أضاعت قناة "الجزيرة"سبقاً إعلامياً كبيراً حين تجاهلت زيارة تسيبى ليفنى، وزيرة خارجية إسرائيل إلى قطر، ولا أحد يعلم حتى الآن سبب هذا الإخفاق، هل لم يتناه إلى مسامع مركز الأخبار فى المحطة الإخبارية العربية الأكثر شهرة أن وزيرة خارجية إسرائيل تزور الدوحة؟ أم أن الاهتمام بزياراتها لدول عربية لم يعد محط اهتمام القناة التى تعادى التطبيع؟
المفارقة أن "الجزيرة" بدأت مبكراً إحياء الذكرى الستين لنكبة 1948، أو كما يرد على لسان مذيعيها "ما يطلق عليه النكبة"، وفى الحقيقة هى ليست مفارقة، هى تكفير عن ذنب على أقل تقدير، أو لفتاً للأنظار بعيداً عن "فضيحة" التجاهل لتواجد ليفنى على الأرض نفسها التى تنطلق منها القناة "المحايدة" التى تدافع عن حمى "العروبة" و "الإسلام".
وليست هى المرة الأولى التى تبتعد فيها "الجزيرة" عن "الحياد" الإعلامى، لتنضوى تحت لواء المصالح القطرية، فيكفى أن قطر هى الدولة العربية الوحيدة تقريباً، التى لا نسمع عنها "حس ولا خبر" على الشاشة التى تصل إلى أدغال إفريقيا، والكواليس السرية للإرهابيين، لكن يبدو أن النقل بالصوت والصورة لما حدث خارج المحاكمة العسكرية لقيادات جماعة الإخوان، التى وقعت فى ضاحية بعيدة عن القاهرة، أسهل بكثير من نقل زيارة رسمية وقعت فى الدوحة التى تقل مساحتها عن 160 كيلو متر مربع، أى أن محل إقامة الوزيرة، ومحل تواجدها فى منتدى الديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة "الذى تنظمه قطر"، لم يكن يبعد عدة كيلومترات عن مقر القناة.
لم تكن الزيارة حتى موضوعاً لبرنامج "ما وراء الخبر" يومها، والذى رأى من قريب، أن طوابير الخبز المصرية، تستحق أن يفرد لها حلقة كاملة، ليعرضها على الرأى العام العربى، فى حين أن زيارة ليفنى ذلك اليوم ليست أهم أحداثه.
لم تكن الزيارة أيضاً موضوعاً لبرنامج "الاتجاه المعاكس" الذى أذيع فى اليوم التالى، رغم أنه فى حلقة الأسبوع السابق، كان فيصل القاسم يعتبر انتشار اللهجات العربية على حساب اللغة الأم هو مقدمة لـ"سايكس بيكو" جديدة، تهدف إلى تقسيم المنطقة العربية، لكن ليفنى لم تكن تستهدف ذلك بالطبع، وإلا لأفرد لها القاسم حلقة خاصة، تلعن أجداد من استضافوها، إلا أن القاسم أدرى بالطبع، فهو لا يتوقف عن لعن التطبيع والمطبعين، سواء كان ضمن موضوع الحلقة أم لا، وإذا كان يرى أن لقاء وزيرة خارجية إسرائيل بأمير قطر، ورئيس وزرائها لا يحمل دلالات تطبيعية، فهو الأعلم، فهدف اللقاء كان بريئاً، "تهدئة الأوضاع فى غزة، والبحث فى دور العالم العربى فى عملية السلام".
"الجزيرة" لم ترد أن تعكر صفو العلاقات بعد اللقاء الذى وصفه الجانب الإسرائيلى أنه كان "مثمراً جداً"، خاصة بعد أن تناولت ليفنى الغذاء فى قصر حاكم قطر، وأصبح بينهما "عيش وملح".
بدأت "الجزيرة" إحياء ذكرى "النكبة قبل أى محطة أخرى، وقبل شهر كامل من حلول الذكرى، هل تحييها إيماناً بحق ضائع؟ أم أن خناجر تستعد لتنطلق فى الظهر؟
"الحياد الإعلامى" يمكن تجاهله بحرفية، كما فعلت "الجزيرة"، وبسذاجة، كما تفعل القنوات المصرية، ففى الوقت الذى أذيع فيه على القنوات الأخرى أن إسرائيل ستعود إلى إمداد غزة بالوقود ما عدا ما يستخدم فى المواصلات، كان الخبر فى شريط أخبار "النيل"، قناة مصر الإخبارية، يعلن أن إسرائيل تستأنف إمداد غزة بالوقود، وحسب، على اعتبار أن مشاهدى قناة "النيل" لن يشاهدوا غيرها، ولن يعرفوا تفاصيلاً أكثر، وليست هذه حادثة عابرة، ففى حين أن خبر "المجاعة العالمية" لم تستطع محطة تجاهله، نجد الأفق المحدود فى التناول على شاشة "النيل" الإخبارية، يحولها إلى أزمة غذاء داخلية، ولا يتم إبراز البعد العالمى، رغبة فى الاستعانة بالوضع على مستوى العالم، لتبرير الغلاء فى مصر، وطبعاً تغفل التغطيات فى هذه الحالة إبراز الإجراءات التى تتخذها الدول للحد من آثاره على مواطنيها، وحينها تحتار فى تفسير الأمر، هل هى سياسة مدروسة؟ أم أنها سذاجة إعلامية؟
وحدها قناة "الحرة" تتجاهل الحياد الإعلامى علناً، لا تدعى كونها منحازة للعرب، تتحدث بلسان إمريكى وإن بدا عربياً، فيظهر على شاشتها من يسخر من غضب المصريين لما لاقاه البابا شنودة فى مطار هيثرو، ويتساءل ما الذى سيلقاه لو أنه طلب زيارة مكة.