أكرم القصاص - علا الشافعي

كريم عبد السلام

أمراض المقهورين

الجمعة، 07 نوفمبر 2008 10:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين يوم وليلة أصبحت قضية نهى رشدى فتاة مصر الجديدة التى قاومت التحرش, قضية رأى عام, ليس لأنها أول قضية تحرش جنسى تنظرها المحاكم المصرية وتصدر فيها حكماً بالحبس على المتهم بالتحرش, ولا لكونها تمثل فرصة مناسبة حتى يقف حكماء هذا المجتمع أمام حالة الانفلات الأخلاقى والقيمى فى الشارع المصرى لدراسة أسبابه ووضع الحلول المناسبة له, ولكنها أصبحت قضية رأى عام وانقسم حولها الناس, بسبب ميراث القهر والتخلف فى أدمغة الكثيرين, الميراث الذى يدفع البعض إلى اتهام نهى رشدى مبدئياً بأنها استفزت المتحرش بها لأنها غير محجبة, ويدفع البعض الآخر إلى القفز على الوقائع الثابتة للقضية كما وردت فى شهادة الشهود وتحقيقات النيابة وحيثيات حكم القضاء, واتهام الضحية مرة بأنها إسرائيلية, ومرة بأنها تهدف إلى الظهور الإعلامى، ومرة ثالثة بأنها اعتادت هذا النوع من القضايا وكأنها "مدمنة تحرش" أى أنها فى النهاية هى المسئولة عن إثارة وتحفيز الرجال المساكين ليتحرشوا بها.

إذا استعرضنا وقائع القضية نجد أنها تتلخص فى نقاط شديدة الوضوح.

أولاً: فتاة تسير فى الشارع، فى ظل القانون الذى تضمنه الدولة والعرف الذى يضمنه المجتمع.

ثانياً: مواطن يخالف القانون ويرتكب جريمة هتك عرض للفتاة, كما يخالف العرف الاجتماعى بضرورة أن يحافظ الرجال بشهامتهم على سلامة النساء والأطفال ضد أى خطر أو اعتداء قد يطالهما.

ثالثاً: حاول المواطن المخالف للقانون والعرف الهروب بجريمته. لكن الظروف وشجاعة الضحية حالتا دون هروبه, ونجحت الضحية بمساعدة بعض شهود الجريمة فى تحرير محضر بالواقعة ضد المتهم.

رابعاً: سارت الإجراءات القانونية فى طريقها المعتاد وتحول المحضر إلى النيابة التى باشرت تحقيقاتها وأوصت بإدانة المتهم وعندما تم نظر القضية أمام المحكمة قضت وفقاً للوقائع والبيانات والتحقيقات وشهادات الشهود بحبس المتهم لثبوت ارتكابه جريمة هتك العرض بحق الضحية نهى رشدى.

خامساً: وجدت الضحية نهى رشدى كثيراً من التشجيع والتقدير قبل نظر القضية, لكنها واجهت أيضاً كثيراً من الاتهامات المغلوطة وليدة الفكر المشوه والمنطق المعوج, مثل أنها هى المسئولة عن تحرش المتهم بها أو أنها لو كانت تسير باحترام ما كان وقع لها ما وقع أو أنها غير محجبة.. إلخ.

سادساً: قبل إصدار المحكمة حكمها فى القضية أدلت الضحية بحوار لموقع اليوم السابع تحولت معه قضيتها إلى مادة إعلامية ساخنة واستضافتها العديد من الفضائيات إعجاباً بشجاعتها وقدرتها على الصمود فى وجه الاعتداء عليها, ولكن بعد صدور الحكم الذى أنصفها وأدان المعتدى, وجه لها بعض الذين ساندوها الاتهامات.

سابعاً: الاتهامات التى تم توجيهها إليها كانت اتهامات غريبة لا علاقة لها بما تعرضت له, مثل أنها من عرب 48 أو أنها تحب الظهور فى وسائل الإعلام, أو أنها صاحبة سوابق فى الذهاب بالمتحرشين بها إلى القضاء, وهى اتهامات بحد ذاتها تستحق الوقوف أمامها بالتحليل لمعرفة كيف تفكر قطاعات عديدة فى المجتمع، فهل كونها من عرب 48 يكون حلالا فيها التحرش والانتهاك مثلا؟ ولماذا تم تفسير ظهورها المتكرر فى وسائل الإعلام بمعناه السلبى وليس بمعناه الإيجابى الذى يكشف مثلا عن وعيها بقضية التحرش وتوجهها نحو تشجيع السيدات اللائى يتعرضن للتحرش والانتهاك، إلى المواجهة بدلاً من استسلامهن خوفاً من الفضيحة، وكأن الفضيحة هى قدر السيدات وحدهن فى مجتمعاتنا العربية، كما لامها البعض على أنها معتادة على قضايا التحرش، أى أنها تمضى بمن يتحرش بها إلى القسم والمحكمة، وهو منطق مقلوب تماماً وكأن لكل فتاة أو سيدة الحق فى الشكوى مرة واحدة، أو رفع قضية واحدة ضد المتحرشين بها، وحتى لو تعرضت للاغتصاب بعد ذلك فعليها أن تخرس خالص حتى لا يقال عنها "متعودة دايماً"!

قضية نهى رشدى إذن تعكس الخلل القيمى والأخلاقى فى الشارع المصرى كما تعكس وجود الرادع القانونى والتشريعى لدينا وإمكانية تفعيله إذا وجد الطرق الملائمة، كما تمثل فى الحكم الصادر بحق المتهم بالتحرش, لكنها تحولت إلى قضية ملتبسة، تثير الجدل والانقسام فى المجتمع وتغذى النزوع إلى اختصار الأحداث المهمة إلى غبار كثيف من الكلام الفارغ ثم يهدأ غبار الكلام دون أن نستفيد من الحدث الهام ليكون منطلقاً للتغيير للأفضل وإلى معالجة الخلل فى المجتمع بما يمنع تكراره, كما هو حال المجتمعات الحية, فماذا يمكن أن نسمى ذلك؟

نسميه أحد أمراض مجتمع المقهورين، مرض لوم الضحية والتعاطف مع الجانى, أى جانٍ, لمجرد امتلاكه لقوة الاعتداء, وهى القوة التى يفتقدها الذين اعتادوا على القهر حتى قبلوه, ولم يعودوا يمارسوا أى نوع من المقاومة له بما فيها المقاومة النفسية, وعندما يتمكن مرض لوم الضحية والتعاطف مع المعتدين أى قبول القهر واستمرائه من المجتمع, فإن أول ما يفسد فيه هو نظامه القيمى والأخلاقى وتسوده حالة من التشوه القيّمى، ومنها مثلاً حالات انتهاك الأطفال جنسياً وزنا المحارم والتحرش الفج بالنساء فى الشوارع، وصولاً إلى تبنى شطحات شاذة مثل طقوس تبادل الزوجات التى تم الكشف عن إحداها مؤخراً.. هل ينتبه حكماء المجتمع؟.. هل ينتبه القائمون على الأمور؟ اللهم آمين.

لمعلوماتك

64.1% من المصريات، يتعرضن للتحرش بصفة يومية.
33.9% يتعرضن للتحرش أكثر من مرة.
10.9% يتعرضن للتحرش بصفة أسبوعية.
3.9% يتعرضن للتحرش بصفة شهرية.
72% ممن يتعرضن للتحرش من المحجبات.
2% فقط منهن يلجأن إلى الشرطة عند تعرضهن للتحرش.

المصدر: دراسة للمركز المصرى لحقوق المرأة عن التحرش الجنسى تحت عنوان "غيوم فى سماء مصر".








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة