نعرفهم ولا نخطئ فى الإشارة إليهم، نراهم فلا نكاد ننظر فى أعينهم حتى نلحظ الزيف ينضح منها، نحتار ونتساءل ما الذى يسرى فى عروقهم؟ ماء أم دماء؟
من الناحية البيلوجية هم ينتمون إلى "البشر"! ومن الناحية المهنية ينتمون إلى مهنة "كتبة التقارير" التى تتخذ أشكالاً متعددة طبقاً لاختلاف العصور، أما الناحية الفكرية هم لا ينتمون إلى شىء، شعارهم الدائم هو "على حزب الريح ما يودى الريح ما يودى الريح .. ما يودى"، بسهولة كبير تقدر أن تلمحهم فى كتب التاريخ يملئون كل العصور، ويمارسون نفس الأدوار، وكأنهم "راضعين" من أم واحدة، أو "مذاكرين" فى كتاب واحد، هم ثقوب فى قلب الأوطان وصحفها القومية، وتصلب فى شرايينها، وجلطات فى أوردتها، لا يستحون ولهذا يفعلون ما يشاءون.
هم لا يعرفون أن الزمن تغير، وأن وعى الناس أصبح على درجة من النضوج تسمح لهم بأن يكذبوا الكذاب، ويدينوا المنافق، ويجرموا منتهكى الأعراض وكل هماز مشاء بنميم.
ينسون أن ما أخذته الناس بالقوة لا يقدر أحد أن يسلبهم إياه، والناس عرفت كيف تقول للأعور "أنت أعور"، والغريب أن هذا الأعور العارى يتباه بعورته، ولا يسترها، ولا يخجل من التلميح مرة، والتصريح مرات بأنه رهن الإشارة "اضرب يا ذكى قدره يضرب ذكى قدره، اشتم يا ذكى قدره يشتم ذكى قدره" و"ذكى قدره" العصر الحالى، ليس ذكياً على الإطلاق، فعل الأقل لو كان يتمتع بقدر من الذكاء كان يخفى رغبته العارمة فى تولى مناصب أكبر وأهم، ويقدم نفسه إلى مرؤوسيه باعتباره خادماً أميناً لأفكارهم وقضاياهم وأغراضهم، ويترك لهم الحكم، لكنه ـ البعيد ـ لا يفعل، لأن هاجس الغدر الذى يتقنه دائما ما يحوطه، ولهذا يطمع فى الأكثر، مضحيا بكل ما كان ينادى به، وكل ما كان يدعيه من مبادئ.
صلاحيته "ذكى قدره" لا توشك على النفاد فهو صالح لكل الأنظمة ورديف كل الحكام، ورصيده من الشتائم يكفى لإغراق كل المعارضين وغير المعارضين، مرة يشتم خصومه داخل النظام، ومرات يشتم المارقين عنه، لا يتورع أبداً فى الهجوم الجماعى والفردى، والجميع مراقب وتحت التهديد، تجده يدعى مرة أنه من الليبراليين التنويريين، فيدعو إلى التفتح وعدم الانغلاق ومقارعة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، لكن حينما يتأكد من ضعف أسبابه وقلة حيلته يتحول إلى "عمة" ناصعة، فيصف خصوم النظام بالكفرة، ويصف معارضيه بالمتهتكين.
"الأعراض" عند "ذكى قدره" هى مرتعه الوافر، يخوض فيها مثل "السكين فى الزبدة" فلا مانع عنده من نهشها واتهامها، ناسيا أن الخصومة شرف، والوضاعة من سمة الضعفاء، مرة يتهم ناشطات المعارضة بأنهن غوانٍ، ومرة أخرى يتهمهن فى شرف بأقذع التهم، ولهذا استحق عن جدارة لقب "متحرش الصحفى".
الفشل له معان كثيرة ودلائل أكثر، وكل هذه المعانى والدلائل متحققة فى "ذكى قدره"، وهو الوحيد الذى لا يعترف بتدنيه وتملكه وحده لا شريك له ذيل أية قائمة سوداء، سواء مهنية أو أخلاقية، نسى فضل أساتذته عليه وتخيل أنه حينما يشتم معلميه ينال بركة أسياده، لكن ـ أغلب الظن الآن ـ أن الأسياد يرونه الآن حمولة زائدة، سيتخلصون منها فى أسرع وقت، فهو الآن مثل الأسلحة الفاسدة، ومثل الدبة التى قتلت صاحبها، وصاحبها ليس بالغباء الذى يجعله منتظراً لمقتله على أيدى أمثاله.
الأرقام عدوة "ذكى قدره" الأولى، فإن أردت أن تحرق دمه اذكر له أرقام توزيع صحيفته، وقل له لماذا أيها الصحفى الهمام لماذا لا يقرأ أحد ما تكتبه، ولا يعرفك إلا مرؤوسيك الذين هبطت عليهم بالباراشوت، وأسيادك الذين يريدون التخلص منك اليوم قبل غد، إلا أن الاعتراف بالهزيمة مر، وأصعب شىء على الصانع أن يكسر ما صنعه، لكن إن جاءهم الطوفان سيضعونك تحت الرجلين لا شك.
بضعة مئات هو رقم توزيع الجريدة التى يرأس تحريرها "ذكى قدره"، ولو امتلكت الأمر لصورته بجوار هذا الرقم كما يصور المساجين والمشبوهون، وبحسبة بسيطة لا نجد لـ "ذكى قدره" الشهير أصدقاء أو أعداء، فلا أحد يأمن له لكى يضعه موضع الصديق، ولا أحد يعترف به لكى يكسبه شرف العداوة، ولا أحد يأمن على جريدته ليجعله أحد صحفييها، ولا أحد يعرف لصالح من يعمل "ذكى قدره" فهو ضد الشعب، وضد زملائه فى المهنة، وضد النظام الحاكم الذى أساء ويسئ إليه، وضد نفسه وأولاده وجيرانه والمجتمع والناس، وفى زحام شتائمه ومهاتراته، نسينا أن نسأل: من هو ذكى قدره؟