فى الأيام الفائتة ازدحمت الصحف بالكلام عن توزيع عائدات بيع القطاع العام على المواطنين، بعد «تشفير» محاكمة الفساد، وكشفت «البديل» كوارث مافيا نقل الأعضاء والاتجار بها، فى الوقت الذى حذرت فيه «المصور» من وجود أزمة جثث فى كليات الطب، بحيث أصبح لكل 150 طالبا جثة واحدة «المعدل الطبيعى العالمى جثة لكل ستة طلاب»، وتم الإعلان عن سرقة 63 كتابا نادرا من مكتبة كلية دار العلوم، وظهرت بوادر خصخصة التعليم العالى، بعد تقدم الحكومة بمشروع «القانون الجديد للجامعات الأهلية»، الذى يسعى إلى تحويل الجامعات الحكومية إلى جامعات أهلية، وزير التعليم العالى هانى هلال قال أمام لجنة التعليم الثلاثاء الماضى إن الجامعات الحكومية تستوعب حاليا 1.7 مليون طالب وبلغ عدد الجامعات الخاصة 17 جامعة لم تستوعب أكثر من 50 ألف طالب، النائب سعد عبود اعتبر المشروع الجديد خدمة لرجال الأعمال على حساب خريجى الجامعات الحكومية «الذين لن يجدوا فرصة عمل أمام طغيان خريجى الجامعات الأهلية والخاصة وسيتحولون لعمال تراحيل وحلاقين»، المؤكد أن المشروع الجديد يخالف المواد من 18 إلى 20 من الدستور التى تنص على مجانية التعليم.. هذه المقدمة الطويلة «الجافة» دفعتنى لها مظاهرة، مجرد مظاهرة من عشرات المظاهرات التى تحتفى بها الصحف المستقلة والمعارضة كل يوم، مظاهرة طلاب لا يطالبون بإسقاط نظام الحكم، مظاهرة لم «يركبها» الإخوان لمصادرة المستقبل ولم يخطط لها الشيوعيون ولا الناصريون، مظاهرة يطالب فيها الطلبة بتخفيض «المصروفات».. فماذا حدث فيها؟
المظاهرة دعت إليها حركة «حقى» الطلابية اعتراضا على زيادة المصروفات وللمطالبة بمجانية التعليم والسكن فى المدينة الجامعية وتوفير وجبة غذائية رخيصة ومكان فى المدرجات، وهذه «طلبات» مشروعة، ولا تستدعى هذا الكم من الحشود الأمنية، الهتافات لم تكن «قليلة الذوق» كانت فطرية وصادقة «يا وزير رد علينا المصاريف تعبت أهالينا»، «هانى هلال يا هانى هلال عايزين مصاريف على قد الحال»، المصاريف التى يقرها قانون الجامعات هى 12 جنيها ونصف لطلاب الانتظام و14 جنيها لطلاب الانتساب، وصلت إلى 200 جنيه للفئة الأولى و500 جنيه للفئة الثانية، ودعت حركة «حقى» أيضا إلى إخراج أفراد الأمن من الحرم الجامعى وهذا أيضا حق مشروع، المؤسف فى الموضوع - وهذا ما آلمنى - كيف تم التعامل مع هؤلاء، لم تتدخل قوات الأمن لفض المظاهرة، ولكن الأعضاء المنتخبين لاتحاد طلاب الجامعة قاموا بالواجب، فنظموا مظاهرة «تشويش» على أصحاب الحق الأصليين تهتف للنادى الأهلى احتفالا بفوزه الغالى على القطن الكاميرونى، رافعين أعلام مصر، أو كانوا يظنون أنهم يحملون أعلام مصر، لأن الأعلام التى رفعوها هى أعلام الهيئة المصرية للكتاب كما ذكرت «البديل» الخميس وكان هتافهم «دلع عينى دلع.. الأهلى عملها وخلع».. هذه الواقعة تؤكد أنه تم تجريف روح المقاومة فى الجامعة، وأن تاريخ اتحادات الطلاب يداس، وأن «النقاء» الذى جعل الحركة الطلابية فى طليعة الوجدان بات مهددا فكيف يتم انتخاب طلاب يقفون ضد حقوق الذين انتخبوهم، وأين؟.. فى جامعة القاهرة «الوطنية» وزير التعليم العالى يعتبر الطلاب عبئا على الدولة ولم لا وهو لايزال رئيسا لإحدى الجامعات الخاصة وهى جامعة «سنجور» بالإسكندرية، رغم إعلانه فى 2006 أنه سيتخلى عن منصبه هذا، وكشفت «الأهالى» أنه سافر الأسبوع قبل الماضى إلى باريس بشكل غير معلن لحضور اجتماع مجلس إدارة جامعة «سنجور» ولم لا؟ فوزير الصحة مستثمر فى الصحة ووزير السياحة مستثمر فى السياحة ووزير النقل مستثمر فى النقل.. وامتهان حقوق الطلبة ليس المشكلة الوحيدة، لأن الثقة فى الأساتذة انعدمت هى الأخرى، فهل يعقل أن يطرح تطوير ميدان رمسيس فى مسابقة دولية ويتم رصد مبلغ 225 ألف دولار جوائز، من جيب المواطنين، «فاروق حسنى عينه على اليونسكو، على عينى وراسى»..
ولكن هذه المسابقة إهانة للمعماريين المصريين، الذين يوجد بينهم عباقرة، واختيار أحد المكاتب الاستشارية العالمية لتنفيذ هذا المشروع جعل ممدوح حمزة يقول لـ«المصرى اليوم» الأكرم والأفضل للحكومة إغلاق أقسام العمارة فى كليات الهندسة، وأضاف «لا أعرف معنى لهذه المسابقة، ونحن لدينا كلية للهندسة وأقسام للعمارة والتخطيط منذ 1816».
الحكومة يبدو أنها تحكم بلدا آخر، يشعر83 % من سكانه بالسعادة «إحصائية مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء» وأن 98 % أعربوا عن فخرهم بشدة بأنهم مصريون «إحصائية أخرى» فى الأسبوع نفسه للمركز نفسه الذى يقع قرب «قصر العينى».. الذى يعانى من مشكلة فى الجثث.