بكثير من التقدير والاحترام أراقب التجربة الصينية، وأتوقع أن يكون القرن الحالى قرناً صينياً.
كان هذا هو الانطباع الأول الذى تكون لدى عندما زرت شنغهاى، العاصمة الاقتصادية، للصين قبل عدة سنوات. وتعزز هذا الانطباع، وأن أتابع منبهراً وقائع افتتاح "أولمبياد بكين" التى انطلقت قبل أيام.. الجميع اتفق على المستوى التقنى العالى الذى ظهر به الافتتاح، الذى أرادت به الصين أن تقول للعالم إنها قوة عظمى بالعلم وليس بشىء آخر.
ذهبت إلى الصين وفى عقلى انطباعات نمطية مسبقة، لم أر منها على أرض الواقع شيئاً، باستثناء طعامهم الصحى الذى لم يصادف هوى عندى أو عند أحد من الزملاء الذين رافقونى فى هذه الرحلة الممتعة.. ذهبت وأنا أعتقد أننى لن أجد مكانا أسير عليه، وأن السيارات تملأ الشوارع وأن الفوضى بالتأكيد هى الحكم، فمن يستطيع أن يقود ويسيطر على ربع سكان العالم، بل ويضبط إيقاعهم على الإنتاج.
ولم أجد شيئا من كل هذا، وجدت شعبا يعمل كما يتنفس، يبنون وينتجون كل شىء وأى شىء، قفزة اقتصادية هائلة ومدروسة رفعت مستوى الفرد ومستوى الحياة، كما أدت الحوافز الاقتصادية إلى تسابق دولى محموم للفوز بموطىء قدم فى الصين، التى بدأت تنتقل من مرحلة التقليد إلى مرحلة الإجادة وقريباً المنافسة.. كل هذا انعكس فى حركة عمرانية كبيرة، من شباك الفندق الذى كنت أقيم فيه فى شنغهاى، كنت أتابع ورديات العمل على مدار الأربع والعشرين ساعة فى بناء العمارات الشاهقة، الكل فى تسابق محموم مع الزمن من أجل الإنجاز.. المرافق الصينى للوفد المصرى أشار لنا من أعلى قمة فى شنغهاى على عشرات الأبراج، التى أنشئت فى عدة سنوات قليلة، وقال لنا كل هذه الأبراج كانت أراضى عشوائية، يعيش فيها الرعاة وبعض الصيادين فى أكواخ، والآن أصبحت شنغهاى الجديدة التى سنتحدى بها اليابان وأمريكا قريباً.
وزرت أمريكا عدة مرات فى السنوات الأخيرة، وفى كل مرة أتأكد أكثر أن الصين احتلت أمريكاً اقتصادياً، فكل ما قد تمتد إليه يدى، وأجد أن سعره مناسباً أجده قد صنع فى الصين، ووقعت فى إشكالية أن أحضر هدايا لأبنائى من أمريكا مكتوب عليها "صنع فى الصين" الفارق الوحيد هو أنهم ينتجون للسوق الأمريكى ما يليق به، وينتجون لمصر الشريحة الأسوأ، وهم يبررون ذلك بمثل صينى يقترب فى معناه من مثل مصرى هو "كل برغوث على قد دمه"!
ذهبت إلى الصين ورأيت كيف حولوا شماعة الزيادة السكانية المنضبطة من عائق إلى ميزة، فالعمالة الرخيصة هى أساس قدرة المنتج الصينى على المنافسة، أما فى مصر فقد اكتفينا بشماعة الزيادة السكانية لنعلق عليها كل أسباب الفشل.
إلى متى ستتبدل الدنيا حولنا ونحن فى مصر كامنون، ننتقل من تعثر إلى آخر وننتقل من فشل إلى آخر، إلى متى سنعيش وهم التنمية، لنصحو على واقع يزداد مرارة.
إلى متى؟ من يعرف الجواب يحتفظ به لنفسه، لأن محتكرى الحقيقة فى بلادى لا يسمعون إلا أنفسهم!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة