شعرت بسعادة بالغة عندما رأيت إعلان وزارة المالية عن اختراع ختم نسر جديد لشعار الجمهورية بالليزر، ومنحه رقما كوديا يمنع تزويره، ويستخدم أحبارا ملونة. شعرت بأننا فعلا نسير فى طريق العصر الحديث.
الختم الجديد بالألوان، وعلينا أن نتخيل ورقة مختومة باللون الفوشيا أو البرتقالى، بدلا من اللونين الأزرق والأسود التقليديين اللذين لم يعودا مناسبين للعصر.. نعم آن الأوان لنستمتع بثمار التكنولوجيا الحديثة. نحن فعلا بحاجة لختم حديث حتى لو كنا نتحدث عن حكومة إلكترونية، يفترض أنها تسعى لإلغاء الأوراق والأختام ونقلها إلى المتحف.
وقلت لنفسى إن الدول الخائبة التى ألغت الأختام تعرضت لأزمة عالمية ضربت أركانها، وهزت عروشها المالية، بينما حكومتنا خرجت تتباهى بأن «الإجراءات« هى التى حمتنا من الهزات المالية، وأبعدت عنا شبح الانهيارات العقارية والمالية.
قضيت وقتا من السعادة، وأنا أتخيل أوراقى مختومة بالخاتم الجديد لشعار الجمهورية بألوانه المبهجة، وتذكرت خطة الحكومة لمنح المواطنين بطاقات تموين مدعومة إلكترونيا، يمكنهم بها صرف المقررات التموينية من ماكينات الفيزا.
لكن السعادة لم تكتمل، فقد اكتشفنا أننا لسنا بعيدين عن الأزمة المالية العالمية، وأخبرتنا الحكومة أنها تجهز لخطة مواجهة حصيفة، يومها حزنت على ختم النسر الجديد الذى اتضح أنه غير مفيد فى علاج «نزلات الأزمات المالية».
كدت أفقد الثقة فى الختم، حتى فاجأنا انقطاع كابلات الإنترنت، يوم الجمعة لنعيش فى ظلام دامس طوال يومين تقريبا، لقد اتضح أن الإنترنت أصبح مثل الكهرباء، من الصعب التخلى عنه، وقد ارتبطت حياتنا به، ويتسبب انقطاعه فى كوارث اقتصادية وإعلامية واجتماعية.
ببساطة نحن لا نملك من أمر نفسنا شيئا فى هذا الأمر، فالإنترنت ينتج فى الولايات المتحدة -فعليا كل الخوادم والمخازن هناك- ويأتينا فى كابلات عبر البحار والمحيطات، ومن السهل أن ينقطع الكابل أو تتوقف الخدمة.
المسئولون فى الاتصالات أكدوا أنهم يسعون لتوصيل كابلات من جهات أخرى فى آسيا مثلا لتعويض انقطاع الكابلات، لكن تبقى مشكلة بسيطة، أن طبيعة الإنترنت أنها متصلة, يعنى من الصعب توليد الخدمة مثل الكهرباء أو تحليتها كالماء، ولا يمكننا أن نعلن استغناءنا عنها.
كل هذه الهواجس ضيعت فرحتى بخاتم النسر «الليزرى الجديد»، لكنه عاد ولمع فى رأسى، حيث إننا يمكننا فى حالة انتهاء الإنترنت أن نكتفى بالختم الجديد الملون. الذى يمكن أن يكون أيقونتنا فى مواجهة الأزمة العالمية.