لعله أكبر "صوان عزاء" عرفته البشرية هذا "الصوان" الذى تخيلت حدوده التى تمتد من أسوان إلى السلوم ومن دمياط إلى الفيوم وضواحيها الواحاتيه.
السرادق ممتلئ بملايين الكراسى بخلاف الصف الذى يقف لتقبل العزاء من بعض التيارات السياسية وشوية نخبة يبكون ويولولون بينما الشعب لايعرف ليه مات؟!
يتقبلون العزاء فى الشعب .. لأنهم هم الذين "توفوه" .. الوفاة لم تكن طبيعية.. هكذا يؤكد أطباء الشعب.. وهم فى تأكيدهم التشريحى كما جاء فى التقرير.. يرون أن شعبا عظيما بحجم شعب مصر لا يحتاج للإضراب الذى لم يؤهل له بعد، أو لنقول أن الإضراب يمثل "الشهادة العليا" التى بات كل بيت مصرى يسعى لحصول أولاده عليها حتى لو لم تعد تسمن أو تغنى من جوع.! لكن حولونا لبلد شهادات..
الغريب أن من يقفون لتلقى العزاء فى الشعب، لم يكلفوا أنفسهم عناء بدء تثقيف الشعب من مرحلة "الابتدائية المواطنية".. والتى يجب أن يتعرف فيها على منهج مهم هو العمل كواجب.. والحق فى الحياة كرد للقيام بهذا الواجب.
لم يعلمونا ثقافة مقاضاة مؤسستى الماء والكهرباء لانقطاعهما أياماً فى الشهر، بل يدفعونا للدفع صاغرى الأيدى بينما يمكننا المضى فى قضية رأى عام أمام القضاء المصرى، تصلح أحوال المال والكهرباء أو تقلل ثمنهما مثلاً !
لم يعلمونا ثقافة رفض دفع حصة المرور لترخيص سيارات ملاكى أو أجرة بينما الشوارع كلها مطبات وحفر تكسر هذه السيارات!
أيضاً سكتوا على كلام الحكومة عن مشروعات مستقبلية لوحدات غسيل الكلى.. حتى تخيلت أنه منتج مصرى سيتم تصديره للخارج !
تركونا نستأجر أو نشترى شققاً فى أبراج لعينه متراصة و لا نسأل أصحابها عن الجراج.. أو الخدمة احتجاجا على عدم وجودهما..
وكأن لسان حالنا يؤكد أن المالك كتر ألف خيره لمنا من الشوارع فى برجه والعياذ بالله.
لم يعلمونا ثقافة السؤال عن شخصية من يسألنا عن أورقنا الحكومية وإثباتات الشخصية.. وأيضا الأخ الذى يسأل لم يتعلمها فأصبحنا نراها فى الأفلام الأمريكى فقط عندما يقدم السائل حافظته وبها نجمة تدل على أنه من جهاز أمنى قبل أن يسأل المواطن وتركونا فى ممارسة غبية الكل بيقول للكل .. "أنت مش عارف بتكلم مين" ؟!
الله وحده يجازيهم على دفعنا لنتعلم البكالوريوس مثلاً ً قبل الابتدائى.. حتى يصبحوا أبطالا ً للحواديت الشعبية.
والناس الغلابة، ولا أدرى لماذا لم يرفضوا مثلاً.. مثلاً محاصرة شواطئ الشعب بالقرى بتاعة الناس التانيين اللى هما مش الشعب الغلبان الذى لم تترك له هذه القرى المتوحشة إلا بحور الظلمات المزدحمة هنا وهناك.. ألا يعرف أعمامنا النخبة والتيارات السياسية أن هذا النظام غير معمول به فى كل الدنيا.. ولا حتى فى جزر "هاواى" التى يعشقها الأثرياء لكنهم لا يستطيعوا منع الشعب اللى زينا من التمتع بها..
طبعا كل هؤلاء الحبايب الجدعان الشجعان من مللك وحدات تلك القرى طبعا ً ما أنا أم البطل وأى كلام.
لم يعلمونا الاحتجاج ورفض ظهور "بارونات" يقدمون المبادرات الخيرية فنجرى لنسبح بحمدهم .. بدلاً من معرفة لماذا يقدمون هذا على خلاف العالم المتحضر.
فرضوا علينا وعلى شبابنا منطقاً عاما ً سموه الأحزاب فكان صوان العزاء.. وأعتقد أننا سننتظر لنرى بقية مسلسل العزاء فى شعبنا الطيب فبعد أربعة مايو سيقام صوان الأربعين ومن ثم الذكرى السنوية وربما ينشرون نعيا كبيرا فى كل الصحف يصور الأغلبية التعبانة ليقولوا مر عام على وفاة الشعب .. وإحنا طيبين وبخير و بنتكلم كلام من النوع المجعلص.. يعنى كلام كبير خالص من نوعية بيد أن – وحيثما ولم يأت بعد، إلى نهاية قاموس النخبة ومنسوبى التيارات السياسية الله يكفينا شرها قولوا آمين، ولا أراكم الله مكروها فى شعباً لديكم..