أؤيد تماماً المادة الخاصة بتجريم ختان الإناث الواردة فى مشروع " تعديل على قانون الطفل الصادر عام 1996" لأسباب عديدة، وإن كنت أرفض بحماس أيضاً المادة الواردة فى القانون نفسه، والخاصة بتجريم عقاب الآباء للأبناء تحت مسمى "منع العنف المادى والمعنوى على الطفل"، ورفضى لهذه المادة ليس عناداً فقط فى كل ما يقول أو يفعل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع، الذى وصف معارضى هذه المادة بالظلاميين والمتخلفين، ولا اختلافاً فحسب مع رئيس حزب الجيل ناجى الشهابى، الذى قال إن هذه المادة "ستسمح للشباب أن يصادقوا البنات ويأتوا بهن للمنازل طالما أنهم لن يجدوا العقاب اللازم"، ولا خوفاً من ابنى زياد (6 سنوات) من أن يغيّر وجهته من المدرسة – البيت فيذهب إلى قسم الشرطة ليشكونى ويجعلنى مجرماً بعد أن عنّفته على كسر شاشة تليفزيونى الفلات الـ 29 بوصة.. لا لا، أقول:
سبب رفضى الرئيسى لهذه المادة أنها أشبه ما تكون بـ "بيتى فور" الست مارى أنطوانيت، ففى الوقت الذى تزخر شوارعنا وأرصفتنا ومياديننا، وحدائقنا العامة ومحطات قطاراتنا بثلاثة ملايين طفل شوارع (حسب متوسط التقديرات)، يمثلون الجيلين الثالث والرابع ، مما يعنى وجود أمهات شوارع وآباء شوارع وأجداد وجدّات شوارع، وبدلاً من سن تشريعات عاجلة للمواجهة واستيعاب هذه الظاهرة المؤلمة، نُفاجأ بمادة تجريم عقاب الآباء للأبناء بحجة منع العنف المادى والمعنوى على الطفل .. يا سلام!
أعود لتأييدى التام للمادة الخاصة بتجريم ختان الإناث، ففضلاً عن قناعتى الشخصية بسخافة هذه العادة المرذولة وتداعياتها النفسية والجسدية الخطيرة على بناتنا ، أرى أنها – أى هذه المادة – تمثل ثورة كبرى سيؤرخ بما قبلها وما بعدها ، كيف ذلك ؟ أقول لحضرتك :
رغم حساسية الموضوع – ختان الإناث – واستقراره خطأً فى صلب خصوصيتنا الثقافية الممتدة من عهود الفراعنة القدماء، إلى تخوم الشعائر الدينية الشعبية المتوارثة جيلاً بعد جيل دون تمحيص أو تدقيق.
ورغم أن 90% من آباء وأمهات مصر، من كَرموز شمالاً وحتى شلاتين جنوباً، مازالوا يقومون بهذه العادة لبناتهن اعتقاداً منهم أنهم بذلك يحافظون على عفاف بناتهن، ويحافظون كذلك على العادات والتقاليد. ورغم بروز عدد من رجال الدين المدافعين عن ختان الإناث، متصورين أنهم يدافعون عن هويتنا الدينية وخصوصيتنا فى مواجهة ضغوط الغرب الثقافية. رغم كل ذلك انطلق مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر باتجاه "جلاسنوست" جذرية فى مواجهة أخطر الشعائر الشعبية المستقرة على تخوم الدين واستئصالها.
ورغم ذلك أيضاً انطلق المجلس القومى للطفولة والأمومة باتجاه "بريستوريكا"، أطاحت بكل من يتذرع بخصوصيتنا وثقافتنا وهويتنا للاستمرار فى تبرير هذه العادة البربرية المرذولة. وهنا مربط الفرس ،أبشّر نفسى وأبشّركم أيها المواطنون والمواطنات بسقوط صنم "الخصوصية" التى حالت دون تطبيق الديمقراطية الكاملة، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لن نجد بعد اليوم وزيراً أو غفيراً أو مسئولاً أياً كان موقعه، يتذرع بخصوصيتنا الثقافية مبرراً عدم تطبيق الدساتير العالمية وموادها الكاملة الشارحة المفصلة، التى تهدف إلى تأكيد إنسانية الإنسان وكرامته وحقه فى العيش الكريم، وإذا حدث فعلينا أن نقول لهذا الوزير أو ذاك الغفير.. لا كان زمان ، قبل قانون الطفل ومادة تجريم ختان الإناث فيه. ألم أقل لكم إنها ثورة كبرى سيؤرخ بما قبلها وما بعدها.
فى اجتماع لشباب الإعلاميين بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، كانت الصحفية الكبيرة أمينة شفيق متحمسة، وهى تحكى عن قرية فى أقصى صعيد مصر، أعلنت منع ختان الإناث بصورة نهائية وكنت مبتسماً منصتاً لها، لكن إحدى الزميلات المشاكسات فهمتنى خطأ واتهمتنى بأننى مع ختان الإناث، ساعتها راحت ابتسامتى وأنا أقول لها: لأ طبعاً أنا ضد ختان الإناث ، لكنى أيضا ضد ختان الديمقراطية وضد ختان حقوق الإنسان - رغم مؤانسة المجلس القومى لحقوق الإنسان لنا- فقالت لي: إذن لماذا تضحك، قلت لها: أولاً أنا لم أكن أضحك، أنا كنت مبتسماً، وثانياً كنت أبتسم لفكرة وردت على ذهنى، أن أشهر جمعية أهلية باسم "لا لختان الديموقراطية". هل تشتركين معى فى تأسيسها؟ فابتسمت الزميلة المشاكسة ولم تجب حتى هذه اللحظة!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة