شهيدتان؟. قالها بمزيج من الاستخفاف والدهشة. كان يرد على وصف الفتاتين هبة ونادين اللتين قتلتا بشكل بشع فى حى الندى بالشيخ زايد. هبة هى ابنة الفنانة ليلى غفران ورجل الأعمال إبراهيم العقاد. وجود فنانة فى الصورة يمنح الحادث ميزة إضافية. ويسهل وضع العناوين.نادين فتاة تعيش وحدها فى فيلا أو شقة فاخرة وتتلقى مصروفا شهريا ضخما من والدها المسافر المنفصل عن أمها. زواج عرفى ورسمى وسهرات وعلاقات، وإدمان. عناصر محفزة لإعادة التحليل واتهام الثراء بأنه أصل الشرور. مع هز الأكتاف، و«شوف الفلوس بتعمل إيه».
الاعتراض على وصف هبة ونادين بأنهما شهيدتان. يعيد التذكير بشبابنا الغارق فى بحار الغربة والمشكوك فى شهادته بفتوى المفتى. الشهادة حكم اجتماعى وليس دينيا. الشهيد ضحية الظلم. هبة وصديقتها من هذا المنطلق شهيدتان، لجحود الأهل، الأب والأم، وللظلم الذى لا دخل لأحدهما به. صحت كل منهما لتجد نفسها بين أبوين كل منهما فى طرف. اكتفى كل طرف بمنح الابنة مالا وفيرا وكما قال والد نادين: كنت أمنحها مصروفا لتعيش برفاهية.
تصور الأب أنه يبرئ نفسه، لأنه يمنح ابنته عشرة آلاف جنيه، لا يعرف أن المال تعبير عن الأبوة والأمومة لكنه ليس بديلا عنها. وأحيانا يتحول المال الوفير إلى شر. ربما كان الحنان وحده مع الفقر لا يكفى، لكنه أفضل من مال بارد يحمله البريد.. الحنان هو الذى يمنح المال قدرته على إسعاد الأبناء، والبنات. وإذا غاب الأهل من الطبيعى أن تحاول البنت كسر وحدتها بعلاقات مشروعة أو محرمة، أو مشروعة تقود إلى ماهو خارج الشرعية.
نعم شهيدتان.. لقسوة قد تبدو غير مقصودة، تجنى الندم. كان من الممكن أن تموت الفتاتان قتلا فى الطريق أو فى حادث يثير نفس أحزان الأب والأم. لكن الحزن هنا أشد يجعلنا نتعاطف مع مشاعر الأبوين. الحزن يضاعفه الشعور بالتقصير. سيصرخ الأب والأم: لو.. لكن الفرصة تأتى مرة واحدة. الموت والحياة مشاهد ليست فيها إعادة.
من قتل نادين وهبة؟. بعد ساعات أو أيام سيظهر القاتل، من بين المعارف والأصدقاء، من دفعته شهوة الانتقام لتوجيه كل هذه الطعنات لجسدى الفتاتين الضعيفتين اللتين قتلهما الإهمال. نزفت نادين وهبة وكل منهما تصرخ، وتحلم باأ تكون فى أحضان أب أو أم، تفتقدهما، ولاتجد أيا منهما. فتاتان وحيدتان فى مواجهة طعنات الانتقام. ومازلت تسأل من قتلهما.. وهل هما شهيدتان؟..
شهيدتان طبعا.