ليس الشهر الكريم تمراً فقط، ولا فوانيس صينية تمشى على عجلات وتغنى: "هاتى فانوسك ياختى يا إحسان.. آه يا ننوسك فى ليالى رمضان"، ولا ياميش وتمر هندى وعرقسوس، وكنافة وقطايف، وتراويح، وحلّو يا حلّو رمضان كريم الله أكرم، ولا زحمة ما بعد الساعة 3 العصر، ثم أذان المغرب عليك فى الطريق فيلقى إليك أحدهم بتمرة مبلولة أو برتقالة أو إصبع موز، وربما بضع حبات فول سودانى.
رمضان ليس طبق السلطة الذى تنتهى من تحضيره مع كلمة الله أكبر، ولا سيجارة بعد الفطار، ولا المسحراتى، ولا مواعيد العمل الجديدة، ولا "اللهم إنى صايم"، ولا "متخليناش نفطر عليك"، ولا ليلة رؤية الهلال، ولا "وحوى يا وحوى إيوحا"، ولا سحور فول بالزيت الحار عند البغل فى السيدة زينب، ولا محاولات غض البصر أول ثلاثة أيام فقط، ولا السمن والسكر والفراخ والزيت واللحوم والأسماك التى ارتفعت أسعارها، ولا طابور العيش لساعتين قبل الإفطار، وساعتين بعده، ولا الثواب العظيم على الأعمال، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
هناك جانب آخر ليس من الممكن إغفاله.
المقاهى والمطاعم التى تفتح فى نهار رمضان، أبوابها مواربة، نصف مغلقة ونصف مفتوحة، انحنِ قليلاً، وادخل إن أردت، ستجد زحاماً لا بأس به، هنا جمهورية المفطرين المتحدة، رعاياها لا يمكنهم فهم أن السنة أقل من 12 شهراً، لا يستطيعون أن يجعلوها 11 شهراً، وشهر، الحياة متصلة لديهم، لا يمكنهم قطعها، منهم من يصلى كل الفروض، منهم المريض وصاحب العذر، ومنهم من يؤكد لنفسه أنه سيصوم حتما فى العام المقبل، ومن يرى أن "ربك رب قلوب"، لكن حين يقفل الباب عليهم "نص قفلة" يتساوى الجميع، شاى هنا، وشيشة هناك، وساندوتشات ووجبات وحاجة ساقعة، وقهوجى أو جرسون ربما كان يفضل الصوم "لكن مينفعش"، وربما يكون صائما فعلاً.
ستمر حتماً وتجدهم بالداخل، ستنظر إليهم على أنهم: "الناس الفاطرين"، وسينظرون هم إلى كل من يمر باعتبارهم "الناس الصايمة"، سينقضى الشهر، وتفتح أبواب المقاهى، ليهتف الجميع معا: "رمضان ولى هاتها يا ساقى"، ولتتحد قوى الشعب الصائمة والمفطرة لأحد عشر شهرا أخرى، فى انتظار هلال جديد لرمضان جديد، وحلّو يا حلّو، تم البدر بدرى والأيام بتجرى، ووالله لسه بدرى والله يا شهر الصيام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة