الحكم بعد المشاهدة..
"يقول المعلم: هناك إلهان.. الإله الذى يسحقنا تحت خطايانا.. وذلك الذى يحررنا بحبه"
(باولو كويلهو ـ مكتوب )
نعرف الله كما نريد أن نراه؛ وهكذا “الإعلام". من طبيعة الأشياء أن يمتلك الإعلام سلطة تتيح له أن يجعلنا نرى بأعينه! ما يعنى أن معرفتنا بما يحدث حولنا، هى فى الحقيقة معرفة مرهونة، بما يريد صناع الإعلام تصديره إلينا: دنيا رائعة، أو عالم قبيح.
لا يختلف اثنان على قبح عالمنا، ولا على تفاقم مشكلات مجتمعنا؛ وبالطبع إذا نقل الإعلام هذه الصورة، فلن يكون كاذباً أبداً، على العكس سيكون موضوعياً إلى أقصى درجة، لكن أليس للإعلام دورٌ آخر.. تحتمه الموضوعية أيضاً ؟ هذا الدور ببساطة.. هو نقل "الأشياء الحلوة "، فهذه هى الموضوعية أيضاً، والأهم.. أن هذا يزرع الأمل فى المشاهدين، ولا تصبح المتابعة التليفزيونية بالنسبة إليهم، كابوساً ثقيلاً؛ بل ربما "فسحة" أمل ينتظرونها كى تمنحهم القدرة على الاستمرار فى الحياة، طالما أن فيها ما يستحق.
إذا فعل الإعلامى هذا، قد القبح، اتهامات الانحياز ـ فى أفضل الأحوال ـ وهى ضريبة يختار البعض أن يدفعها، ويتجنبها البعض. أما العقبة الأهم أمام اهتمام الإعلام بالإيجابيات، فهى أن يراها صناع الإعلام من الأساس! فإذا اعتادت العين أن ترى القبح، يصبح من الصعب عليها أن ترى ما هو جميل، و"اصطياد" الجمال مهمة صعبة.. لا تقدر عليها كل عين، ولا يستطيع كل إعلامى القيام بها.
ولحسن الحظ أن المساحة الإعلامية الكبيرة المتاحة حالياً، وحالة المنافسة الشديدة المقترنة بالتوالد المستمر للمحطات، جعلت من المتاح ـ من حيث الكم والمضمون ـ تقديم إيجابيات، تولد فى مجتمعنا دون أن نراها، أولاً: لأنها لم تكن مرحباً بها على قائمة أولويات التناول التليفزيونى. وثانياً: لأن "قناعة" التشبث بالحياة موجودة بالفعل لدى جيل جديد، يتولى الآن زمام العمل التليفزيونى، ويفرض اختياراته.
هذه القاعدة هى ثابتة من حيث المبدأ على شاشة OTV، ويمكن تمييزها بسهولة شديدة، خاصةً فى برامج مثل "عيون O"، الذى يقدم تفاصيل صغيرة فى الحياة اليومية المصرية، لا يسمع عنها سوى القليل، وكلها تمثل شرارات أمل على أصعدة عدة، وكذلك برنامج "ف الكادر"، الذى يقدم أسبوعياً نجماً جديداً يولد فى عالم الإخراج والسيناريو السينمائى، لولا هذه الفرصة ما علم به أحد، فالبرنامج لا يعرض الفيلم المستقل القصير، وحسب، بل يعطى صانعه الفرصة ليتحدث عن نفسه وعمله، ثم لمتخصص ليقيم التجربة ويمنحها ما تستحق من الاهتمام.
أما "العاشرة مساءً"، فأصبح لا يمر أسبوع تقريباً، دون أن تستضيف مقدمته "منى الشاذلى" نموذجاً مبشراً بالأمل، سواء على مستوى الفن، أو الكتابة، أو البحث العلمى، ويبدو أن هذا أصبح تقليداً راسخاً فى البرنامج، تختتم به الأسبوع فى أغلب الأحوال، كى تترك المشاهدين فى عطلة نهاية الأسبوع، دون غصة ألم تعكر صفو إجازاتهم. الإعلام المصرى الشاب والمستقل، الذى يولد حديثاً، بدأ يقدم لنا عالماً مختلفاً، لا نراه فى بلادنا لانشغالاتنا اليومية، وإن دل ذلك على شىء، فهو أن مصر تولد من جديد، ونحن.. نولد معها.