بيع ممتلكات الشعب، وأضاف لـ «البديل» السبت «بحسب المعلومات المتاحة حول القانون، أن صكوك الملكية لن تتاح لمن هم أقل من 21 عاماً، أى لن يكون له حق فى الدولة، وهو ما يتعارض مع المبادئ الدستورية التى تنص على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أعمارهم، وأكد كلامه الدكتور عاطف البنا - أستاذ القانون الدستورى أيضاً - أن قصر الملكية على من بلغ 21 عاما، يهدر حقوق نصف الشعب المصرى ويتعارض مع نص المادة 40 من الدستور، وقال إن صندوق الأجيال القادمة لا يغير شيئا، ففكرة الصندوق التى طرحها الحزب الوطنى تقوم على إيداع الصكوك التى لن يقبل عليها أحد وتساءل: «كيف سيترك أحد الصكوك إذا كان التمليك مجانياً؟»، الشريعة أيضا لها رأى وجيه ألمح إليه الفقيه الدستورى إبراهيم درويش عندما قال: «إذا كانت الشريعة ضمنت للجنين الحق فى الميراث، فكيف يسلب المشروع حقوق 40 مليون مصرى لم يبلغوا 21 عاماً» واعتبر الفكرة «على بعضها» شيطانية.
عبدالله كمال اعتبر المعارضين للبرنامج التاريخى لـ «الملكية الشعبية» غوغائيين، وقال بثقة وقوة إن هناك ثلاثة أنواع من ردود الأفعال: الأول الرضا والانبساط، والثانى عدم التصديق والثالث هو عدم الاستيعاب لأن أبعاد المشروع معقدة!،واعتبرت نجلاء ذكرى «أهرام السبت» المشروع «نقلة شطرنج من النوع العبقرى الذى يربك الخصم» على اعتبار الخصوم «وهم الشعب كله» أعداء يجب إرباكهم، ضياء رشوان التقط عدة ملحوظات وجيهة فى «المصرى اليوم»، أهمها أن المشروع يعنى إقرارا علنيا بفشل الطريقة السابقة التى اتبعها مختلف حكومات الحزب الوطنى فى إدارة هذه الأصول، والتى يطلق عليها الخصخصة منذ صدور القانون 203 فى عام 1991، وتساءل: كيف يمكن محاسبة حكومات الحزب المتعاقبة منذ هذا الوقت بعد أن تسببت حسب اعتراف قادة الحزب ولجنة سياساته - فى عرضهم لمزايا المشروع الجديد - فى فشل تلك الخصخصة؟ واعتبر المشروع أنه ترتيب لجمال مبارك، لكى يظهر على أنه الساعى لتحسين أحوال المصريين، وأنه ذروة الحملة السياسية الدعائية لنجل الرئيس ومشروعه الحقيقى لاقتناص منصب رئاسة الدولة، ويرى رشوان أن المشروع لا يمكن النظر إليه سوى بوصفه استخداما «انتهازيا» لأصول الشعب المصرى من أجل إزالة الفجوة الواسعة التى تفصل غالبية أبنائه الساحقة عن نجل الرئيس».. عميد كلية تجارة المنوفية محمد صفوت قابل، من أفضل الذين ناقشوا الموضوع فى «المصرى اليوم» «الجمعة» وطرح سؤالا مهما: كيف تقدم الحكومة على تنفيذ هذا القانون، الذى سيؤدى إلى بيع كل الأصول مرة واحدة، حتى تتخلص من الصداع الدائم من رد فعل الرأى العام على كل صفقة، وهى تدرك أن هذا التوقيت لا يصلح لذلك فى ظل أزمة مالية عالمية، جعلت الدول الكبرى تفرض سيطرتها على العديد من المؤسسات، بينما هنا فى مصر الحكومة ترى بيع كل الأصول مرة واحدة، ونبه قابل إلى هذا الفخ الذى تنصبه الحكومة لتمرير عمليات البيع لكل الأصول، وهو نقل ملكية الشركات إلى المواطنين، وفى الوقت نفسه للمواطن حرية التصرف فى تلك الأسهم من أول يوم لتملكها، وهو ما سيؤدى فى الواقع إلى نقل الملكية عبر المواطنين إلى من تعرفهم الحكومة من رجال الأعمال والأجانب، ولا يستطيع أحد الاعتراض، فالمواطن هو الذى باع وفق المقولة «كل واحد حر فيما يملك»، أحمد السيد النجار قال فى «الأهرام الخميس» إذا كانت الحكومة معنية حقا بتحقيق وعد الرئيس بالعدالة، فليست الطريقة إعطاءهم صكوكا فى شركات القطاع العام تجعلهم مجرد محلل، أو وسيط ناقل للملكية إلى الرأسمالية الكبيرة.. إذا كانت الحكومة معنية بالعدالة فيمكنها أن تعطى المواطنين حصصاً سنوية من ريع الموارد الطبيعية، من النفط والغاز من ريع مشروع بالغ القدم هو قناة السويس». الموضوع صعب.. وحكومة الأغنياء هذه لا تحب الفقراء، وتكره المرضى والعجائز وأطفال المدارس الحكومية والعمال والفلاحين.. فكيف نصدق أنها تريد لهم الخير؟.