ماذا يفيد حرق المحلات والتخريب و"تخليع فلنكات القطارات" ونزيف دماء المصريين؟
ما حدث يوم 6 أبريل وبشكل خاص فى المحلة، لا علاقة له بأى عمل سياسى، ليس إضراباً ولا عصياناً مدنياً ولا أى شىء.. إنه الغضب، سببه النظام الحاكم، وتحول إلى فوضى مدمرة، حرائق لن يحتملها حتى هؤلاء الذين دعوا إليها، ودفعوا فى اتجاهها.. وسوف يخسر الجميع، الشعب بكل فئاته، بل وبشكل خاص الفقراء، وحتى قوى المعارضة.
فأى حركة احتجاجية من أى نوع: اعتصام، إضراب، عصيان وغيرها، لابد أن يتوافر فيها شرطان، الأول هو أن تكون على درجة من النظام، أى مجموعة أو مجموعات تتحرك بشكل مدروس، لتقدم مطالب محددة، بل وممكنة التحقيق. والشرط الثانى مطالب واضحة للتفاوض حولها، مع معرفة لحدها الأدنى وحدها الأقصى.
هذا ما فعله على سبيل المثال موظفو الضرائب العقارية، فقرروا الاعتصام أمام مجمع الجيزة، والخطوة الثانية أمام وزارة المالية، ثم رئاسة الوزراء. كانوا منظمين، هناك مفاوضون، وآخرون ينظمون الأكل والشرب ومستلزمات المبيت فى الشارع وغيرها من التفاصيل. لم يكن هناك أى عنف، بل كانوا حريصين على عدم إزعاج سكان شارع حسين حجازى، فلا يهتفون بعد أن يخرج موظفو مجلس الوزراء والمسئولون الكبار فيه، فهناك مرضى وتلاميذ تذاكر وناس من حقها أن ترتاح فى بيوتها، نسجوا المودة مع ضباط وعساكر الداخلية، كانت شعاراتهم بلا شتائم وتؤكد أن الكل فى الهم سواء. ولهذا نجحوا، فوزير المالية الذى صرح فى بداية إضرابهم "محدش هيلوى دراعى"، سعى للجلوس معهم و"اتلوى دراعه" واستجاب لمطالبهم.
وهو ما حدث فى مئات من الاحتجاجات فى الأعوام الأخيرة، وهذا ما يحاول أن يفعله الآن أساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم.
إنها ثقافة الاحتجاج التى اخترعها المصريون لأن لديهم مطالب عادلة، وكان وما زال من الممكن أن تنمو وتتطور وتصبح أكثر تحضرا وأكثر تاثيراً، ليحدث التغيير الديمقراطى الذى يحلم به ويتمناه الجميع.
لكن ما حدث اليوم وربما فى أيام قادمة، حرائق وفوضى، وحدث من قبل ولم يتغير شئ.
ففى 18 و19 يناير عام 1977 كانت هبة شعبية لا ضابط لها ولا رابط، دمرت وخربت ولم تحقق أى منجز، فارتفاع الأسعار الذى خرجوا وقتها احتجاجاً عليه، زاد مئات المرات. وهو ما تكرر فى أحداث الأمن المركزى عام 1986، حدثت هبة رهيبة من الجنود الغلابة وحدث تخريب وإصابات وسالت دماء. ونزل الجيش إلى الشارع. ولم تتحسن أحوال الجنود، انظر الآن إلى وجوههم وأجسادهم التى هدها الفقر والقهر.
المشكلة فى هؤلاء الذين يدعون لهذه الفوضى بكل قوتهم، فهم يريدون إسقاط النظام بأى طريقة مهما كانت، لا يعترفون بالاحتجاجات السلمية التى تقوم بها كافة فئات المجتمع، بل ويتعالون عليها، فلا يهمهم أن تتحسن أحول المصريين، ولكن هدفهم الوحيد هو أن يسقط النظام، ولم يسألوا أنفسهم أبداً: ما هو الثمن؟
هل تحتمل البلد خراب الفوضى، هل يحتمل واحد منهم حرق سيارته أو إصابة ابنه أو زوجته فى الفوضى التى يطلقون عليها عصياناً مدنياً.. إذا بدا الحريق فلن يرحم أحداً ولن ينجو منه أحد.
ثم إذا سقط النظام الحاكم بالفوضى والتخريب، فمن يحكم، هل هم الذين يخربون واجهات المحلات ويحرقون السيارات؟ هل يتصورون أنهم من الممكن أن يأتوا إلى الحكم بحرائق الفوضى.. إنها سذاجة سياسية.
سيكون البديل هو نزول الجيش، وزيادة حملات القمع من النظام الحاكم، الرجوع إلى الوراء وزرع الخوف مرة أخرى فى النفوس.. أو فى أسوأ الأحوال يركب الإخوان "الهوجة" ليصبحوا أكثر استبداداً وقمعاً من النظام الحاكم، سيذبحون المختلفين معهم فى الشوارع .. لكن باسم الله عز وجل.
إنها كما قال د.وحيد عبد المجيد "حكومة تحكم بعشوائية ومعارضة تعارض بعشوائية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة